من أهم مشاكل مرجعية السيستانى أنها فارسية إيرانية بامتياز ففى الحلقات السابقة ظهر أن ولاءها لإيران ونظام ولاية الفقيه الإيرانية فقد ذكرت بالأرقام مشاريعه الضخمة والكثيرة فى إيران دون العراق رغم الحاجة الماسة فى العراق وعدم الحاجة فى إيران لأن هناك الكثير من مشاريع الحكومة والفقهاء الفرس الآخرين كما تم الحديث عن التنسيق الكامل والمتواصل بين محمد رضا السيستانى مع ولاية الفقيه (خامنئى) من خلال ممثله فى العراق محمد مهدى الآصفى (زعيم حزب الدعوة فى مرحلة ما قبل إبراهيم أشيقر الجعفرى) وتدخلهم فى أهم مفاصل الدولة.

لابد فى هذه الحلقة الحديث عن خلافاته للمراجع العرب وهذا ما يحتاج حقيقة إلى حلقات طويلة لكن يمكن ذكر بعض الأمثلة التى تغنى العقلاء.

لازالت المرجعيات الفارسية تحتكر المرجعيات لفترات طويلة وتم منع المرجعيات العربية الكفوءة على مر التاريخ مثل محسن الأمين ومحمد باقر الصدر ومحمد جواد البلاغى ومحمد حسين فضل الله وهاشم معروف الحسينى ومحمد حسين كاشف الغطاء ومحمد مهدى شمس الدين ومحمد أمين زين الدين ومهدى الخالصى ومهدى الحيدرى ومحمد رضا المظفر ومحمد سعيد الحبوبى وعشرات غيرهم.

إعتاد المراجع الفرس على وضع ألقاب طويلة لأنفسهم بينما كان تواضع العرب وزهدهم يجعل المجال واسعا للفرس فمثلا لو رأينا مرجعين متعاصرين عاصرناهما هما محمد باقر الصدر (ت1980) الذى يضع اسمه مجردا من أى لقب إطلاقا حتى على رسالته (الفتاوى الواضحة) وعلى جميع كتيه (فلسفتنا) (إقتصادنا) (رسالتنا) (البنك اللا ربوى فى الإسلام) (الأسس المنطقية للإستقراء) وكثير غيرها بينما الخوئى الذى لم يفهم كتب الصدر كما اعترف ولم يكتب فى أى باب من تلك الأبواب كالفلسقة والإقتصاد والإستقراء والتاريخ والإجتماع... فإن رسالته العملية الكلاسيكية التقليدية هى نفسها ونفس عنوان من قبله (منهاج الصالحين) بتغيير بسيط فى بعض الفتاوى، فإن ألقابه عليها كثيرة وأولها سماحة آية الله العظمى وآخرها دام ظله العالى علما أن هذه الألقاب جديدة مبتدعة وخاطئة فإن آية الله العظمى لاتصح إلا لرسول الله ومن هو بمقامه حيث رفضها القدماء وابتدعها المتأخرون مدحا فى ذاتهم وحبا فى ألقابهم.

كذلك السيستانى يمكن ملاحظة الألقاب الكثيرة العجيبة والغريبة أمام إسمه على رسالته التقليدية الكلاسيكية (منهاج الصالحين) التى تشبه من سبقه من الفرس رغم أنا لانجد له كتبا فى أى مجال إطلاقا وهو الذى جعل الكثير من المرجعيات التشكيك فى اجتهاده ومرجعيته كما ذكر سابقا.

لقد رأينا الحملات التسقيطية من مرجعية الخوئى الفارسية ضد المراجع العرب جميعا ومنهم محمد باقر الصدر الذى نقدهم فى كتابه (المرجعية الرشيدة والصالحة) وهو يدعو إلى تحويل المرجعية من فردية فاسدة إلى مؤسسة رشيدة والإستفادة من الإختصاصات فى مختلف الميادين ومحاسبة ملايين الأخماس وحواشى المراجع. وبدأوا بإهانته فى المجالس العامة والخاصة وتسميته بالوهابى والسطل والعميل وفرحوا بمقتله عام 1980 ووزّعوا الحلوى.

كانت مرجعية الصدر الثانى (تلميذ الصدر الأول وابن عمه المتوفى 1999) تحدثت مرارا عن السيستانى وارتباطه بالنظام الصدامى البعثى وتسميتها بالمرجعية الصامتة صمت القبور والموتى وكان ذلك واضحا ولازال فى يوتيوب الكثير من ذلك.

كما حارب السيستانى مرجعية محمد حسين فضل الله المرجعية العربية المتنورة المعتدلة المنفتحة على الواقع والحياة والمذاهب والآراء.

ومحمد حسين فضل الله من المراجع الشيعة العرب المتنورين حيث نقد كثيرا التكفير فى التشيع الفارسى كما رفض الغلو فى الإمام على وأولاده من أئمة أهل البيت والمغالاة فى فاطمة الزهراء فى محادثتها الملائكة ونزول مصحف فاطمة لها من السماء مباشرة كوحى إلهى ورفض الكثير من القصص المنسوبة لها كما اعتبر الروايات مكذوبة فى إسقاط جنينها محسن وضرب الزهراء بالسوط وقيادة على بالحبل لبيعة الخليفة كما يزعم الفرس. قال فضل الله (إنى لا أتفاعل مع الكثير مما يرد عن كسر ضلع الزهراء وإسقاط جنينها... وذلك كله لادليل عليه إطلاقا) ثم ذكر أن قبر الزهراء صار معلوما وليس مجهولا كما ادعى. رفض فضل الله طقوس كربلاء فى القصص الخرافية والتطبير الصفوى وقربة العباس وعرس القاسم وانتقد الفرس واعتبره اتجاها فارسيا فى السيطرة على التشيع وتشويهه.

أما اتهام السنة زورا بقتل الإمام الحسين فيقول فضل الله (إن الشيعة هم الذين قتلوا الحسين بعد أن دعوه إلى كربلاء فقد كان شمر من قادة جيش على فى صفين ومن راسلوه وقاتلوه من شيعته) وأن كربلاء شيعية وهى التى دعته وعندما وصل قرأ رسائلهم ورسائل زعمائهم الشيعة وهم فى مواجهته وقال لهم (لم آتكم حتى جاءتنى رسائلكم)وهم الذين كانوا قلوبهم مع الحسين وسيوفهم مشهورة عليه لقتله. وقد ترضّى مرارا على الخلفاء الراشدين أبى بكر وعمر وعثمان ومدحهم صراحة كما ترضى من قبل جده الإمام على مرارا فى نهج البلاغة.

رفض فضل الله الطقوس الحسينية والممارسات المنحرفة قائلا (إن الثورة الحسينية قد تحولت بفعل العواطف إلى تعذيب الذات بالصراخ والعويل ولطم الصدور وضرب الظهور وجرح الرؤوس.. وشرب الخمر للإحماء..وترك الصلاة..) ورفض شفاعة الأئمة والنذر لهم والتوسل بهم بينما دعى أهل البيت أنفسهم إلى دعاء الله مباشرة وبلا واسطة فالله صريح بقرآنه فى دعائه مباشرة (أدعونى أستجب لكم) وقد كان الرسول يدعو الله مباشرة وعليكم الإقتداء به.

كما دعى فضل الله إلى الوحدة الإسلامية رافضا الشهادة الثالثة فى الأذان والإقامة كونها بدعة ليست من الدين قائلا (إنى لا أرى إضافتها للصلاة أو مقدماتها فإن ذلك يؤدى إلى مفاسد كثيرة) ورفض الكثير من الطقوس الفارسية خصوصا التطبير وإدماء الرؤوس وثقافة التكفير واللعن. قال فضل الله ان الامام علي كان يحضر الصلاة جماعه خلفهم وان الامام على بايع ابا بكر وعمر وعثمان) (وان الامام على قبل بان يكون مكان عمر عند ذهابه الى القدس إيمانا بشرعية الخليفة وأن الحسن والحسين قد رضيا بان يكونا فى جيوش الخلفاء كما كان على جنديا فى حروب الردة تحت زعامة الخليفة الأول) بشكل واضح وصريح ومخالف للتيار الفارسى الصفوى وعقائده الغريبة.

رفض فضل الله تأويل آيات واختصاصها فى على وأهل بيته كسؤال السائل (سأل سائل) (خير البرية) قصة إطعام الطعام (ويطعمون الطعام على حبه ) (النبأ العظيم) (لكل قوم هاد) (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (دابة فى الأرض) (الراسخون فى العلم) (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض) كما أنكر نزول الملائكة على الأئمة واتصالهم بالغيب وولايتهم التكوينية والتشريعية وقال (أنا من الناس الذين لايرون الولاية التكوينية لأن القرآن كله ينفى ذلك ويؤكد أن النبى لايملك من أمره شيئا إلا ما أمره الله بشكل طارئ فليس للأنبياء تقديم وتأخير ما شاؤوا والإستجابة لاقتراحات الناس فليس لهم ولاية تكوينية ولا تشريعية) (أما الولاية على الكون كلّه فهى ليست من شأنهم ولا دورهم لأن الله وحده الذى يملك الولاية الخالقية والفعلية على إدارة نظام الكون كله وليس لأحد آخر غيره، كما لم يمارس الأنبياء أى دور فى ذلك فى أى موقع من مواقعهم حتى فى الإعجاز إلا فى موارد الإذن الإلهى الخاص فلا يدفعون عن نفسهم ضرا ولا نفعا) ولم يعتبر الإمامة والعصمة والولاية والخلافة من الأمور الثابتة ولا القطعية بل (هى محل نقاش وجدل ومن الأمور المتحولة التى تخضع للإجتهاد والدراسة فى التوثيق وليست من العقائد الثابتة سندا ولا دلالة لذلك يعيش المسلمون الخلاف حوله) ورفض التقية واعتبرها حجبا للحقيقة وشكك فى القصص التاريخية ومنها سم الإمام الكاظم من هارون الرشيد وكذلك قتل المأمون للإمام الرضا واعتبرللزهراء ثلاث أخوات منها زوجتا الخليفة عثمان بن عفان، واعتبر كثيرا من الزيارات موضوعة مثل زيارة الناحية عن المهدى المنتظر، كما رفض اللعن والسب والشتم للخلفاء الراشدين وزوجات النبى عائشة وحفصة وتحدث عن أخطاء الإمام على فى شرحه لدعاء كميل.

دعى فضل الله للوحدة الإسلامية بقوة فكرية وعملية وتكلم فى بيعة على للخلفاء الثلاث وقال بأن حديث أبى بكر عن النبى (نحن معاشر الأنبياء لانورث) صحيحا وقد كان يلتقى بفقهاء السنة وينسق معهم ويفتى بمذاهبهم.

كان فضل الله رجلا وحدويا وعالج نقاطا أساسية فى التراث الشيعى خصوصا الإمامة والعصمة حتى نقل حوارات بين أهل البيت أنفسهم مثل قول فاطمة لعلى (يا ابن أبى طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت قعدة الضنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل...) كما نقل قول على (لاتزوجوا الحسن فإنه مزواج مطلاق) وهى تنقض ما يطرحه الفرس فى عقيدة الغلو، وهكذا دخل فى عمق إشكالية ما يطرحه الفرس اليوم مما ورث عن الدولة الصفوية وغلوها وطقوسها.

يعتبر فضل الله مجددا للفكر الشيعى وتنويريا فى النقد والتحليل والرؤية حيث يرى حركة النص مع الواقع والحياة لا جموده فى انفتاح على العصر وهو يسافر إلى أوربا وأمريكا وهو يحاضر ويتابع نتاجها لذلك كان جريئا فى فتاواه وتحريمه لختان الإناث وجرائم الشرف والتطبيروإدماء الرؤوس فى قضية عاشوراء الحسين وتحريم الطقوس فيما سماه البدع الفارسية الصفوية.

كان الفقهاء الفرس فى إيران يقتدون بفضل الله فى إمامة الجماعة ويستقبلونه بحرارة شديدة كما شهدتُ ذلك مرارا ولكنه بعد تصديه للمرجعية رفضوه أنفسهم بسبب مزاحمتهم فى السيطرة الفارسية والنفوذ كما حصل للمراجع العرب مثل باقر الصدر ومحسن الأمين ومهدى الحيدرى وكاشف الغطاء وهاشم معروف الحسينى وغيرهم على مر التاريخ.

وتعرض فضل الله لحملة ظالمة من الفقهاء الفرس حتى افتوا بأنه ضال مضل وشككوا فى أصله ونسبه ونظمت القصائد وألفت الكتب وتصدرت حسينيات الثأر وخطباء وعاظ السلاطين لاتهامه وإسقاطه بشتى التهم الباطلة لإسقاطه. ويمكنك مراجعة كتابين مثلا (الحوزة العلمية تدين الإنحراف) (ظلامات فاطمة الزهراء) اللذين صدرا فى قم لترى الكم الهائل من الفتاوى الفارسية ضد المرجع العربى فضل الله لتسقيطه والتعبير عنه ضال مضل. صدرت عشرات الفتاوى ضد فضل الله، منها فتاوى جواد التبريزى ووحيد الخراسانى وناصر مكارم الشيرازى والقمى والمرعشى والخونسارى والبايانى واللنكرانى والكلبيكانى وبناهى والشاهرودى والمدنى والسيستانى وغيرهم. ما يهمنا الآن فتوى السيستانى وهو يدعى أن آراء فضل الله هى تشكيك فى العقائد الشيعة الحقة المشيدة ولاتزلزلها لأنها مبنية على أسس متينة ويدعو الشيعة للوقوف ضدها لأنها كما يعتبرها إساءة لضرورات المذهب والعقائد والمرجعية الدينية كما يقول

وواضح من المبانى المعاكسة تماما لآراء فضل الله هو المتبنى من عقائد التشيع الفارسى الصفوى الذى امتلأ بالفتاوى ضد فضل الله والمراجع العرب

كما يمكننا ملاحظة ما حصل للمراجع العرب مثل الصرخى الحسنى وأحمد البغدادى وتهديم مساجدهم والوقيعة فيهم حيث الإتهام لمرجعية السيستانى ووكلائها وممثليها وحاشيتها.

وللحديث صلة فى الحلقات التالية