بعد قرابة نحو ستة أشهر من اطلاق عملية السلام الكردي التركي تبدو وكأن هذه العملية وصلت إلى طريق مسدود وأمام العودة إلى نقطة الصفر، فما الذي جرى حتى وصلت الأمور إلى هذه النقطة الحرجة؟ وهل فشلت العملية أم أنه ما زال في الأفق إمكانية لإعادتها إلى مسارها الصحيح؟
مراجعة بسيطة لمسيرتها لا بد ان تضعنا أمام جملة من الحقائق والوقائع من قبل الجانبين، فعلى الجانب الكردي لا بد من النظر إلى الخطوات التالية:
1- اعلان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في الحادي والعشرين من آذار عن اطلاق عملية السلام والتأكيد على ان زمن الرصاص ولى واعتماد لغة الحوار بدلا من ذلك، وقد جاء ذلك بعد اتفاق بينه وبين رئيس الاستخبارات التركية حقي فيدان على خريطة سلام لحل القضية الكردية سلميا.
2- اعلان حزب العمال الكردستاني بعد ذلك بأيام الإفراج عن مجموعة من الجنود الأتراك كان الحزب قد أسرهم خلال المعارك والمواجهات العسكرية بين قوات الجانبين.
3- بدء حزب العمال الكردستاني سحب مقاتليه من المناطق الكردية في تركيا إلى إقليم كردستان العراق في إطار خطوات تعزيز الثقة على أمل الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي.
4- عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره العام وإعادة هيكلية الحزب وتغير قيادته العسكرية على شكل رسالة للجانب التركي مفادها : الاستعداد للانخراط في خطوات الحل السلمي حتى النهاية. في المقابل، ماذا فعل الجانب التركي؟ في الواقع من الصعب الحديث عن خطوات عملية محددة تشي بالرغبة في السلام ومن شأنها إرساء الثقة لدى مع الجانب الكردي. فجل ما قام به الجانب التركي مجموعة من التصريحات تؤكد المضي في عملية السلام دون القيام بخطوات عملية في محددة هذا الاتجاه، وفي كثير من الأحيان جاءت المواقف والخطوات والتصريحات التركية لتؤكد عدم جدية الحكومة التركية في الالتزام بعملية السلام، ولعل من هذه الخطوات التركية:
1- رفض القضاء التركي إعادة محاكمة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان بعد تعديل القانون الجنائي التركي في نيسان الماضي والذي سمح بإعادة جميع المحاكمات السابقة .
3- رفض البرلمان التركي بحث مجموعة من القوانين والمواد الدستورية التي تمنع الاعتراف بالهوية القومية الكردية .
4- استمرار حملات التمشيط العسكرية في المناطق الكردية واستمرار حملات الاعتقال وإقامة العديد من المقار والمراكز العسكرية في المناطق التي انسحب منها المقاتلون الأكراد .
5- تصريحات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان قبل أسبوعين والتي أكد فيها انه ليس هناك مجال للاعتراف باللغة الكردية وإصدار قانون عفو يشمل المقاتلين الأكراد .
دون شك، مقارنة بسيطة بين مواقف الجانبين وما قام به كل طرف، تتضح لنا مدى الالتزام الجانب الكردي بالعملية السلمية مقابل اتباع الجانب التركي سياسة الانتظار والمناورة وكسب الوقت لتحقيق أهداف سياسية مدروسة. لكن السؤال هنا: لماذا سارت الأمور على هذا النحو؟ وهل من خلل في اتفاق السلام الكردي ndash; التركي؟ في محاولة للإجابة عن السؤالين السابقين لا بد من التوقف عند النقاط التالية :
1- ان ثمة خلل في الاتفاق الكردي ndash; التركي، فالاتفاق هو أشبه باتفاق جنتلمان وليس اتفاق مكتوب وموثق ومحدد النقاط والآليات، وهذا يشكل نقطة ضعف خطيرة كان على الحزب الكردستاني الانتباه إليه .
2ndash; ان الاتفاق هو مجرد اتفاق ثنائي بين عبدالله أوجلان وحقي فيدان، وليس الحزب الكردستاني والحكومة التركية، وفي ظل غياب طرف ثالث إقليمي أو دولي، وهذه نقطة ضعف جديدة .
3- غياب الثقة الكاملة بين الجانبين، فالحزب الكردستاني يرى ان الحكومة التركية تتعامل مع العملية من باب المناورة السياسية وتحقيق أهداف انتخابية على أبواب الانتحابات المحلية في الربيع المقبل، والرئاسية في حزيران، فيما يرى الجانب التركي ان الحزب الكردستاني يتحرك وفق أجندة إقليمية لها علاقة بالتطورات الجارية في المنطقة وينتهج(الإرهاب ). دون شك، اعلان الكردستاني وقف سحب مقاتليه من المناطق الكردية، جاء إحساسا منه بعدم جدية الجانب التركي والإحساس بأن أردوغان يريد تكرار ما فعله مصطفى كمال أتاتورك مع أجدادهم قبل نحو قرن، عندما تنصل من كل الوعود والاتفاقات مع الأكراد بعد ان تمكن من توطيد دعائم جمهوريته. ومهما يكن، فان عملية السلام الكردي ndash; التركي باتت تترنح على وقع استحقاقات العملية مع ان لدى الجانبين قناعة عميقة بأنه لا بديل عنها لطالما ان الخيار الأخر هو جولة جديدة من الدماء والدمار وزهق الأرواح.