أشد الناس تفاؤلاً في quot;إسرائيلquot; لم يتوقع أن تفضي الأمور في سوريا على النحو الذي صارت إليه من اقتتال داخلي بين الجيش الرسمي ومجموعات المعارضة المسلحة التي حملت السلاح في سوريا بعد ستة أشهر على سلمية الثورة وسياسوية أهدافها بشهادة الرئيس السوري نفسه.
لكن الأمر على المستوى العسكري والاستراتيجي لا يقتصر على النشوة بدمار quot;عدوquot; يقبع على الحدود الشمالية، فيما تعاني الحدود الجنوبية مع مصر من فوضى عارمة وتهديدات جماعات سيناء المتعاظمة النفوذ.
quot;إسرائيلquot; المرتبكة وجهت قبل أسبوع تهديداً إلى الرئيس بشار الأسد بإسقاط نظامه في حال قيامه بشن هجمات عليها رداً على الهجمات التي شنتها داخل الأراضي السورية، وقالت إنها استهدفت أسلحة متطورة كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان، وذلك من خلال تصريحات أدلى بها مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى إلى صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; الأميركية. بيد أن العنترية الإسرائيلية سرعان ما تراجعت أمام تردد فريق يرى في حدود الأمر الواقع أو ما كانت عليه، أفضل خيار أو مطلب، فأعلن مصدر استخباراتي إسرائيلي رفيع المستوى في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة quot;تايمزquot; البريطانية أن quot;إسرائيلquot; تفضّل بقاء نظام الأسد في سدة الحكم كونه يمثل quot;أهون الشرينquot; بالنسبة لها. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على استراتيجيا إسرائيلية مرتبكة تنتهجها quot;إسرائيلquot; خلال تسريبات متناقضة إلى وسائل الإعلام الأجنبية.
فالتصريحات الصادرة عن المصدر الاستخباراتي رفيع المستوى ناجمة أساساً عن محاولة quot;إسرائيلquot; امتصاص الغضب الروسي عليها وعلى الأميركيين في كل ما يتعلق بتعاملهما مع الأزمة السورية. ومعروف أنه عندما يغضب الروس على أمر ما، فإنهم يكونون مستعدين لتغيير قواعد اللعبة كلها. وهذا ما حدث بالنسبة إلى سوريا، وانعكس في استعدادهم لتزويد النظام السوري بأسلحة متطورة مضادة للطائرات، وصواريخ أرض- 300S- وصواريخ أرض بحر من طراز ياخونت.
جدير بالذكر أنه عندما بدأت الاتصالات لبيع النظام السوري صواريخ ياخونت قبل عامين، سارعت الولايات المتحدة إلى التدخل، ونجحت في إقناع روسيا بألا تشمل الصفقة بعض المنظومات التكنولوجية المتقدمة لهذه الصواريخ مثل أجهزة الرادار المتطورة. وكان من شأن تزويد سوريا بهذه المنظومات حينها أن يشكل خطراً على حاملات الطائرات الأميركية المرابطة في الخليج، وأن يشكل خطراً على السفن الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط. لكن الآن، وبعد أن قررت الولايات المتحدة والدول الغربية أن تديرا الأزمة في سوريا، فإن هذه روسيا قررت ألا تأخذ مصالحهما في الاعتبار، وأن تتحول إلى مجرد تاجر سلاح يهمه بيع منتجاته بصرف النظر عن إمكانية الاستفادة منها لاحقاً.
منذ اللحظة الأولى لنشوب الثورة في سوريا تجد quot;إسرائيلquot; صعوبة في أن تقرر ما إذا كان من مصلحتها، بقاء النظام في الحكم، أم إنها ترغب في انتصار الثورة. والآن، لكن ذلك لا يعني أنها لم تكن مستفيدة من وضع الهدوء المقيم في الجولان السوري، وعليه، فإن quot;إسرائيلquot; قد تجد نفسها قد انجرت إلى التدخل العميق في سوريا، مع القدرة على أن تحسم جهة المنتصر. وهي تعتبر انه لن يكون هناك مفر من السير على حافة الهاوية في مواجهة النظام السوري، لكن من خلال التفكير المسبق، لا من خلال التدهور غير المخطط له وغير المحسوب، ولذلك تتريث وتتردد في إعلان موقف ثابت وواضح مما يجري في سوريا.. وربما كان ذلك متعمداً من وجهة نظر كثير من المارقبين أيضاً!
لدى quot;إسرائيلquot; من وجهة نظري دور موكول في تحديد ملامح الحل النهائي في سوريا على المستوى العسكري والسياسي، ولذلك فإن العالم والغرب ومعه روسيا أيضاً عاجزون عن التوصل إلى حل في سوريا بسبب التردد الإسرائيلي والتمهل في منح طل الأطراف داخل سوريا فرصة لإنهاك بعضهم قبل قطف ثمار هذا التفوق عسكرياً وسياسياً من خلال الإيعاز إلى بعض القوى ومحاولة تقرير مستقبل سوريا كبلد يناصبها العداء وإن كانت حدودها معه الأكثر أماناً وهدوءاً طوال السنوات الماضية، ومتى اتخذت quot;إسرائيلquot; هذا القرار وحسمت أمرها وأوعزت إلى القوى الغربية والمتداخلة في المنطقة لحل الأزمة السورية يظل رد فعل الشعبا لسوري الذي ما خرج على نظامه ليقبل بإملاءات عدوه المحدد الأبرز من وجهة نظري في الرد على أي محاولات إسرائيلية لتطويع مستقبل سوريا، كما نجحت quot;إسرائيلquot; في تدجين ماضيها القريب عبر اتفاقات وتفاهمات من تحت الطاولة ومن وراء حجب مع النظام القائم، ورغم الصعوبات والأزمات المعيشية والاقتصادية التي يعاني وسوف يستمر في المعاناة منها الشعب في سوريا بعد انتهاء أزمته، إلا أن تراث الشعب السوري المعتاد على التقشف والتزام ضروريات الحياة، كما تعود عليها، لا كما هو الأمر لدى جيرانه في لبنان والعراق، سيؤثر إلى حد كبير في قدرة القوى الغربية على التحكم بالقرار السوري مستقبلاً، وإن لن يعدم وسيلة لذلك، أو لا ننفي إمكانية التأثير عليه، بطريقة أو بأخرى في نهاية المطاف.
كاتب وباحث