يزور الوزير الجديد للخارجية الأميركية منطقتنا للترويج للسياسات المترددة والمتناقضة والمائعة لإدارة اوباما، وهي السياسات التي لم ينجم عنها غير تشجيع قوى التطرف المعروفة بعدائها للقيم والمبادئ الديمقراطية، ولحقوق الإنسان ولاستقرار المنطقة والأمن العالمي.
الزيارة تأتي بعد فشل مفاوضات كازخستان مع إيران، واستمرار فضح المحاولات الإيرانية لتهريب السلاح لليمن، وللتدخل في البحرين، وتقديم حكام إيران أدلة جديدة على المماطلة والتلاعب والمناورة مع المجتمع الدولي لكسب مزيد من الوقت ولمباغتة العالم بالقنبلة النووية. وتأتي الزيارة مع المزيد من افتضاح الميول الدكتاتورية الشمولية والإقصائية للإخوان المسلمين، المسيطرين على السلطة في مصر، وهي ميول لم تكن خافية على أحد بحكم تاريخ الإخوان وأيديولوجيتهم، التي تتلخص فيquot; الإسلام هو الحلquot;، وتسويغ كل الأساليب للوصول للهدف.
أما الدرسان، فأولهما جاء في مواجهة وزير خارجية السعودية لجون كيري حول المفاوضات مع إيران، وتصريحه أمام كيري ووفده بquot;أن طريقة التفاوض مع إيران ستضعنا أمام سلاح نووي.quot; وحسب علمي، فإن هذا أول تصريح عربي واضح وحازم في نقد سلسلة المفاوضات الدولية والسداسية والأميركية مع نظام الفقيه منذ 2006، والتي لم تبرهن على أية جدية وحسن نية إيرانيتين، بل، برهنت على العكس، حيث استخدمت تلك السلسلة التي لا تنتهي من جلسات التفاوض وquot; الحوارquot; لتعزيز القدرات النووية الإيرانية، مع المضي في التدخل في شؤون دول المنطقة وزرع الجواسيس والمخربين وتسليح المليشيات ونشر الطائفية، ودعم جزار سوريا. وصدق الوزير حين قال إن الإيرانيين واصلوا التفاوض لمجرد التفاوض، أي كأن التفاوض هو غاية بحد ذاته. والمأمول أن يستمر هذا الموقف السعودي الواضح وأن يجد ترجمته في المواقف العملية، سواء من طرف السعودية أو مجموع دول الخليج والدول العربية الأخرى غير السائرة في الركب الإيراني.
أما الدرس الثاني، فتلقاه كيري في القاهرة من السياسية المعارضة جميلة إسماعيل عند لقائها به ووفده. وللعلم فإن كيري، وبعقليته وعقلية رئيسه وسفيرتهم، لم يتعلم شيئا مما يجري اليوم في مصر، أو لا يريد تعلم ما هو واضح لمن يريد أن يرى ويحكم بلا تزويق. فكيري لم يستنتج مما يجري غير أن كل شيء بخير لأن مرسي طمأنه عن ديمقراطيته العتيدة!!أما السيدة جميلة، فخاطبتهم بكل جرأة قائلة:
quot; تتصورون كقوى كبرى أن بإمكانكم صنع رئيس ديمقراطي من فرعون، لكننا لم نعد نُقبِل على حفلات تنكرية. المصريون لم يقوموا بثورتهم ليغير مسؤول البروتوكول في سفارتكم أجندة تلفوناته.quot; ومضت لتتهم الإدارة الأميركية بالمساهمة في بناء ما وصفته ب quot; النسخة لمصرية من دولة ولاية الفقيه.quot;
صفعتان بحق، ولكنهما غير كافيتين لكي يتراجع أوباما وطاقمه عن السياسة الكارثية التي ينتهجونها في المنطقة. فالدول الخليجية لم تبرهن حتى اليوم على موقف واضح ومتفق عليه تجاه الخطر الإيراني، ولم تتخذ التدابير والإجراءات والسياسات الضرورية للضغط على الإدارة الأميركية، ولمزيد من الاعتماد على نفسها أمنيا. ولا نزال نذكر حضور احمدي نجاد اجتماعات مجلس التعاون و تراكض المسؤولين العرب إلى طهران بمناسبة ما سمي بمؤتمر حركة عدم الانحياز. كما أن قيام الدول الخليجية أو بعضها بالدعم القوي للإخوان المسلمين في دول الانتفاضات العربية، ومنها سوريا، لا يسهم في تخفيف التوترات وتقوية القوى والتيارات القادرة على الوقوف أمام العنجهية الإيرانية، وهذه الدول مثلا تترك الأردن في ضائقته الاقتصادية والمالية فتتشجع إيران على مغازلته، مثلما تغازل مرسي الإخواني، مباشرة أو عن طريق حكومة المالكي. ففي النتيجة، سيصطف الإخوان مع نظام الفقيه عندما quot; يجد الجدquot;، أي في المواقف الحدية، وسوف تكون دول الخليج في مقدمة ضحايا هذا الاصطفاف!
الحكيم من اعتبر بالتجارب- وما أكثرها! وقد قيل quot;ما أكثر العبر وأقل الاعتبار!quot;