أتاحت لي زيارتي الأخيرة للدوحة لقاء كنت أتمناه لكنني لم أتوقعه، فقد كتبت معجبا خلال شهر رمضان الفائت مقالة عن مسلسل quot;الخواجة عبد القادرquot; الذي فاجأني بمستواه الفني العالي و خطابه الروحاني الفريد، و أشدت حينها بكاتبه الذي قدرت أن يكون صاحب موقع متميز و مكانة رائدة في عالم الدراما العربية و ما أزال، فقد أسعدتني العاصمة القطرية حقا بملاقاة الكاتب و السيناريست المصري عبد الرحيم كمال لأيام معدودات كانت كافية للاطلاع على نظرته في تمحيص الدين الحق من الباطل و تبين الفرق عنده بين إسلام ظاهر و إسلام باطن.
لقد ذهب الفقهاء و المتكلمة على حد سواء، و على مر قرون الإسلام المتعاقبة، إلى جعل الفرق الإسلامية المتعددة ظاهرية و باطنية، و كانت ثمة رغبة جامحة لدى الظاهريين في زندقة الباطنيين و تكفيرهم و إخراجهم من الملة، بينما لام الباطنيون على أنواعهم، إخوانهم في الدين على شيوع الرياء بينهم و جنوحهم عن جوهر الرحمة الكامن في الدين و انشغالهم بعيوب الناس الرائجة فيما لا يعلم سرائر نفوس الخلق غير خالقها.
إلا أن عبد الرحيم كمال الذي ولج الإسلام من باب quot;التصوف التيجانيquot; الرائق الرقراق الجميل، لا يحبذ اعتماد المفاهيم التاريخية الذائعة عن quot;الظاهرquot; و quot;الباطنquot;، و يميل إلى تصديق القول الرائج المنسوب بتباين، مرة للإمام مالك و أخرى للشافعي و ثالثة للنعمان رضي الله عنهم أجمعين، بأن من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق و من تصوف و لم يتفقه فقد تزندق، و مفاد القول العمل على ربط الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر بميزان، مع إبقاء للباطن على أولوية ما، إذ دون ذلك تزول الرحمة و يذهب الحب و تقسو السريرة و يضطرب السلوك و ينحرف المسار.
و يرى عبد الرحيم كمال في تجربة حكم الإخوان المسلمين، و سائر الإسلاميين، فرصة لتصحيح مسار الدين، فتعلق هؤلاء بظاهر الدين دون عمقه الناضح بالمحبة لله و خلقه، و تسخيره تجارة بائرة لا محالة يحصلون بها على قليل من متاع السلطة و كثير من بهرج الدنيا، سينتهي بهزيمتهم و تسفيه منهجهم و كراهية الناس لطريقتهم، و سيأتي من بعد ذلك جيل من المسلمين يعيد بناء ما أفسدوا، و يرمم ظاهر الإسلام بالغوص في أصله، و يقود من خلال ذلك حركة تصحيحية جوهرية باطنية عميقة تعيد للرسالة المحمدية ألقها الروحي و بعدها التعبدي و تأثيرها غير المباشر في نفوس المؤمنين، فينصلح حال الثقافة الدينية، و تستقيم المساجد لله خالصة لا يذكر فيها غير اسمه، و ينهض الدين لوظيفته الرئيسة في السمو بالأرواح و إتمام مكارم الأخلاق و النأي بالنفس عن شبهات الحكم و آثام السلطة.
و يؤمن عبد الرحيم كمال بالفنون وسائل إلى الله، و بالذوق الرفيع نعمة من الله، و يخشى الجفوة و قسوة القلب، و يرجو الرحمة فلا يرى نفسه داعية لكثرة ذنوبه، و يستغرب هبوب من كثرت معايبهم إلى دعوة غيرهم إلى طريق الحقيقة و هم أبعد الناس عنها و أضلهم منها، و يحتار كيف يهدي الكفيف البصير، و يرتعد عندما يرى جرأة تجار الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة يتخذونها معبرا لنيل جاه أو مال أو سلطة، فمن خبر الحيرة و الحب و نهل من معين العشق الإلهي لم يجد نفسه غير أولى الناس بالنصيحة و آخر من بمقدوره أن يحمل إزر الآخرين على كتفه.
و لا يخشى الفقراء في أدب الكاتب المصري حكم الظواهر، إذ سرعان ما سيتجلى الحق للناس، و بقدر ما سيكون السقوط مدويا سيأتي البناء الجديد على أسس سليمة، و ستستأنف سفينة الإصلاح و التجديد الإسلامية مسيرتها بعد انقطاع، و ستغلق ملفات الإسلام السياسي الظاهر إلى الأبد، ليفرغ المؤمنون و الفقراء و الدراويش و الربانيون حقا للنأي بدينهم عن الشبهات و الفرار بعقيدتهم عن شواطئ الحقد و الكراهية و التزوير و الافتراء و الرياء، فالله ليس في حاجة إلى دولة أو حكومة أو عساكر أو حرامية، إنما الله في حاجة إلى أن يرى خلقه أحباء إخوة على سرر متقابلين، و يفرح أيما فرح بلهفة خلقه العصاة المحبين يأتونه كل يوم مستغفرين تائبين طامعين.
لقد جاءت صحبة و أخوة و صداقة صاحب quot;الخواجةquot; في وقتها حيث لم تغرب شمس الدوحة بعد، و حيث ينتظر العطشى في أرض الله الواسعة أن يهبهم الصبر و السلوان و الحكمة فيما أصاب بلادهم من خراب طال الأنفس قبل الأرضين، و طال الظاهر في الدين، أما النفس المطمئنة فسترجع إلى ربها راضية مرضية.
لقد ذهب الفقهاء و المتكلمة على حد سواء، و على مر قرون الإسلام المتعاقبة، إلى جعل الفرق الإسلامية المتعددة ظاهرية و باطنية، و كانت ثمة رغبة جامحة لدى الظاهريين في زندقة الباطنيين و تكفيرهم و إخراجهم من الملة، بينما لام الباطنيون على أنواعهم، إخوانهم في الدين على شيوع الرياء بينهم و جنوحهم عن جوهر الرحمة الكامن في الدين و انشغالهم بعيوب الناس الرائجة فيما لا يعلم سرائر نفوس الخلق غير خالقها.
إلا أن عبد الرحيم كمال الذي ولج الإسلام من باب quot;التصوف التيجانيquot; الرائق الرقراق الجميل، لا يحبذ اعتماد المفاهيم التاريخية الذائعة عن quot;الظاهرquot; و quot;الباطنquot;، و يميل إلى تصديق القول الرائج المنسوب بتباين، مرة للإمام مالك و أخرى للشافعي و ثالثة للنعمان رضي الله عنهم أجمعين، بأن من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق و من تصوف و لم يتفقه فقد تزندق، و مفاد القول العمل على ربط الظاهر بالباطن و الباطن بالظاهر بميزان، مع إبقاء للباطن على أولوية ما، إذ دون ذلك تزول الرحمة و يذهب الحب و تقسو السريرة و يضطرب السلوك و ينحرف المسار.
و يرى عبد الرحيم كمال في تجربة حكم الإخوان المسلمين، و سائر الإسلاميين، فرصة لتصحيح مسار الدين، فتعلق هؤلاء بظاهر الدين دون عمقه الناضح بالمحبة لله و خلقه، و تسخيره تجارة بائرة لا محالة يحصلون بها على قليل من متاع السلطة و كثير من بهرج الدنيا، سينتهي بهزيمتهم و تسفيه منهجهم و كراهية الناس لطريقتهم، و سيأتي من بعد ذلك جيل من المسلمين يعيد بناء ما أفسدوا، و يرمم ظاهر الإسلام بالغوص في أصله، و يقود من خلال ذلك حركة تصحيحية جوهرية باطنية عميقة تعيد للرسالة المحمدية ألقها الروحي و بعدها التعبدي و تأثيرها غير المباشر في نفوس المؤمنين، فينصلح حال الثقافة الدينية، و تستقيم المساجد لله خالصة لا يذكر فيها غير اسمه، و ينهض الدين لوظيفته الرئيسة في السمو بالأرواح و إتمام مكارم الأخلاق و النأي بالنفس عن شبهات الحكم و آثام السلطة.
و يؤمن عبد الرحيم كمال بالفنون وسائل إلى الله، و بالذوق الرفيع نعمة من الله، و يخشى الجفوة و قسوة القلب، و يرجو الرحمة فلا يرى نفسه داعية لكثرة ذنوبه، و يستغرب هبوب من كثرت معايبهم إلى دعوة غيرهم إلى طريق الحقيقة و هم أبعد الناس عنها و أضلهم منها، و يحتار كيف يهدي الكفيف البصير، و يرتعد عندما يرى جرأة تجار الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة يتخذونها معبرا لنيل جاه أو مال أو سلطة، فمن خبر الحيرة و الحب و نهل من معين العشق الإلهي لم يجد نفسه غير أولى الناس بالنصيحة و آخر من بمقدوره أن يحمل إزر الآخرين على كتفه.
و لا يخشى الفقراء في أدب الكاتب المصري حكم الظواهر، إذ سرعان ما سيتجلى الحق للناس، و بقدر ما سيكون السقوط مدويا سيأتي البناء الجديد على أسس سليمة، و ستستأنف سفينة الإصلاح و التجديد الإسلامية مسيرتها بعد انقطاع، و ستغلق ملفات الإسلام السياسي الظاهر إلى الأبد، ليفرغ المؤمنون و الفقراء و الدراويش و الربانيون حقا للنأي بدينهم عن الشبهات و الفرار بعقيدتهم عن شواطئ الحقد و الكراهية و التزوير و الافتراء و الرياء، فالله ليس في حاجة إلى دولة أو حكومة أو عساكر أو حرامية، إنما الله في حاجة إلى أن يرى خلقه أحباء إخوة على سرر متقابلين، و يفرح أيما فرح بلهفة خلقه العصاة المحبين يأتونه كل يوم مستغفرين تائبين طامعين.
لقد جاءت صحبة و أخوة و صداقة صاحب quot;الخواجةquot; في وقتها حيث لم تغرب شمس الدوحة بعد، و حيث ينتظر العطشى في أرض الله الواسعة أن يهبهم الصبر و السلوان و الحكمة فيما أصاب بلادهم من خراب طال الأنفس قبل الأرضين، و طال الظاهر في الدين، أما النفس المطمئنة فسترجع إلى ربها راضية مرضية.
التعليقات