منذ الإطاحة بحكم مرسي في مصر يعيش رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان هاجس تكرار السيناريو المصري خاصة وان العلاقة بينه وبين الجيش متوترة بعد ان نجح خلال الفترة الماضية بدعم أمريكي الحد من دور المؤسسة العسكرية التركية التي هي أقدم وأعرق مؤسسة عسكرية في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.

وعليه، استبق اردوغان وعبدالله غل عقد الاجتماع السنوي الدوري لمجلس الشورى العسكري والذي يعد الأهم للمؤسسة العسكرية التركية حيث تتم خلاله ترقيات الضباط وتعين قادة جدد على رأس الجيوش وإعادة هيلكية الجيش وتنقلاته... استبقا الاجتماع بخطوتين على أمل ترتيب وضع الجيش كما يريده أردوغان في المرحلة المقبلة :
1 اجراء تعديل دستوري على المادة 35 والتي تنص بالحرف على ان مهمة الجيش هي (حماية الجمهورية التركية العلمانية) إلى مهمة (الدفاع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج والمشاركة في العمليات الخارجية التي يقرها البرلمان).
2- حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجيش واعتقال كبار الضباط ولاسيما من القوى البحرية، طبعا كل ذلك باسم التورط في المحاولات الانقلابية ضد اردوغان فضلا عن التجسس.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا كان وراء هذا الخطوات؟ وما الذي جرى؟
في الحالة الأولى، أي تعديل المادة 35 من الواضح ان الهدف هو منع حدوث انقلاب عسكري ضد اردوغان، فانطلاقا من هذه المادة قام الجيش التركي بسلسلة انقلابات عسكرية (1960- 1971 -1980 ndash; وصولا إلى الانقلاب الأبيض ضد أربكان عام 1997) واليوم مع التعديل الذي جرى باتت مهمة هذا الجيش هو الخارج فقط، وأي تحرك في الداخل وفي أي شأن يعرض صاحبه إلى تهمة التحضير للإنقلاب وبالتالي المحاكمة والسجن.
أما في الحالة الثانية، أي حملة الاعتقالات، فقد أدت إلى حصول مشكلة فراغ في القيادة بعد استقالة ثمانية من كبار الجنرالات ولاسيما الجنرال نصرت غوالار نائب قائد القوى البحرية الذي كان الوحيد المؤهل لشغل منصب قائد هذه القوى خلفا للجنرال مراد بيلغال الذي بلغ التقاعد، ومع استقالة هؤلاء الجنرلات باتت الحكومة التركية مرغمة على الاعتماد على البعض من قليلي الخبرة والا ان فراغا كبيرا قد يحدث في قيادات الجيش التركي. وأمام كل هذا، ثمة من يسأل، لماذا استقال هؤلاء كبار الجنرالات؟
في الواقع، يمكن القول ان الجواب الذي قدمه الجنرال نصرت غوالار في حديث لصحيفة سوزجو المعارضة يكشف عن الأسباب الحقيقية لهذه الاستقالات، إذ يقول : ((لقد فضلت الاستقالة على أكون قائد سلاح بحرية بلا شرف، إذ لايمكنني أن أقبل بقائي في منصبي بعد اعتقال كل من حولي ومن هم في إمرتي، بلا سبب واضح او تهمة مقنعة)) طبعا جاء ذلك بعد اعتقال الحكومة 160 ضابطا كانوا يعملون في القوى البحرية، وهو ما دفع غوالار إلى السخرية من اردوغان بالقول (كيف شارك سلاح البحرية في التخطيط لانقلاب يحدث عادة على اليابسة؟ أين المنطق والعقل في كل ما يحدث؟).
في الواقع، ما جرى في القوى البحرية جرى أيضا مع القوى الجوية أيضا، إذ أصيب أعضاء البرلمان بالصدمة خلال استجواب بطلب من حزب الشعب الجمهوري لوزير الدفاع عصمت يلماز بشأن الاستقالات الحاصلة في القوى الجوية، والصدمة كانت عندما كشف يلماز أنه خلال العام الحالي استقال 110 طيارين من سلاح الجو، علما ان تدريب الطيار الواحد يكلف 2 مليون دولار !!! يبقى القول، ان اللافت والخطر هو انه بموازاة تهميش أردوغان للقوى البحرية والجوية يجري تعزيز دور القوى البرية خاصة بعد ان عين في وقت سابق الجنرال نجدت أوزال رئيسا للأركان، وهو ما فسر لدى المراقبين بأن أردوغان حضر الجيش التركي للتدخل في شؤون دول الجوار الجغرافي سواء من خلال دعم المجموعات المسلحة أو حتى القيام بعمليات في الخارج كما أشار التعديل الدستوري للمادة 35 بشأن مهمة الجيش.
في الواقع من الواضح، ان ما يريده أردوغان من الجيش ليس تحديثه أو إعادة هيلكته وانما جعله أداة لسياسته وأجندة وليس المبادئ التي تربى عليها الجيش التركي، وأداة اردوغان في ذلك هو تغير القاعدة التاريخية في تركيا (الجيش يحمي الدستور والدستور يحمي الجيش) إلى (دستور لا يحمي الجيش) معادلة خطرة جربها الجيش التركي خلال نصف قرن، وفي كل مرة كان يعود إلى الواجهة من جديد، ولعل ما جرى في مصر يشجعه على فعلها من جديد حتى لو اختلفت الظروف. انه هاجس الانقلاب الذي يلخص العلاقة بين أردوغان والجيش الذي بدأ يحس بالإهانة بعد ان كان الحاكم المطلق من وراء الستار وفي الغرف السرية وحامل راية أتاتورك ضد العثمنة.