بقدر ما وضعت الأزمة السورية أكراد سوريا أمام فرصة تاريخية لتحقيق تطلعاتهم القومية بعد عقود من سياسة الإقصاء والحرمان والتجاهل بقدر ما وضعتهم أمام محن وتحديات ومخاطر باتت تهدد وجودهم القومي، وهي مخاطر وتحديات تتداخل مع بعضها البعض، وباتت تهددهم على الرغم من الحديث عن تعاظم نفوذ الأكراد إلى درجة ان البعض بات يتحدث عن إمكانية قيام كيان كردي في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد.

ما هي هذه المخاطر؟ ومن أين جاءت؟ وكيف يمكن ان تؤثر على الشعب الكردي ومصيره؟ أسئلة تستدعي تحديد هذه المخاطر والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- الهجمات الكبيرة التي بدأت جبهة النصرة ودولة الشام والعراق الإسلامية على المدن والبلدات الكردية، وهي هجمات تثير أسئلة في كل الاتجاهات، ولعل أهمها، إذا كان النظام غير موجود عسكريا في هذه المناطق التي تعيش في حالة هدوء نسبي فلماذا الهجوم عليها؟ في الواقع، الجواب عن هذا السؤال يتخلص في سعي هذه التنظيميات إلى إقامة إمارة إسلامية في الشمال السوري والذي يشغل الأكراد معظم مناطقه، والثابت انه دون سيطرة هذه الجماعات المرتبطة بالقاعدة على هذه المناطق لا يمكن إقامة مثل هذه الإمارة.
2- موقف قوى المعارضة السورية من ما يجري، فاللافت والغريب معا، هو صمت المعارضة السورية ولاسيما الائتلاف الوطني السوري من هجمات هذه الجماعات على المناطق الكردية، والغريب أيضا ان هذه المعارضة لا تتوقف عن إبداء القلق من سلوك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وممارساته فيما تصمت صمت القبور إزاء هجمات هذه الجماعات والتي وصلت إلى حد تدمير البيوت والاعتقال على الهوية.
3- السياسة المتبعة للنظام والتي تقوم على ترك الأمور على حالها في المناطق الكردية في ظل إنشغاله بمعارك حمص وحلب وريف دمشق، وقد أدت هذه السياسة إلى حالة من الفوضى والفلتان والعسكرة وانتشار اعمال السرقة وغياب الأمن وانهيار منظومة القيم الاجتماعية والإخلاقية وملامح الحرب الأهلية.
4- لا يخفى على المراقب الدور التركي في مجمل الاحداث التي تشهدها المناطق الكردية، فتركيا التي تخشى من إقامة إقليم كردي جديد على غرار إقليم كردستان العراق تسعى بكل قوة عبر استخباراتها وقوتها الناعمة إلى إقصاء المكون الكردي من المشهد السوري لحسابات تركية تتعلق بالقضية الكردية ككل، وقد كشفت الوثائق التي تم الحصول عليها خلال معارك رأس العين وتل أبيض عن دعم تركي مباشر بالسلاح للمجموعات المسلحة بل ان بعض هذه المجموعات قدمت من داخل الأراضي التركية.
5- الخلافات الكردية ndash; الكردية والتي وصلت إلى مستوى الشارع، وهي خلافات نابعة من اختلاف المرجعيات ( حزب الاتحاد الديمقراطي يعود في مرجعيته إلى حزب العمال الكردستاني والمجلس الوطني الكردستاني يعود إلى أربيل ) وأمام هذه الخلافات باتت الساحة الكردية تحمل ملامح الحرب الداخلية خاصة وان الجهود التي بذلت حتى الآن لتذليل هذه الخلافات فشلت في تجاوزها وتكوين إدارة كردية مشتركة وإيجاد الثقة بين القوى والأحزاب الكردية.
6- مجمل ما سبق أفرز ظاهرة خطرة جدا باتت تهدد المجتمع الكردي، وهي ظاهر الهجرة سواء إلى كردستان العراق أو إلى الخارج، وبغض النظر عن أسباب هذه الهجرة والتي تتلخص بالظروف الحياتية والمعيشية الصعبة فان الأحزاب الكردية تتحمل المسؤولية الأكبر، خاصة وان قيادات هذه الأحزاب نفسها غادرت الساحة الكردية السورية و وجدت في فنادق كردستان العراق واحة جميلة لممارسة السياسة من بعيد.
دون شك، هذه المخاطر وغيرها باتت تهدد أكراد سوريا وتثير لديهم سؤال المصير، وإلى أين؟ وما العمل؟ وكيفية الحفاظ على الوجود الكردي؟ وماذا عن تحقيق التطلعات القومية المشروعة؟ وماذا عن العلاقة المصيرية مع باقي القوى والأحزاب الوطنية السورية؟ أسئلة لعل المعني الأول والأخير بالجواب عنها هي الأحزاب الكردية السورية التي عليها ان تتجاوز خلافاتها قبل كل شئ وتشكل مرجعية موحدة تقود هذه المرحلة الصعبة.... لان دون ذلك ستبقى الأسئلة السابقة دون أجوبة، وسيبقى سؤال المصير هاجسا يلاحق الكردي في كل لحظة