تلكم خلاصة الموعظة السرية لفقيه الإرهاب، الباكستاني أنجم تشودري، المقيم في بريطانيا، والتي أثار الكشف عنها ضجة إدانة واشمئزاز. وقد أحسنت الكاتبة نهاد إسماعيل بالتعليق على الحدث في مقالها بإيلاف.
إن فقيه العنف والكراهية الموما إليه يدعو أتباعه لقتل كاميرون وأوباما، متوعدا باجتياح أوروبا بquot;تسونامي إسلاميquot; لن يعف عن ملكة بريطانيا إلا إن أسلمت- وطبعا ستهدم الكنائس لتشيد على أنقاضها مساجد إضافية جديدة بجانب عشرات الآلاف من المساجد والمراكز الدينية القائمة في أوروبا- ناهيكم عن الكتاتيب الإسلامية التي تدرس كراهية الآخر غير المسلم، وتدعو لتطبيق أحكام الشريعة في الغرب.
هذه الموعظة السوداء البشعة، التي تلقى باسم الدين والقرآن، تتزامن مع اعتقال ثلاثة باكستانيين بريطانيين كانوا يخططون لتنفيذ تفجيرات كبرى في لندن لتكرر تفجيرات عام 2006. وفي حينه، كتب عبد الرحمن الراشد: quot; قلنا لكم امنعوهم، ونقول اليوم اطردوهمquot;. والواقع أن التعامل مع أمثال هذا الفقيه، المبشر بالعنف والجريمة والكراهية، هو بقذفه بعيدا عن البلاد وحرمانه من نعمها المسبوغة عليه؛ إبعاده، هو وأمثاله ومريديه وأنصاره، بلا تردد، وبكل حزم. فليذهب حينئذ إلى قندهار أو باكستان أو إيران أو العراق أو غزة لينعم هناك كما ينعم اليوم في quot;بلد الكفارquot;!
إن الرجل مثال لنكران جميل بلد يستضيفه ويصرف عليه وعلى أولاده 25 ألف جنيه إسترليني سنويا، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين البريطانيين من أهل البلد من البطالة وسوء المعيشة بسبب الأزمة المالية الطاحنة. ولكن الديمقراطيات الغربية- وكما كتبنا مرارا- معرضة لسوء استغلال وابتزاز عناصر وقوى التطرف والكراهية، وذلك بحكم مؤسساتها، والقضاء، والإعلام، وكثرة الأحزاب المتنافسة، والتيارات المختلفة، لاسيما تيارات أقصى اليسار، وأيضا الجماعات والمنظمات المغالية في اللبرالية والمشوهة لها. ومما يزيد المشكلة تعقيدا وجود ما يسمى بمحكمة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، التي تنسى أحيانا الضحايا، وتدافع عما تعتبرها quot;حقوقquot; دعاة سفك الدماء من الإرهابيين الإسلاميين وفقهائهم.
قصة تشودري واحدة من ظواهر إعصار قوى التطرف والإرهاب الإسلاميين الذي يجتاح العالم منذ عقود- منذ السبعينات، وخصوصا منذ 11سبتمبر. ومع ما سمي ربيعا عربيا، استطاعت هذه القوى، من سلفية وإخوانية قطبية وقاعدية، أن تتسلل للانتفاضات، وأن تنتزع موقعا بعد آخر فيها، مهددة، مع نظام الفقيه، بتحويل المنطقة كلها إلى جحيم من التخلف والعنف الطائفي والحروب الداخلية والإقليمية وسباق التسلح.
تشودري يطلب قطع رأس كاميرون، ومن قبل هذا، قطعت القاعدة في العراق رؤوس كثيرين من المواطنين والمدنيين الأجانب الأبرياء. وكان القرضاوي يحث على قتل الأميركيين، من مدنيين وعسكريين، وهو الذي يعظ بالقرب من أضخم قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة!
أينما ننظر، وأي خبر نسمع، نواجه يوميا جرائم المتطرفين باسم الإسلام الحنيف: ما بين خطف الأطفال، وحرق الكنائس في مصر ونيجيريا والعراق وبورما، وفرض الشريعة قسرا في مالي وتدمير المزارات الدينية هناك، ومحاولة اغتيال طفلة كملالا في باكستان لمجرد تعلقها بالحق في التعليم. وبعد هدم تماثيل بوذا قبل سنوات، نأتي اليوم لقطع رأس تمثال المعري في مدينة سورية، وقطع رأس تمثال طه حسين في ساحة المنيا بمصر. ويا لتلاقي المفكرين والأديبين العملاقين، المعري وطه حسين- تلاقيهما في هذا المصير المثير، وهما اللذان تلاقيا في أمور كثيرة رغم بعد المسافات الزمنية. وحين وقف الجواهري عام 1944 في إلفية المعري، وبحضور طه حسين، لينشد :
quot; لثورة الفكر تاريخ يذكرنا بأن ألف مسيح دونها صلباquot;
صاح طه حسين: quot;بل، ألف، ألفquot;. فالقضية في الجوهر هي قضية العداء للفكر المستقل وحرية التفكير والعقل الحصيف وللحرية الشخصية بأوسع معانيها. فالإسلاميون، على اختلاف منازعهم وجنسياتهم وفروعهم وأصولهم ومذاهبهم، هم أعداء ألداء للفكر المتنور وللحرية وللتعايش مع الآخر ما لم يكن مهمشا. وهكذا، فإن الداعية الباكستاني البريطاني، ومن لف له، يحاربون حرية الفكر والتعبير والديمقراطية ويصفونها بquot;الصناعة الغربيةquot;. وهم يشجبون ويدينون ويطمسون حتى العناصر التنويرية والعقلانية في التراث الفكري والعلمي والأدبي للحضارة العربية ndash; الإسلامية، ولا يتشبثون منها بغير القشور، وبكل ما هو متخلف وداع لكراهية الآخر وللعودة القهقرى إلى ظلمات الكهوف.
إن تسونامي التخلف والانكفاء والتعصب والتطرف باسم الإسلام، [وهو نفسه الضحية]، الضارب عرضا وطولا في أنحاء العالمين العربي والإسلامي، هو العقبة الأولى والرئيسية أمام قيام أنظمة ديمقراطية في دولنا. وهو ما كنا ممن نبهوا له منذ اندلاع الانتفاضات، وبتكرار، في خضم موجة الحماسة العاطفية والتبريكات ودق الطبول. وما لم تزح عن العقول والنفوس سيوف التكفير والتحليل والتحريم، والفتاوى التي تحتقر المرأة وغير المسلم، وما لم ينتهِ إقحام الدين في السياسة، وما لم يوقف دعاة وخطباء الخرافة والكراهية والعنف عند حدودهم، فإن الديمقراطية العربية ستظل مجرد حلم جميل! ولا فرق بين قطع رأسي تمثالي المعري وطه حسين وبين الهجوم على الموسيقى والفنون والنوادي وشارع الكتب في العراق، وتبشير المالكي بأفكار سيد قطب والخميني والنفيسي. ولا فرق في الجوهر والطبيعة بين مرجعية القاعدي والسلفي والإخواني والخميني. وثمة أكثر من وشيجة وعلاقة في الطبيعة والجوهر بين جيش المهدي، وعصائب أهل quot;الحقquot;، وميليشيا بدر، وحزب الله في العراق [ بزعامة داعية العنف الطائفي، البطاط]، وحزب الله اللبناني، وحماس، والجهاد، وفيلق القدس والباسيجي، وجبهة النصرة والقاعدة في مالي واليمن وأفغانستان، وطالبان، والسلفيين بكل جنسياتهم وفروعهم.
أخيرا، فإذا كانت إيران تمول وتشجع وتسلح المليشيات والخلايا الطائفية في أرجاء المنطقة، فإن السؤال هو عن الجهات التي تمول غلاة التطرف والإرهاب، كجبهة النصرة في سوريا وقاعدة مالي مثلا. فأما الإخوان المسلمون في مصر وغزة وسوريا وليبيا وغيرها، فمعروف أن الأموال القطرية لا تبخل عليهم، وبسخاء. وماذا عن قاعدة مالي وجبهة النصرة مثلا؟ الصحافة الجزائرية تتهم دولة قطر أيضا بتمويل قاعدة الشمال الأفريقي، ولكن المسؤولين القطريين ينفون ذلك. وقد انضم الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم إلى هذا الاتهام، فنفت قطر. ويبقى السؤال مفتوحا على أية حال!