هل اللجوء للتدخل الخارجي محرم كمبدأ؟ يظهر أن الإعلام العربي حرمه فيما يخص العراق وحده، ولكنه يجيزه في حالات أخرى، كتحرير الكويت والتدخل في ليبيا والتدخل المطلوب في سوريا والتشبث بالولايات المتحدة حول القضية الفلسطينية. هذا أولا. وثانيا ليست الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة هي من مهد لعملية الحرب بل إدارة بيل كلينتون الديمقراطية بقانونها المسمى quot; قانون تحرير العراقquot;، وتخصيص الأموال لذلك.
والواقع أن الخطيئة لم تكن في التدخل بل في الأخطاء الأميركية التي سبقته ورافقته، وفي السلبية العربية، وفي التدخل الإقليمي، وعلى الأخص التخريب الإيراني- السوري- القاعدي. ولا تزال إيران هي اللاعب الأول في تخريب أمن العراقيين، من خلال مليشياتها المتعددة وتواطئها مع القاعدة.
أما العامل الرئيسي في فشل المشروع الديمقراطي في العراق وتدهور الأوضاع، فهو تخلف النخب السياسية ولاسيما الأحزاب الدينية، وصراعاتها على الامتيازات والثروات، وتنكرها لمبدأ المواطنة. ويقترن ذلك بالكم الهائل من الخراب الاجتماعي والأخلاقي والفكري الذي ورثه الشارع العراقي من العهد السابق وما قبله. فالعقليات السائدة في السياسة العراقية هي عقليات القنص والإقصاء وميول الاحتكار والتخلف السياسي والفكري، وانفلات الولاءات الفرعية، ولاسيما الطائفية. ومثل هذه العقليات لا تبني ديمقراطية ولا اقتصادا مزدهرا ولا عدالة اجتماعية. وهي عقليات لم يزرعها جورج دبليو بوش ولا غيره من الأميركيين، مثلما ليسوا هم من زرعوا الهوس الطائفي وجشع المال وميول الاستبداد. وهذا وضع نجد مثله عربيا في بلدان ما يعرف بالربيع العربي، حيث أن العقليات السياسية وثقافة الشارع وتقاليده تعيق قيام ديمقراطية علمانية ولا تقدم للواجهة غير أعداء الديمقراطية والحرية وسواء جرى التغيير بتدخل خارجي أو بدونه.
لقد كان من الطوباوية أن نأمل قيام ديمقراطية في العراق في مدى عام أو بضعة أعوام لمجرد توفر حريات واسعة ووجود أحزاب وانتخابات متكررة. وقد قيل إنه في حالات معينة- بالنسبة لبلدان كبلداننا- فإن قيام حكومات ناجحة قد لا يستدعي مزيدا من الديمقراطية بل قليلا منها- أي العبرة ليست في عدد الأحزاب وتكرار الانتخابات وإنما في نوعية الحاكمين. وربما لو قامت في العراق منذ البداية حكومة تكنوقراط مستقلة، غير حزبية، وذات كفاءة عالية لسارت الأمور وجهة أخرى.
إن إسقاط النظام السابق لم يكن كارثيا كما يقال لنا، وإنما كان الكارثي مجيء طبقة حاكمة متعطشة للتسلط والمال، ولمعظم أركانها ارتباطات إقليمية بجهات تعادي الديمقراطية ولا تريد لشعبنا خيرا. وانتهت الأحوال لتمركز السلطة في يد حزب الدعوة وزعيمه وتشبثه بالسلطة بأي ثمن كان. ومن الأخطاء الأميركية في عهد اوباما هو استمرار محاباة حكومة المالكي والصمت عما يجري من انتهاكات وفساد ومن دعم للنظام السوري. ولعل هذا الموقف جزء من مشروع الصفقة مع نظام الفقيه، وهو المشروع الذي يبدو أن الطاقم الأميركي الحاكم مصر عليه.
لقد قام عدد من المسؤولين الأميركيين والإنجليز، ممن كانت لهم علاقة بالحرب، باستعراض ما حدث واستخلاص الدروس والاعتراف بأخطاء وقعت. أما حكام العراق والطبقة السياسية عموما، فيبدو أنهم مرتاحون لأدائهم الذي جلب الويلات ولحد يومنا. ويبدو أن من أهم فضائل حكام العراق اليوم ثقافة التهرب من إعادة النظر، ومن تمحيص مواقفهم وسياساتهم، ربما متوهمين أنهم من المعصومين وأنهم المنقذون الذين لم بر العراق، بل والعالم، أفضل منهم حكمة وبعد نظر ونزاهة وشفافية وتجردا من هوس السلطة والاستحواذ!