تقول الإحصاءات إن مليار امرأة يغتصبن أو يقتلن في العام الواحد. وإلى هذا أشارت الناشطة والكاتبة المسرحية الأميركية، إيف إينسلر، في يناير الماضي في قاعة حاشدة بنيودلي. وكانت القارة الهندية قد شهدت للتو أكبر الاحتجاجات النسائية العارمة على أثر الاغتصاب الجماعي لفتاة في ديسمبر الماضي، ثم وفاتها بعد أيام.
مضت الخطيبة تستشهد بمقاطع من إحدى مسرحياتها تقول: quot;إنني مخلوقة عاطفية. لا تطلبوا أن أمتنع عن البكاء. لا تقولوا لي أن أهدأ، وأن أكون عقلانية أو لا أكون. إنني مخلوقة عاطفية. فهكذا صنعت الأرض .. وهكذا تواصل الرياح هبوبها.. إنه لا يقال للمحيط الأطلسي أن يتوقف.quot; [ نقلا عن ملف في المجلة الفرنسية quot; كوريه انترناسيونالquot;، عدد 6 فبراير 2013 ].
إن النداء للاحتفال بالأنوثة وتمجيدها قد تحول منذ يناير الماضي إلى حركة عالمية عنوانها quot; مليار منتفضات.quot; ومنذ ذلك الحين، لقيت هذه الدعوة استجابة واسعة، في حوالي 182 بلدا، لاسيما في الهند، بين جمعيات وناشطات نسائيات، ولكن أيضا بين عدد غير قليل من الرجال. وقد تحولت الهند منذ جريمة ديسمبر إلى المحور الأساسي لهذه الحركة الداعية لتمجيد الأنوثة والدفاع عن كرامة المرأة وحقوقها، وإلى تشديد العقوبات ضد المغتصبين والذين يمارسون العنف، وتحديث القوانين الخاصة بالانتهاكات التي تمارس ضد امرأة. وحتى في الصين ظهرت حركة نسائية ضد العنف الزوجي والعائلي، داعية لعدم الصمت عنه أو اعتباره أمرا خاصا لأنه جريمة بشعة لا غير.
إن هناك رموزا نسائية بارزة تجسد معاناة المرأة، ولاسيما في جنوب شرقي آسيا وفي البلدان العربية والإسلامية. ورغم أن الهند دولة ديمقراطية كبرى، شهدت وجوها نسائية بارزة كأنديرا عاندي، إلا أن العادات والتقاليد والقوانين الخاصة بالعلاقة بين الجنسين لا تزال تعاني من التمييز تجاه المرأة. أما حيثما يسود التطرف الإسلامي، وخصوصا تحت نير أنظمة الإسلام السياسي، فإن التمييز والمعاناة يبلغان الحدود القصوى.
إن من بعض الرموز- وهي كثيرة جدا - التي تعبر عن هذه الأوضاع حالة الصبية الشجاعة ملالا الباكستانية، التي أقدم مجرم طالباني على محاولة اغتيالها في الحافلة بين زميلاتها لمجرد إصرارها على حق التعليم للإناث. ومن هذه الرموز سكينة أشتياني الإيرانية التي حكمت المحاكم الدينية الإيرانية عليها بالرجم حتى الموت ولم تنقذ حياتها [ ربما مؤقتا] إلإ حملة دولية نشيطة. ومن قبل سكينة، قتلت المئات من النساء الإيرانيات، [والرجم لا يرحم الصبية أيضا ]، رجما باسم أحكام الشريعة- هذه الأحكام التي تبيح تزويج القاصرات، ووضع حق الطلاق بيد الرجل، والتي تحلل الرجم والجلد، وخطبة الرضيعة، وختان الإناث. وهناك حالة الأردنية سعاد التي قام بعض أهلها بعملية حرقها باسم الشرف. ولما نقلت للمستشفي وهي حية راحت أمها- وهي تحت العلاج- تقرأ في أذنها quot; خير لك يا ابنتي أن تموتيquot;، محبذة لها الانتحار بالسم. وقد أنقذها الأطباء من قبضة تلك الأم، التي هي أيضا من ضحايا المجتمعات الذكورية الأبوية. وهناك الشهيدة ندا أغا سلطان ضحية همجية الباسيجي الفاشيين خلال الانتفاضة الإيرانية لعام 2009 .
أما هذا quot;الشرفquot;، الذي لا تجد مجتمعاتنا معناه إلا في المهبل، فإنه يسير مع جالياتنا العربية والمسلمة حتى في قلب الغرب. وهناك مثلا حالة الضحية الكردية الإيرانية فاطم سهندال في السويد عام 2002، ومقتلها على يد والدها. وهو الحدث الذي أثار موجة إدانة واستهجان عارمة لدى الرأي العام السويدي. وتنتقل أمثال هذه الحالات إلى ألمانيا بين الجالية التركية.
إن جرائم الشرف، أو quot;غسل العارquot;، ظاهرة مهيمنة في المجتمعات المسلمة، حيث امتزاج العادات العشائرية المتخلفة بالتزمت الديني. وأما الاغتصاب، فهو من الجرائم البشعة التي تنتشر في العالم كله، سوى أن للدول الغربية قوانين متشددة لمعاقبة الجناة ورأيا عاما مستنيرا ومؤمنا بكرامة المرأة وحقوقها. والاغتصاب يتحول أيضا سلاحا سياسيا، بل وحربيا أيضا، كما في عمليات الاغتصاب الجماعية في دارفور، وكما في عمليات الاغتصاب المتكررة في ساحة التحرير الهادفة إلى إخراس صوت المرة المصرية المطالبة بحقوقها وبالحرية والديمقراطية.
وهناك في مجتمعاتنا تقليد ختان الانثى، وهو منتشر في أفريقيا وبلدان عربية كمصر والسودان وكردستان العراق وغيرها. وهذا الختان هو عدوان أثيم على الأنوثة وشخصية الأنثى.
ومع عمليات التغيير في عدد من الدول العربية، [وقبلها إيران]، وبدءا بالعراق لما بعد صدام، كانت النتائج، ولا تزال، لغير صالح المرأة، وذلك بالتراجع عن مكتسباتها واحدا بعد الآخر. وحينما يحكم الإسلام السياسي مع حليفه السلفي، تصبح المرأة هي الضحية الأولى.
إن ما مر حول مآسي المرأة في بلداننا وبلدان جنوب شرقي آسيا وأمثالها لا يعني أن ليست هناك ظواهر تمييز ضد المرأة في الغرب، ولكنها في طريق الزوال. وقد تقدمت المرأة الغربية بطفرات وطفرات، وهي تمارس أدوارا نافذة في الحياة العامة بما في ذلك المناصب القيادية في الدولة والبرلمانات والاقتصاد [ميركل مثلا وآشتون البريطانية وليغارد الفرنسية، مديرة صندوق النقد الدولي]. وأين هذا من تحريم قيادة المرأة للسيارة؟!! أو منعها من السباقات الرياضية؟! وبمناسبة السباقات هذه، فقد ألغت وكالة الأونروا للتو سباقا دوليا للركض في غزة لان حكومتها منعت مشاركة المرأة في السباق بحجة أن هذا ضد التقاليد الفلسطينية وضد الحشمة!