في مقالات عديدة سابقة، أوردنا ما كرره كتاب متابعون آخرون عن العلاقات الفكرية بين الخمينية والإخوانية رغم الاختلاف المذهبي والتنافس على النفوذ والتمدد. وتكررت الإشارات إلى تأثر خميني بالمودودي وسيد قطب، وإلى قيام خامنئي بترجمة كتاب معالم الطريق لسيد قطب. كما ترجمت في ايران كتب أخرى لغير قطب من كبار دعاة التطرف الاسلامي السني. وكان وفد إخواني quot;دوليquot; موسع قد زار إيران بعيد عودة خميني لإيران وبايعه كإمام يقتدى به من أئمة المسلمين. ويذكرنا زيد بن رفاعة في مقال له بإن الكاتب الإسلامي فهمي هويدي [وهو بالمناسبة ممن يعجب بهم نوري المالكي حسب تصريحاته في الشرق الأوسط مؤخرا]، القريب من إخوان مصر، هرع لزيارة إيران وألف كتاب quot;إيران من الداخلquot;، مشيدا بخميني وجاعلا من انتصار الخمينية مؤشرا لمستقبل الإسلام.
وظل إخوان مصر متعاطفين مع إيران، صراحة أو ضمنا أو بالصمت عن تدخل نظام الفقيه في الشؤون العربية. وما أن سقط مبارك، حتى تقاطرت وفود مصرية لإيران، وصدحت أصوات المطالبة بعودة العلاقات بين البلدين. ولأول مرت السفن الحربية الإيرانية من قناة السويس. وكان مرسي هو الحاكم العربي الأوحد الذي زار طهران للمشاركة في ما عرف بمؤتمر حركة عدم الانحياز. ورغم أن كتابا عربا رحبوا بإدانته هناك لجرائم النظام السوري ومجدوا موقفه، فقد لاحظنا في حينه أن مجرد زيارته لطهران كانت أكبر مغزى من تصريح كان يمكن أن يدلي به من القاهرة أو يدلي به مندوبه للمؤتمر المذكور. كما لاحظنا أن تصريحه قد quot; بعدلquot; أو يلطفquot; حسب التجاذبات والمصالح السياسية. وهو ما حدث بالفعل.
وخلال الشهور القليلة المنصرمة برز التحاضن المصري- الإيراني بقوة، سواء في زيارة أحمدي نجاد للقاهرة أوزيارة قاسم سليماني، جنرال فيلق القدس، ومسؤولين إيرانيين آخرين. وقيل إن زيارة سليماني كانت لغرض وضع الخبر التخريبية لحراس الثورة وباسداران تحت تصرف مرشد الإخوان ومرسي ليستفيدوا منها في إعادة تكوين وتوجيه مليشيا الإخوان الموجودة منذ ظهور الحركة الإخوانية في مصر والمسؤولة عن سلسلة اغتيالات معروفة.
وقد تم هذه الأيام اتفاق لتنظيم زيارة حوالي مليون quot; سائحquot; إيراني سنويا لمصر- مليون بس! وطبعا لن تكون بينهم نسبة عالية من عناصر التجسس والتخريب!!! ويجب التذكير هنا بالتقرير الموسع لوزارة الدفاع الأميركية عن وجود 30 ألف شخص في العالم يعملون في شبكة الاستخبارات الإيرانية ويشاركون في النشاطات السرية، ما بين التجسس وسرقة التكنولوجيا، وصولا لهجمات إرهابية بالقنابل واغتيالات وتفجيرات. وان وزارة الاستخبارات الإيرانية تدعم الحرس الثوري بكل تفرعاته وهو الضالع في تفجيرات امتدت من الأرجنتين وإلى لبنان.
بين النظامين قواسم مشتركة من حيث الفكر والطبيعة والأهداف البعيدة، مثلما بينهما اختلافات في بعض المواقف السياسية ومنافسات. كل من نظام الفقيه ونظام المرشد يمثل سلطة الإسلام السياسي المنغلق على نفسه والطامح لاكتساح أكبر ما يمكن من بلدان العالمين العربي والإسلامي وما بعدهما. وكل منهما يرى أعداءه في العلمانيين والقيم الديمقراطية والحداثة[ هذا أيضا ما كرره المالكي في العراق]. وكل منهما لا يدين بالحرية الدينية وبحقوق المرأة وبحرية الرأي والتعبير. وكل يتهم ناقد النظام من خارجه بمهاجمة الدين، كما فعل مرسي مع مدير برنامج ساخر، أو بكونه quot; عدو اللهquot;، كما كانت التهمة الأثيرة لدى خميني. وكل من النظامين يسعى للتمدد، ولاسيما في الخليج وبقية دول الجوار، في تنافس quot;وديquot;غير ملحوظ. ومن ذلك خلايا التخريب الإخوانية في الإمارات والكويت ،والحلم الإخواني بالسيطرة على بلد نفطي غني لوضع ثروته في خدمة هدف الخلافة العتيد. وكان الدكتور مأمون فندي قد كتب مقالا تحليليا بهذا الشأن، مبينا أن هذا المشروع يحتاج لأموال طائلة لا تملكها لا مصر ولا تونس، ولا حتى سورية لحد ما. ولا حاجة للإشارة إلى خلايا إيران التخريبية والجاسوسية في معظم دول الخليج ومليشياتها في المنطقة، كحزب الله والمليشيات الشيعة العراقية. كما ليس هناك من يجهل استمرار احتلال الجزر الإماراتية وادعاء عائدية البحرين لإيران، والتسلل لأطراف في المعارضة البحرينية، وتشجيعها على التطرف ورفض الحوار من أجل الإصلاحات السياسية المتدرجة باتجاه رفع بعض مظاهر التمييز السياسي تجاه شيعة البحرين. ومنهم من راحوا يرفعون شعار جمهورية إسلامية.
إيران تريد استثمار الأزمة المالية والاقتصادية في مصر وإغراءها، ولكنها هي نفسها في وضع مالي واقتصادي صعب. وهي تريد التخفيف من عزلتها الدولية بالنفاذ لقلب الدولة العربية الكبرى. وأما الخلاف الإخواني ndash; الإيراني في سورية، فيظهر أن إخوان مصر صاروا ميالين إلى مشاريع quot;الحوارquot; السوري- السوري.
إن التحاضن الإسلامي الإيراني ndash; المصري يعود بقوة هذه الأيام، أي في ظروف مستجدة ومعقدة وأوضاع في المنطقة تختلف عن أيام انتصار الخمينية عام 1979. ويبدو أن التقارب الجديد سيتغلب مرحليا على أية نقاط خلاف وعلى المنافسة على النفوذ، ناهيكم عن الخلاف المذهبي، الذي يخفي في الواقع أبعادا سياسية مغطاة بالمذهب. وإذا انزلقت مصر أكثر فأكثر في الحضن الإيراني، فسوف تكون لذلك عواقب خطرة على أمن المنطقة ومصالح شعوبها. والملفت للنظر أن اندفاعة التقارب لم تثر حتى اليوم أية مخاوف أميركية علنية! فهل يحلم أوباما بأن يساعده مرسي على تراجع إيران عن مشروعها النووي كما اعتمد من قبل على أردوغان، وبلا نجاح؟! ولعل هذا يشبه الموقف الأميركي من المالكي، الراكض وراء الحسابات الإيرانية ولكنه لا يزال يحظى برضا أوباما وكيري والطاقم إياه.
وزير إيراني يزور العراق الآن للمساعدة في حل مشاكله!!
خبر: جاء في أخبار أميركية أن إيران هي التي تضغط على مرسي والمرشد لإضعاف دور الأزهر كمرجع ديني. وهذا الخبر يتماشى مع النشاط الفقهي والثقافي الإيراني لإضعاف التيارات المعتدلة بين المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي ولتحبيذ الأفكار المتطرفة من الطراز الخميني. ويبدو أن الأزهر يقاوم الضغوط.