يرى غالبية متابعي الوضع الفلسطيني أنّ حركة حماس قد خسرت حليفا قويا بعزل الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي الذي تسلّم رئاسة مصر في الثلاثين من يونيو 2012 ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين المصريين، حيث تعتبر حركة حماس شبه امتداد لهذه الجماعة ومعها الجماعة الأردنية، حيث العديد من قيادات هذه الحركة يحملون أساسا الجنسية الأردنية وأقاموا فترات طويلة من حياتهم في الأردن، بحكم أنّهم مواطنون أردنيون من أصول فلسطينية بعد ضم الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية في أبريل عام 1950 ، ومن هؤلاء القادة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة، وإبراهيم غوشة، وعزت الرشق، وموسى أبو مرزوق، وغيرهم كثيرون، كما أنّ هناك من يرى أنّه يوجد تيار قوي في قيادة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من اشدّ مؤيدي وداعمي الحركة، ويشكّل هذا الموضوع خلافا بين تيارات الجماعة. كما أنّه من بين قيادة الحركة في قطاع غزة من يحمل الجنسية المصرية مثل القيادي محمود الزهار الذي أعلن صراحة أنّه ذهب لمدينة العريش المصرية وصوّت في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة للدكتور محمد مرسي.
ماذا خسرت حماس بعزل الرئيس مرسي؟
المتابع الدائم للوضع والحالة الفلسطينية يستطيع أن يرصد انّه طوال عام من حكم مرسي لم يتم دعم حماس ميدانيا من قبل الرئاسة المصرية لا بالمال ولا التموين أو مصادر الطاقة، وذلك بسبب أنّ هذه المصادر نفسها تعاني منها مصر نفسها شحة ونقصا، وكان الدعم إما أن يأتي عبر الأنفاق أو الزيارات المعنوية لبعض قادة حماس مثل زيارة اسماعيل هنية للقاهرة وخطبته في الجامع الأزهر يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير 2012 التي أعلن فيها صراحة موقف حماس الداعم لثورة الشعب السوري ، بعد خروج ومغادرة غالبية قيادات حماس دمشق، مما أدّى إلى توتر مع نظام وحش سوريا، نتج عنه اعتقالات عديدة في صفوف الجماعة ومصادرة مكاتبها وبعض ممتلكاتها في سوريا وشبه حرب تهجير وقتل ضد سكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. ومن الطبيعي أن يؤدي موقف الحركة من النظام السوري إلى توتر وجمود في علاقة الحركة مع الحليفين الرئيسيين لنظام الوحش وهما نظام الملالي في طهران وحزب الله في لبنان. وقد وصلت هذه العلاقات حدّ القطيعة ووقف أو تقليص الدعم المالي للحركة من قبل نظام الملالي الذي تقدّره بعض المصادر بأنّه كان يزيد عن مائتين وخمسين مليونا من الدولارات شهريا. النتيجة لسقوط نظام مرسي أنّ حماس لم تخسر كثيرا من هذا السقوط، ولكنّها في ظل التوتر الحالي مع النظام الجديد في مصر، واقفاله شبه الدائم لمعبر رفح بين القطاع ومصر، واعتقال بعض العناصر الفلسطينية في القاهرة على اعتبار أنّهم من أعضاء حماس وشاركوا في عمليات مداهمة السجون المصرية، ومبالغة الإعلام المصري في دور حماس في التظاهرات المؤيدة لمرسي، وارسالها ألاف الكوادر العسكرية لحماية قيادات الإخوان المسلمين المصريين، كل هذه التطورات جعلت حماس تشعر أنّها في شبه عزلة أو حصار خاصة الإغلاق شبه الكامل للمعابر الأخرى مع الجانب الإسرائيلي، ومبالغة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في دعم النظام الجديد في مصر، ليس حبا في النظام بقدر ما هو نكاية بحماس وبعض مظاهراتها في القطاع الداعمة للرئيس مرسي بعد عزله. والدليل على ذلك أنّ حماس والسلطة لم ينفذا أي بند من بنود العديد من اتفاقيات المصالحة التي وقّعاها مع نظام حسني مبارك لذلك فالإنقسام الفلسطيني مستمر ، خاصة أنّ النظام المصري الجديد غير معني بهذا الموضوع في ظل حربه على الإرهاب الدائم والمستمر في سيناء ضد القوات المسلحة والأمن المصري الذي يوقع العديد من القتلى بشكل شبه يومي، مترافقا مع اتهامات غالبية الإعلام المصري لحركة حماس بوقوفها وراء ومع دعم هذه الجماعات الإرهابية في سيناء الحدودية مع قطاع غزة، مما أدّى إلى إغلاق وتدمير غالبية الأنفاق التي كانت تشكّل مصدرا من مصادر ثروة حماس وبقائها متحكمة في القطاع.
هل اعادة ترتيب التحالفات الحمساوية ممكنة؟
1 . إنّ عودة العلاقة والتحالف من جديد مع نظام وحش سوريا مستحيلة، لأنّ هذا النظام لا يفهم أية علاقات مع أي تنظيم فلسطيني سوى أن تكون علاقات ليست منسجمة تماما مع مواقف النظام فقط، بل قيام قيادات وكوادر أي تنظيم بالتابعية المطلقة للنظام والعمل كمخبرين ومقاتلين في صفوفه، كما هو موقف ودور جماعة أحمد جبريل ليس مع بدء الثورة السورية فقط بل منذ زمن طويل وهذه الجماعة ومسؤولها مجرد مخبرين لدى المخابرات الأسدية، ونحن من عشنا في سوريا نعرف ميدانيا عمالتهم هذه وارتباطهم المباشر بالضابطة الفدائية وفرع فلسطين في المخابرات الأسدية.
2 . أمّا عودة العلاقات مع حزب الله الحليف الرئيسي والمقاتل بهمجية مع جيش وحش سوريا، فهي ممكنة ولكن ليست عودة لعلاقات تحالفية ثابتة وقوية كما كانت، بل مجرد علاقات شكلية واجتماعات ديكورية لاستغلال هذه العلاقات الجديدة من قبل حزب الله خاصة في ظل الصراع السنّي ndash; الشيعي الذي بدأ يظهر علانية في لبنان من خلال التفجيرات المتتالية بوحشية في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث المعقل الرئيسي لحزب الله، و مدينة طرابلس حيث الأغلبية السنّية، هذه التفجيرات التي تحمل صبغة الإرهاب الطائفي بوحشية مرفوضة لأنّها تضع لبنان في بداية نفق مظلم يوحي بحرب أهلية مفزعة.
3 . أما عودة التحالف مع نظام الملالي في طهران إلى ما كانت عليه فهي ممكنة لأنّها من مصلحة النظام أكثر منها أن تكون من مصلحة حركة حماس، لأنّ هذا النظام لا يخفي نواياه في التمدد في الشرق الأوسط العربي وبالتالي يحتاج إلى جسور وعلاقات، خاصة في ظل عدم وضوح موقف النظام المصري الجديد من نظام الملالي الذي شهد تحسنا قويا في العلاقات في زمن مرسي خاصة تحت مظلة ما عرف ب (السياحة الدينية) التي لاقت معارضة شديدة من غالبية القوى السلفية التي ترفض أية محاولات للتمدد الطائفي الشيعي التي لا يخفيها نظام الملالي. لذلك جاءت بعض تصريحات قيادة حماس التي توحي بعودة هذا التحالف مع الإدعاء أنّه اساسا لم يتوقف أو توضع أمامه أية عراقيل ومعوقات. و إذا عاد هذا التحالف بجدّية فمستقبله مرهون بموقف النظام المصري الجديد. وضمن سياق مناقشة هذه التحالفات لا يمكن القفز على موقف الدولة القطرية في ظلّ حكم الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد، حيث تستضيف قطر بعض قيادات حماس، وخالد مشعل تحديدا شبه مقيم دائم في قطر. لذلك كنتيجة نهائية فإنّ قدرة حماس على اعادة ترتيب تحالفاتها من جديد ما زالت محاطة بالغموض والكثير من الصعوبات التي توحي أنّه ليس من السهل عودة التحالفات لما كانت عليه سابقا قبل اندلاع الثورة السورية.
www.drabumatar.com