بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ركزت المنظمات الدولية هذا العام على جرائم العنف المنزلي، المنتشرة في أنحاء العالم. ويذكر الأمين العام لمجلس أوروبا، ياغلاند، أن أكثر من 40000 امرأة روسية يلقين حتفهن على أيدي الأزواج أو غيرهم من أفراد الأسرة، فيما يتعرض 26 ألف طفل روسيا سنويا للعنف المنزلي يموت نحو ألفين منهم. ويقدم أكثر من ألفي قاصر في روسيا على الانتحار بسبب العنف المنزلي أيضا. وقديما كانت الأمثال الروسية تقول: quot; عندما لا يستطيع الرجل أمرا، ينتدب امرأةquot;، وquot; لسان النساء مكنسة الشيطانquot;!
هذا ما يجري في دولة كبرى كانت قد شهدت في العصر الحديث حقوقا واسعة للمرأة. وحتى في دول ديمقراطية، ومنها فرنسا، توجد هذه الظاهرة، وخصوصا بين الجاليات المهاجرة. والمشكلة أن نسبة كبرى من المجني عليهن بالضرب والاغتصاب لا تجرؤ على الشكوى لدى الشرطة عن خوف أو عن تقاليد بالية.
ولابد هنا من ذكر العنف المتعدد الأشكال التي تتعرض لها الشغالات الآسيويات في البلدان العربية، من ضرب ومن اغتصاب ومن قتل. وعن هذه الآفة صدر لحازم صاغية مؤخرا كتابه، الجامع بين الوثائقية والروائية، والمعنون quot; أنا كوماري من سريلانكاquot;. وهذا النوع من العنف المنتشر يعتبر رقا جديدا تمارسه عائلات مرفهة في العديد من دول الخليج وغيرها من الدول العربية، بل ووقعت حالات مشابهة حتى في قلب أوروبا تقترفها عائلات عربية، مقيمة أو سائحة.
لقد شهدت الحركات النسائية العربية تقدما كبيرا منذ عشرينات القرن الماضي، لكي تتراجع المكاسب في العقود الأخيرة وبوتيرة مرعبة. وهو ما أشرنا له في الحلقة الأولى ومقالات غيرها. مصر شهدت صفية زغلول وهدى شعراوي ومي زيادة والعشرات والعشرات من الكاتبات والمحاميات والناشطات المتميزات والشجاعات كنوال السعداوي. وفي مصر عرفنا أم كلثوم وسعاد حسني وليلى مراد وفاتن حمامة وغيرهن. وفي مصر كانت تنتج الأفلام الاستعراضية وفيها تحية كاريوكا وسهير زكي دون أن ترتفع فتاوى التحريم والتأثيم. ولكن مصر نفسها شهدت منذ الثمانينات فتاوى تدعو المرأة للتحجب لو كان في البيت كلب! وفي مصر دارت نقاشات حادة حول لبس الباروكة، وحول جلوس الرجل على كرسي تركته امرأة للفور. واليوم يريد الإخوان والسلفيون الشطب على بعض البنود الجيدة في الدستور القديم حول سن الزواج مثلا وإنزاله من 18 إلى 9 سنين. وفي مصر هناك حملة الاغتصابات المتتالية كسلاح لمنع المرأة من مواصلة دورها في الدفاع عن حقوقها وعن كافة الحقوق الأخرى المدرجة في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان. والحملة على مكتسبات المرأة نشيطة في تونس أيضا بينما كان البلد في المقدمة من حيث وضع المرأة وحقوقها. وأما العراق، فهو الآخر شهد تراجعا حادا في وضع المرأة منذ أواخر العهد الصدامي، وخصوصا منذ سقوطه. وإذا كانت في البرلمان نسبة من النائبات، فإن منهن من يؤمنّ بأن الرجل قوام على المرأة ويجب أن تخضع لأحكام الشريعة. وكان العراق قد شهد بدايات النهضة النسائية منذ أوائل العشرينات الماضية، والعراق هو البلد الذي استوزر امرأة لأول مرة في العالم العربي، ونقصد استيزار الدكتورة نزيهة الدليمي زمن عبد الكريم قاسم.
إن معضلة المرأة في مجتمعات العالمين الإسلامي والعربي هي في اقتران الثقافة الدينية المتزمتة بالتقاليد العشائرية. ولا تزال نسبة كبرى في هذه البلدان تؤمن بان quot;النساء حبائل الشيطانquot;، ورمز الفتنة، وquot; لا يفلح قوم تحكمهم امرأةquot; مع أن العهود القديمة شهدت زنوبيا ونفرتيتي وكليوبترا والخنساء وأمثالهن.
الثقافة التقليدية السائدة عندنا هي كون المرأة أداة جنس وإشباع شهوات الرجل، وذهب فقيه إيراني قبل سنوات إلى أن على المرأة قطع الصلاة إن كان زوجها ينتظرها في الفراش. وتحولت لعبة باربي إلى رمز للإغراء الجنسي، فألبسوها العباءة والحجاب وبيدها المسبحة والقرآن. واخترع نظام الفقيه بدعة الألعاب الاولمبية للنساء المسلمات بمبادرة من ابنة رفنسجاني. وأما ملامسة النساء عند المسلمين، فإنها تعني النجاسة وتبطل الصلاة. وأحد وزراء العراق زار اليونسكو قبل شهور ورفض مصافحة موظفة مصرية مدت يدها لمصافحته! وزير وفي اليونسكو- ما شاء الله! وفي عراق اليوم نفسه تغتصب السجينات كسلاح سياسي وطائفي.
إن الغالبية العظمى من الدول العربية لم توقع على الاتفاقات الدولية الخاصة بمكافحة التمييز ضد المرأة وضد أشكال العنف التي تتعرض لها. الحجة أن هذه الاتفاقيات لا تراعي quot; الخصوصيةquot; والتقاليد. ومن وقعت من هذه الدول سجلت تحفظاتها. وكانت مصر والمغرب قد انتزعتا من حكومة ميتران الاشتراكية اتفاقيات تستثني من القوانين الفرنسية حالات العلاقات الزوجية بين المهاجرين القادمين من البلدين وإخضاعها للقوانين المحلية هناك التي تراعي أحكام الشريعة. والتشبث بين الجاليات المسلمة بأحكام الشريعة حتى في أوروبا هو في مقدمة عوامل ظهور مشاعر الشك والقلق من المسلمين والإسلام في الغرب، وظهور كتب وملفات ومقالات عن الاستعصاء الديمقراطي للمسلمين، أو عن مخاطر التحولات السلبية في أوروبا ضد القيم العلمانية والمبادئ والتقاليد الديمقراطية الغربية- على نحو ما كتبه كالدويل في كتابه الذي تناولناه في مقال سابق.
وإذا كانت المرأة لا تزال في نظر المهووسين جنسيا والمتزمتين دينيا شيطان جنس وإغراء، فإنها في نظر شكسبير quot; كوكب يستنير به الرجلquot;، وفي نظر بلزاك quot; أقرب الكائنات إلى الكمال. إنها وسط بين الرجل والملاك.quot; ومن قبل، قال سقراط quot; المرأة أحلى هدية قدمها الله إلى الإنسانquot;.
إن الحديث عن المرأة وإشكالية التعامل معها وأنواع التمييز ضدها، وعن صعودها هناك ونزولها هنا- عندنا-، حديث طويل ومتشعب، وربما عدنا إليه. ولكن قد يكون طريفا ومريحا، بعد استعراض اللوحة السوداء التي هي محور المقال، أن نذكر ما أورده المؤرخ التنوخي وغيره- [نقلا عن كتاب عبد الهادي التازي quot;المرأة في تاريخ الغرب الإسلاميquot;]- عن غلبة النساء البغداديات على الرجل في القرن الرابع الهجري. ويقولون إن جهاز العروس كان يتضمن سرجا ولجاما لتقييد الزوج بهما. فإن تراخى لحظة، وضعت الزوجة السرج على قفاه واللجام في فمه وركبته. ولا تنزل عنه إلا بطلاق أو موت.
من يتخيل ويصدق أن يحدث هذا في عهد الحريم والسبايا وتجارة الرقيق النسائي! ولكن في الحياة متناقضات ومتعارضات. وطبعا لا نروج هنا لمثل هذه الممارسة!!!

ملاحظة: سقط سهوا من الحلقة الأولى عند الحديث عن الرموز النسائية اسم الروائية البنغالية تسليمة نسرينن التي حكم عليها بالسجن في بنغالديش واستطاعت الفرار .. وأصدر الإسلاميون عليها فتوى بالموت. وكل ذلك بسبب رواية تدافع عن حقوق المرأة وتدين المتزمتين... وقد حصلت الكاتبة على جوائز دولية كبرى..