ما الذي دفع برئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب إلى طرح مبادرة الحوار مع النظام لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية بعد الإصرار على اسقاطه ورفض الحوار معه؟
في الواقع، يمكن القول ان هناك ثلاثة أسباب رئيسية لدوافع هذه الدعوة، وهي :
أولا : خيبة المعارضة السورية من الموقف الدولي وتحديدا الأمريكي، إذ تعززت القناعة لديها وبعد نحو سنتين من نشوب الأزمة ان واشنطن ليست بصدد التدخل العسكري لإسقاط النظام السوري، ودون مثل هذا التدخل لا يمكن ان يسقط النظام خاصة في ظل الدعم الروسي والإيراني له، فضلا عن قدراته العسكرية والأمنية الضخمة.
ثانيا: تحول مسار الحراك السوري إلى ما يشبه الغرق في المستنقعات الدموية، لأسباب له بالعسكرة ودخول جماعات جهادية وسلفية فضلا عن القاعدة على خط الحراك، وقد ادى مجمل ذلك إلى تفجر البينة الطائفية وتوجه الأمور نحو حالة من الميليشات العسكرية والحرب الأهلية،وهو ما زاد من وتيرة القتل والتدمير في كل الاتجاهات على شكل صرخة استغاثة يومية لا تلقى استجابة من أحد، باستثناء الوعود والكلام المعسول
ثالثا : فشل المعارضة السورية في الخارج في التحول إلى حامل مشروع سياسي له مفاعيل على الأرض، فهذه المعارضة من المجلس الوطني وصولا إلى الائتلاف في الدوحة، فشلت في نيل الاعتراف الخارجي الا في حدود غير مؤثرة، وظلت خطواتها مرتبطة بالدعم المادي (قضية تشكيل الحكومة)، وفي الداخل ظلت الأحداث على الأرض تسبقها فيما هي تبدو عاجزة أمام هول الأحداث، وعلى المستوى التنظيم والقرار بدت هذه المعارضة وكأنها أسيرة للدول الداعمة لها من جهة وتعيش حالة من الاستقطاب والإنقسام تبعا للعلاقة مع هذه الدول من جهة ثانية، وسط شكوك في صفوفها ولاسيما لجهة الحساسية من سيطرة الأخوان المسلمين على الائتلاف ومن قبل المجلس الوطني، وقد ادى كل ذلك إلى فشل الجهود التي بذلت لتوحيد المعارضة (فشل الاتفاق بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق في القاهرة كما كان مقررا)
دون شك، هذه العوامل وغيرها هي التي تقف وراء دعوة الخطيب للحوار والتي جاءت مشروطة بالإفراج عن المعتقلين وتجديد جوازات سفر السوريين في الخارج، وهي دعوة من حيت التوقيت شكلت صدمة للائتلاف الذي رفض الدعوة وحاول التنصل منها في البداية قبل ان يشترط الحوار بالتفاوض على رحيل النظام، ومفاجئة للنظام الذي لم يعط للدعوة أي اهتمام يذكر إلى حد وصف البعض التصرف وكأنها غير موجودة، وربما كانت مفاجئة للروس والأمريكيين مع فارق ان الجانبين جعلا من دعوة الخطيب مناسبة لتجديد المساعي من أجل التوصل إلى صيغة تنفيذية لاتفاق جنيف، فيما بدت روسيا وكأنها سجلت نقطة دبلوماسية لجهة فتح قناة الحوار مع الخطيب بعد ان رفض الأخير الحوار معها في وقت سابق وكذلك الأمر بالنسبة لإيران ،ولعل الاجتماعات التي عقدت بين هذه الأطراف إضافة إلى المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي على هامش مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ، شكلت ما يشبه جولة مفاوضات من أجل تأمين مقدمات الحوار بين المعارضة والنظام، خاصة ان مسألة القبول بالحوار مع الأخير قد تنسحب على أطراف في الداخل السوري وتحديدا التنسقيات المحلية كما توحي بذلك المؤشرات. دون شك، ما سبق ليس سوى مقدمات لاكتشاف قيمة الحوار وأهميته في الخروج من هذه الأزمة، وللأسف فانه اكتشاف متأخر جاء بعد مسيرة سنتين من القتل والتدمير الهائلين، والجميع يتحمل المسؤولية بهذا القدر أو ذاك. فالنظام بنهجه الأمني وإصراره على حوار على مقياسه، والمعارضة بإرتهانها الحراك لأجندات إقليمية ودولية، وصدام المصالح بين أمريكا وروسيا من جهة وبين إيران وتركيا ومعها بعض الدول العربية من جهة ثانية ... كل ذلك جعل من الحوار الغائب الأكبر والاستعادة بدلا منه بعقد مؤتمرات في أنقرة والقاهرة والدوحة وطهران وموسكو وبكين وباريس وواشنطن ...، في حين الأزمة السورية هي أزمة سياسية مركبة بإمتياز وهي بحاجة إلى حامل سياسي سوري ndash; سوري، يطلق الحوار على أساس التغيير والحرية لكل السوريين بعيدا عن المشاريع الضيقة والارتهان لأجندات إقليمية ودولية. حوار لن يكتمل شروطه دون حاضنة أو اتفاق دولي في وقت بدأت فيه الأنظار تتجه إلى اللقاء المرتقب بين فلاديمير بوتين وباراك أوباما، لقاء يرى المراقبون انه سيطلق صفارة الحوار السوري ndash; السوري، وعلى الأفرقاء ان يستعدو له من الآن.