ما جرى في مصر انقلاب عسكري حتى ولو كان الأخوان في قائمة الأذلين والخاسرين والفاشلين.
ليس الكلام عن نجاح وفشل الإخوان . رأيي معروف فيهم منذ كتابتي في النقد الذاتي وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية. الإخوان في حاجة إلى تغيير الكود الثقافي في نواة خليتهم العقلية. وهذا له حديثه الخاص.
ولكن كل المشكلة هي في إجهاض التجربة الديموقراطية لصالح العسكر.
اعط الإخوان فرصتهم طالما جاءوا بصناديق الاقتراع. في الانتخابات القادمة أسقطهم إذا فشلوا. وإذا تجبروا أسقطناهم كما سقط المبارك بدون بركة.
الإخوان يشفع لهم شيء واحد، وهو غير مضمون للمستقبل نظافة أيديهم. لا يمكن ان يقارنوا بعصابة مبارك.
أعطهم الفرصة ليس من اجلهم، ولكن من أجل الديموقراطية، وقطع الطريق على (الوحش) العسكري وترويضه بحبل وسوط كما يروض سبع السيرك، وقبل ذلك محاولة رفع عتبة الفهم عند (الزباط) ولكن متى فهم العسكر؟
إنهم في الشريحة الأسفل في الدراسات النفسية. إنهم الطلبة الفاشلون في الثانوية فلم يبق لهم مكان للإيواء إلا اثنين؛ كليات الشريعة والكلية العسكرية.
هكذا كانت القاعدة عندنا في طلبة الثانوية المتخرجين: المتفوقين يأمون كليات الطب والهندسة، والفاشلين الذين أمامهم خيار العسكر والملا. فإما تخرج ضابط أو انضم إلى سلك الأوقاف.
العسكر .. وما أدراك مالعسكر؟ إنهم الاسمنت كما جاء في فيلم ياماكازي!
قال ضابط الشرطة وهم يطاردون أطفالا أبرياء، يحاولون إنقاذ طفل مغربي من فشل قلبي يحتاج لعملية إسعافية، نحن اسمنت هل يفكر الاسمنت؟
كذلك كان قدر العسكر. إنهم كالسيف والبندقية.
هل فكرت البندقية يوما على من تطلق النار؟ هل فكرت شفرة السيف رقبة من تقطع؟
في الانتخابات القادمة سيسقط الأخوان لأنهم فاشلون لم يعرفوا الحداثة بعد؟ حسنا. ولكن المهم هو إنجاح التجربة الديموقراطية، أن الحكومات تزاح بالانتخابات، وليس بالبسطار العسكري، فهذه هي الحداثة التي لم يفهمها بعد الحداثيون!
لذا فالسيناريو الثاني هو ما سيحدث، أي حمام دم كما كتبت في مقالتي عن استراتيجية الصراع مع سمك القرش. عفوا العسكر، وهل تخوض المعارضة الصراع مع سمك القرش في اليابسة أو في لجة الماء العميقة؟
قد يكون ما ينتظر مصر أفظع من سوريا. سوريا أرادت الحرية فانتفضت؛ فجاء ملالي إيران لنصرتها، من خندق مذهبي متعفن، من قضية أكل عليها الدهر وشرب وتقيأ، عن معركة اقتتال بين شخصين، عجزا عن حل المشكلة إلا بالسيف، حدثت قبل آلاف السنوات، لسنا مسئولين عنها وعنهما، ايا كانوا، اختلفوا واقتتلوا وأثبتوا أنهم من الفاشلين.
في هذا الاقتتال الداخلي الأرعن ضاعت الخلافة الراشدة بين مجانين وانتهازيين وأيديولوجيين، يقولون إن هذا الدين هو لحساب عائلة؟
إنه أمر مضحك، لولا أن كمية الدماء التي سالت من أجل هذه النكتة مازالت في الجريان. تماما كما يموت الناس في الطواعين والحميات، حتى يأتي زمن العلم وحقن البنسلين وجراحة الأورام الخبيثة؛ فهذا هو طريق إزالة الأمراض والعفونات.
دخلت دول على الخط في الثورة السورية فانحرفت الثورة لصالح الحرب. وما سوف يحسم الأمر في سوريا في النهاية، سيكون على الأغلب مصالح الدول المتصارعة.
إذا حصل الثوار ولو على حصة بسيطة في هذ الصراع ، قد يبقى لنا أمل أن تكتحل عيوننا برؤية الوطن من جديد، وإلا فمصيرنا مثل البلاشفة البيض.
حين احتدمت الحرب الأهلية في روسيا انتصرت الديكتاتورية.
كما حصل في إسبانيا مع فرانكو ونجاح اليساريين في الانتخابات؛ فقلبهم وأبادهم في جورنيكا وبالطيران الفاشي والنازي.
هرب عشرون مليون روسي أبيض من جحيم الشيوعية، بغير عودة فبنوا أوربا وأمريكا ؛ فمنهم من اخترع التلفزيون، ومنهم من طار بالهيليكوبتر.
إنهم يذكرون بنفس هريبة علماء القسطنطينية، حينما اجتاحها العثمانيون فهربوا إلى أوربا وبنوها، كما يفعل السوريون الأسطوريون؛ فيبنوا زوايا العالم الأربع حيث تشردوا على يد فصيلة السنوريات السورية.
قال لي صديقي سفيان في مدريد، لقد اختفى أناس من خصوم فرانكو لمدة أربعين سنة، حتى مات الجبار عام 1975 فخرجوا يتنفسون الهواء النقي، مذكرا بفيلم سجين شواشونج (Shawshang Redemption). الذي مثلته هولييود في فيلم.
لقد مررت على قبر فرانكو يوما في مدريد، ودعست على ضريحه وضريح مساعده الأشد إجراما. لفت نظري صليب هائل ! إي والله صليب رفعه المجرم وأحسن بناءه وهو رمز سيد الرحمة عيسى بن مريم. ارتفع على نحو شاهق لم أر مثل ارتفاعه! سألت صديقي الديري سفيان ما باله؟ قال هذا أعلى صليب في العالم، ولكن من بناه كان من عمال السخرة من المعتقلين الشيوعيين في أقبية السجون. سخرهم للبناء فعذبهم الملعون مرتين ببناء نصب يلعنونه.
الثورة حين تنحرف إلى الحرب تعني خمس أمور أو معادلات:
الحرب تعني القتل والتسلح.
التسلح يعني التمويل.
التمويل يعني دخول الدول على الخط، ومعها المخابرات وكل وسخ السياسة وقذارات وأوحال السياسيين.
ودخول دول الدول والاستخبارات والعسكر على الخط معناه الجريمة والإفلاس الأخلاقي، ومعه الجنون يقينا.
الحرب تعني ثلاثا: (الجريمة والجنون والانهيار الأخلاقي) من أي دولة شنت؟ وعلى يد من اندلعت؟ وفي أي مكان وقعت؟ ومن كان خلفها يغذيها بالكلام والمال والسلاح.
قانون الحرب الثاني يقول: من يبدأ الحرب يستطيع ويفرح، ومن ينهيها ليس من بدأها، وينحر أو ينتحر، كما حصل مع هتلر وموسوليني وصدام وجنرالات اليابان الذين قصفوا بير هاربر، والدوتشي الإيطالي الذي التهم إثيوبيا وليبيا؛ فانتهى معلقا عاريا منكسا مع عشيقته كلارا مياتتشي مثل خارف في المسلخ البلدي.
من يحكم خواتم الحرب هو من يملك أسرارها ومن يمولها. ولن ينتصر أحد من سلاح، لم ينتجه على خصم أنتجه؛ فهذه قاعدة أخرى، أن خصمك لن يعطيك قط سلاحا تهزمه به.
في الحرب من يقتل يكافأ وتعلق على صدره النياشين، وخارج الحرب يحاسب على كلمة قالها فأهان، أو تصرف غير سوي سلكه فأساء.
في الحرب تظهر قوانين جديدة هي اللاقوانين، ويدخل الإنسان الغابة وحشا ضاريا مرتدا إلى الهمجية.
هل يعقل أن يقتل إنسان أنسانا لا يعرفه. يقول فولتير إنه الجنون وليس غيره أن يقتل الناس بعضهم على الأوامر؟
هل يقدم على هذا عاقل ؟ سبحانك اللهم إنا تبنا إليك.
الثورة ـ الحرب ـ التسلح ـ القتل ـ الدول والمصالح والسياسة ـ الإفلاس الأخلاقي وإرادة الدول، ومصالح الدول.
بكلمة مختصرة: من يعطيك السلاح والمال سوف يفرض عليك رؤيته ومصالحه كما هو واقع في العراق اليوم.
حدثتني عراقية أن أي نفط يباع في العراق يجب أن يوقع شيكه من المندوب الأمريكي الخفي. فيعرف من أين جاء المال، ولمن بيع النفط؟ ومن وضع الخصومات في جيبه، في دولة انتفخ فيها الفساد مثل جثة بهيمة ميتة.
جاء في مقالة لكاتب مصري يتحدث عما سماه (ديكتاتورية الأغلبية)؛ اعتقد أنها فكرة خاطئة، وأن ماحدث في مصر هو انقلاب عسكري بامتياز، على طريقة امريكا المعروفة في قلب أنظمة العالم المنتخبة بالشرعية، لدفع البلد من جديد في دخول نفق الديكتاتورية في زمن مفتوح.
الاستعراضات الميدانية ليست هي الحكم.
العقلانية وصناديق الاقتراع يجب أن تكون هي الحكم.
يمكن أن يخرج مائة متظاهر، ثم وبواسطة الفوتو شوب والانفوميديا، أن نجعلهم مائة الف ومليون. كما رأينا في فيلم (التيتانيك) أن كل المحيط كان بركة صغيرة.
جوابي ليس ثمة أغلبية؛ بل عسكر ببسطار قذر، وسلاح أوسخ، واستخبارات تدير المعركة، وأموال وسخة تصب في ضمائر أوسخ.
المهم الآن ماذا يفعل المصريون أمام تمساح العسكر؟
المواجهة السلمية ولن يصبروا عليها، كما حصل في سوريا مع استفحال القتل؟ بدأت الثورة السورية بثلاث لتنتهي بأضدادها تماما. اللاعنف ـ التدخل الخارجي ـ الطائفية. ماقتل حتى الآن هو اول موسم المطر. لن يبقى حجر على حجر. وأعداد القتلى ستقفز هذه المرة إلى مئات الآلاف ماتصبح البوسنة نزهة بجانبه. وهو ما لانتمناهم ولكن الرب يقول: أم للإنسان ماتمنى؟ أي لن يصل الإنسان إلى أمانيه دوما.
الخيار الثاني: الانسحاب إلى بيوتهم، والاستعداد لحياة طويلة من النضال السلمي، مع الحبوس والفلق، والاعتقالات والتعذيب، والتشريد والتهميش. وإعادة سيرة العجل الناصري من جديد ومشنقة سيد قطب!
ربما يحدث ولا أحد يجزم ماذا سيحدث؟ لكن الأكيد أن هذا ماحصل لحواريي المسيح حتى فازوا، ولكن من يقرأ التاريخ؟ في القرآن والتاريخ والفلسفة والفيزياء وعلم طبقات الأرض والكيمياء كلها تكرر نفس قاعدة المحنة أن النار تذيب الحديد فتخلق منه شيئا جديدا.
الخيار الأقبح والأخطر الطريق الجزائري: مناجزة الجيش بالسلاح لاسترداد الشرعية المسلوبة، كما فعل جهاديو الجزائر، وخوراج العالم القديم، ومحاولات حزب التحرير، وبندقية الاسلامبولي، وثوار ظفار ومجاهدي خلق.
الطريق الثالث يعني استبدال اللاشرعية من جديد باللاشرعية.
هل يختارون النضال السلمي؟ أشك أن تكون المعارضة؛ بمن فيهم الإخوان، مدربين على مثل هذا الأسلوب، وستكون نهايتهم ألعن وأشرس وأفظع من المعارضة السورية.
ربما العود إلى البيوت، والعود أحمد، وأفضل من حمام دم الجزائر وشلالات دم سوريا.
فعل هذا الأتراك ونجحوا فلجموا الوحش العسكري في قفص، وحاكموا رجاله ولو تقوس ظهر أحدهم تسعين درجة، وطقطقت عظامه مثل المسبحة، وعشي بصره مثل الوطواط والبومة، واشتعل الرأس شيبا.
هذا ما جرى، وهذا ما اظن أن على المعارضة المصرية فعله، ولكن في الأرجح سيحصل الخيار الذي رسمته في الصراع مع سمك القرش.
أي أن يسحبهم القرش العسكري إلى لجة المياه العميقة؛ فينهش لحمهم، ويقرمش عظامهم، ويفترسهم في وجبة شهية، ويصفق المغفلون لهذه المسرحية، أمام مياه زرقاء تحولت إلى لون أحمر زاهي قاني.
ألا لعنة الله على العسكر فهم خير بيادق، في يد شرالخلق كلهم، من خبثاء ملاعين لايعرفون الرحمة، قساة لايخترق قلبهم نور ويقين .
تذكر ياصديقي العديد من الانقلابات بدء من عبد الناصر على نجيب. سوهارتو في اندنوسيا. باتريس لومومبا وتشومبي في الكونجو ومعها قتل هامرشولد السويدي الأنساني مندوب جمعية الأمم. دلالييه في تاهيتي. فرانكو في إسبانيا. ماركوس في الفيلبين. مصدق في إيران. وعشرات من أمثالهم.
تفعل أمريكا دوما نفس اللعبة؛ فتاتي بالعسكر حتى تستهلكهم، مثل ممسحة زفر (وسخ المطابخ) عفوا، إذا أدوا دورهم لفظتهم في سلمة مهملات التاريخ ولا تبالي،
ولن يخرج السيسي والميمي والجيجي، عن هذه اللعبة القذرة؛ فيقبضوا مالا وسخا ويذهبوا إلى مزبلة التاريخ.
كانت نصيحتي للإخوان، وأيضا الغنوشي في تونس، وكذلك بنكيران في المغرب، وينطبق نفس الشيء على أخوان سوريا، ان يتركوا السياسية ولا يدخلوها، ويعنوا بأخلاق الناس وتحسين الثقافة والاقتصاد والبلديات، ولكن لعابهم سال للسلطة بأكثر من الجرذ فهو حلمهم منذ ثمانين سنة.
هذا ايضا ماجعلهم مترددين في أول الثورة ثم قفزوا في التيار. إنه غرام السلطة السقيم.
إما فهمنا وتصرفنا، وإلا فلن تزيد حياة أحدنا عن حلقة دخان وذرة غبار غادرها الوعي . دعنا نتفائل فلا نسرف فيه. ولا نتشاءم فهي علامة انحطاط
إنها ولادة المعنى من رحم المعاناة