أصبحت أمينة quot;فيمنquot; إحدى الشخصيات الأكثر شهرة و إثارة للجدل في تونس اليوم، و قد تحول اعتقالها قبل أيام في مدينة القيروان إلى قضية رأي عام وطني و دولي، زادها اشتعالا تنظيم ثلاثة من رفيقاتها تظاهرة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية التونسية بصدورهن العارية، في ظل تغطية إعلامية واسعة و حيرة أصابت السلطات السياسية و الأمنية حول الطريقة المثلى للتعامل مع هذه الظاهرة المستفزة الطارئة، فتجاهل المحتجات تماما كالقبض عليهن و سجنهن ورطة لا يحسد نظام الحكم الإسلامي عليها.
و قد لفتت أمينة، و هي فتاة تونسية لا يتجاوز عمرها الثمانية عشرة و يقول والداها أنها مريضة نفسيا، انتباه التونسيين إليها بعد ظهورها عارية الصدر على صفحتها الفايسبوكية، رافعة عبارة quot;جسدي ملكي..quot; شعار منظمة quot;فيمنquot; النسائية الراديكالية ، و بدا الأمر للبعض و كأنه إحدى أكثر المشاهد الاحتجاجية تطرفا على وصول الإسلاميين إلى الحكم، و هم المتهمون من قبل قطاع واسع من النخب السياسية و الثقافية بتهديد مكتسبات و حقوق المرأة التونسية.
و زادت أمينة من حدة تحديها لسلطات بلدها، عندما قررت المشاركة على طريقتها في ملتقى quot;أنصار الشريعةquot; السلفي المتشدد يوم 19 مايو الماضي، حيث تمكنت من اختراق كافة الحواجز الأمنية التي أقيمت لمنع عقد الملتقى، و الوصول إلى مسجد عقبة بن نافع التاريخي، و كتابة عبارات عدت نابية على شاهد أحد القبور، في حركة غير مفهومة جلبت الكثير من التأويلات و الأقاويل، في بلد لم تستقر أوضاعه بعد و تتجاذب فيه أطراف متباعدة و متصادمة الحياة السياسية، و من الروايات تلك التي اتهم فيها فلول النظام السابق و أقطاب الثورة المضادة بتسهيل مهمة عارية الصدر القيروانية.
و لعل من أطرف ما قيل و تناقلته كالنار السارية في الهشيم الصفحات الفايسبوكية، في نصح السلطات التونسية عن أفضل الحلول للخلاص من وجع دماغ منظمة quot;فيمنquot; النسائية، تزويج الآنسة اللطيفة صاحبة الصون و العفاف quot;أمينةquot; بالأخ quot;أبو عياضquot; الهمام رضي الله عنه زعيم أنصار الشريعة و السلفية الجهادية، و توقعوا أن تنجب هذه الزيجة ابنا يسمى quot;وسطاquot; أو بنتا تسمى quot;وسطيةquot;، حتما سيكون مولودا بهي الطلعة في غاية quot;التونسيةquot;.
و يصنّف كثير من المهتمين بالشأن العام في تونس، ظاهرة quot;أمينة فيمنquot; ضمن الخانة نفسها التي أدرجت فيها أسماء عدد من قيادات التيار السلفي الجهادي وجدت طريقها إلى الشهرة من خلال طرحها خطابا و أفكارا و سلوكيات عدت متطرفة و غريبة و دخيلة على المجتمع التونسي، من قبيل quot;ختان البناتquot; و quot;تزويج القاصراتquot; و quot;الخيام الدعويةquot; و quot;التداوي ببول الإبلquot; و quot;إخراج الجان من الجسدquot; و quot;إجبار الصغيرات على ارتداء الحجابquot;، فضلا عن ممارسة الحسبة بقوة العضلات و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالفتوّات و إقامة الإمارات الإسلامية المستقلة و بناء الأجهزة الأمنية الموازية و الهجوم على السفارات و النقابات.
و يبقى السؤال المطروح في مثل هذه الأمور المحدثات، و هي أمور تشكل في مجملها ما يمكن تسميته بquot;تحديات ما بعد الديمقراطيةquot;، هو الكيفية التي يجب على السلطات الحاكمة إتباعها، في ظل وجود محددين أساسيين لا يمكن لأي نظام سياسي يريد أن يكون ديمقراطيا أن يتجاوزهما، و هما أولا: ضرورة احترام الحريات العامة و الخاصة و الجماعية و الفردية و في مقدمة كل ذلك حرية التعبير، و ثانيا: الأخذ بالحسبان طبيعة المجتمع التونسي المحافظ الذي لا تود غالبيته قبول نساء تمشين عاريات الصدور في الشوارع أو رؤية مظاهر التطرف الديني تشوه وجه بلد لطالما افتخر باعتداله و تسامحه و تواصله الحضاري المنفتح على العصر و العالم.
و يؤمن كثير ممن يتابع تطورات قضية quot;أمينة فيمنquot; أن المعالجة لا يمكن أبدا أن تكون أمنية أو قضائية، و أن سقوط السلطات في الرد على الاستفزازات قد يقود الظاهرة إلى مزيد من الاستفحال، خصوصا في ظل اتساع هوة الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين و خصومهم الايديولوجيين، و لن يكون من الحكمة إحالة المتهمات عاريات الصدور على القضاء، و من بينهن أجنبيات، بما قد يجعل الموضوع أكبر من حجمه و يفتح الباب أمام مزيد من التظاهرات الاحتجاجية، في بلد أبوابه مشرعة على الزوار و السائحين.
و ينصح الحريصون على سلاسة الانتقال الديمقراطي السلطات التونسية، بإبداء مزيد من الحكمة و الصبر في التعامل مع أمينة و أخواتها عاريات الصدور، في سياق مناخ ملائم لبروز عديد الظواهر المشابهة في اتجاهات متناقضة، بما قد يهدد السلم الأهلي لكنه يجب أن ينظر إليها باستمرار باعتبارها تأثيرات جانبية لدواء التطعيم ضد الاستبداد الذي سيظل أساس كل رزية و بلية، فالصبر على quot;أمينةquot; أهون بكثير من الصبر على الديكتاتور.