اختار المالكي بدلا من دعم ثورة الشعب السوري لدواع انسانية وقيم حضارية تنسجم مع الطبيعة المفترضة للنظام السياسي العراقي المرتكز على الديمقراطية وحقوق الانسان، اختار دعم رأس النظام السوري سياسيا وعسكريا وماليا فضلا عن تسهيل مرور السلاح والمقاتلين الايرانيين عبر الاراضي العراقية كما صرح بذلك وزير الخارجية زيباري في اكثر من مناسبة، لاعتبارات طائفية وتبعية سياسية عمياء لايران مما ساهم بشكل مباشر في اعادة الحياة لنظام دمشق ولو الى حين واستمرار نزيف الدم السوري واطالة معاناتهم الرهيبة، مستندا الى مبررات واهية كالمخاوف من سيطرة المتطرفين السنة على حكم سوريا وانعكاسات ذلك على استقرار الاوضاع في العراق. متناسيا عن قصد ان الثورة السورية في بداياتها كانت ثورة شعبية هي امتداد لثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبييا وظلت سلمية لاكثر من ستة اشهر، شاركت فيها مختلف شرائح المجتمع الساخطة من ظلم النظام ووحشيته، من الجوع والتهميش والحرمان، الاناشيد التي تغنى بها الشباب والهتافات السياسية التي رددها المتظاهرون والشعارات التي حملتها النساء كانت كلها ذات صبغة سياسية لا طائفية او دينية فيها، الا ان نظام بشارالقاتل وحلفاءه في طهران وبغداد وحزب الله اضفوا عليها البعد الطائفي وسهلوا دخول المسلحين المتطرفين لخلط الامور داخليا وخارجيا ونجحوا في التشويش على الثورة عالميا من خلال مجموعة من الرسائل المصورة وابرزها ذلك الشريط المنسوب لشخص يدعي انه قيادي في الثورة يقوم بشق صدر جندي سوري مقتول وينتزع قلبه! ولا اعرف ما قيمة هذا الفعل الشنيع للثورة ان لم يكن في اطار الدعاية السلبية ضد الثورة الشعبية؟

وقد انساق المتطرفون السنة خلف استراتيجية نظام الاسد عندما صوروا الاحداث على انها معركة ضد النظام النصيري كما عبر النائب السلفي السابق في البرلمان الكويتي وليد الطبطبائي.
وللانصاف القول: ان الثورة انطلقت فعليا بعد المذبحة التي اقترفها نظام بشار بحق مجموعة من اطفال درعا بسبب كتابتهم لشعارات مناهضة للنظام!

لقد كرر المالكي خطأ بعض دول الخليج عام 1991 عندما اقنعت قوات التحالف الدولية بوقف دعم ثورة الشعب العراقي في الجنوب والوسط والشمال ضد نظام الدكتاتور صدام حسين، متذرعين بذات الحجج: وجود قوات اجنبية متمثلة بالايرانيين الى جانب مقاتلين متطرفين شيعة والخوف من سيطرة الشيعة على حكم العراق وعدم توفر البديل المناسب للنظام الدكتاتوري، مما سمح لنظام صدام بقمع الثورة بوحشية.
كان نظام صدام وقتها ميتاً سريريًا وما فعله الخليجيون وقتها مجرد ايقاف العاصفة والاحتفاظ بلاعب معوق وهو ما يتنافى مع ابسط قواعد لعبة كرة القدم مثلا والتي من اهمها: ان لاعبا ذا مهارات بسيطة خير من مصاب بمهارات عالية، والسياسة لعبة بالغة الصعوبات والتعقيدات وبحاجة الى لاعبين غاية في المهارة.

كان بامكان الخليجيين استثمار وتوظيف ثقلهم داخل التحالف الدولي وفرض رؤاهم في ترتيب الاوضاع السياسية في العراق والوقوف الى جانب العراقيين ووضع حد لمحنتهم. وكل ذلك كان سيعود عليهم وعلى المنطقة بالاستقرار والسلام.

ان انعدام التخطيط الستراتيجي لمواجهة الازمات وغياب الرؤى لدى بعض دول الخليج ادت الى تحويل العاصفة الى اعصار مدمر التهم العراق والمنطقة برمتها كما هو حاصل اليوم.
ومن الواضح ان الاخطاء والاحداث تتكرر لكن بلاعبين جدد وتبادل الادوار.

ان النتائج المترتبة على موقف المالكي السلبي والمخزي من محنة الشعب السوري، يمكن حصرها بالاتي:
داخليا: حرم العراق من استرداد قراره السيادي والتخلص من تهمة التبعية العمياء لايران، وهذا كان سيساهم في احراج القوى السياسية المناهضة للحكومة و الجماعات السنية المسلحة واسقاط حججها التي تعتمدها لمناهضة حكومة بغداد فضلا عن كسب الشارع السني وضمان دعمه للعملية السياسية مما يضفي الاستقرار السياسي والامني ويساهم في احتواء التطرف والصراع المذهبي.

سوريا: كان بامكان العراق ان يكون لاعبا اساسيا في اي ترتيبات سياسية تحصل في سوريا وبما يضمن مصالح الدولة العراقية، ويساعد في خلق حكومة وطنية متوازنة تكون له عمقا وامتدادا لنشر الديمقراطية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

عربيا: فوت على العراق فرصة قيادة ثورات الربيع العربي وتحقيق الريادة في دعم ونشر الديمقراطية في المنطقة العربية وفرض رؤاه، والمساهمة في خلق نظام عربي جديد بقيم جديدة تساير العصر وتلبي طموح الشعوب العربية المسحوقة.

وبالضرورة ادى ذلك الى تقويض وافشال ثورات الربيع العربي التي كان متوقعا لها ان تسقط وتربك العديد من الانظمة العربية التقليدية التي سارعت لاعتماد خطوات اصلاحية.
وسارعت بعض الدول الى اتخاذ خطوات ارتدادية لاحتواء اثار الربيع العربي الذي اصابه الفتور بسبب موقف حكام المنطقة الخضراء العراقية من ثورة الشعب السوري، ومن ابرز صور الارتداد دعم الانقلاب العسكري في مصر الذي اطاح بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي!

دوليا: 1- ان من اهم اسباب عدم تدخل القوى الكبرى في الازمة السورية هو الاحباط من التجربة العراقية وفشلها بسبب تلاعب المالكي وائتلافه الشيعي بالشعارات الديمقراطية لخلق حكم ديني طائفي مرتبط بنظام طهران المكروه والمعزول دوليا واصطفافه الى جانب نظام مستبد يبيد شعبه بمختلف الاسلحة، وهذا يدل على اهتزاز ثقة المجتمع الدولي بنظام بغداد مما يحرمه من الانفتاح على دول العالم المتقدمة وتعزيز علاقاته الدولية، والحال قد يمتد الى صيغ عقابية بناء على مواقفه المسيئة لحقوق الانسان وقد بدأت بعض الاصوات النيابية داخل الولايات المتحدة تطالب بايقاف المساعدات المقدمة للعراق.

2- عودة ظاهرة الاستقطاب الدولي التي حكمت العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية عام 1990 بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا)، نتيجة استعادة موسكو لتأثيرها العالمي بسبب موقفها الاستراتيجي من الازمة السورية القائم على موقفي بغداد وطهران، اي ان منطقة الشرق الاوسط امام مرحلة جديدة من عدم الاستقرار والصراعات بالوكالة بين دول المنطقة وسيكون العراق بلاشك طرفا اساسيا فيها، بمعنى ان صفحة جديدة من استنزاف الثروات الطبيعية والبشرية ستفتح من جديد!

باقتضاب، ان تأجيل سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين فاقم الاوضاع العراقية الداخلية وعمق عوامل عدم الاستقرار الاقليمية وزاد من حدة التدخلات الدولية بشؤون العراق ودول المنطقة. فضلا عن ارتفاع حدة مشاعر الكراهية لدى العراقيين تجاه الدول العربية كونها دعمت رئيس النظام السابق وحالت دون سقوطه في حرب عام 1991 مما ادى الى مضاعفة عدد ضحايا النظام من الابرياء من ابناء الشعب العراقي وإطالة أمد معاناته. ولم يكن امام المعارضة العراقية وقتها لاسيما الشيعية غير اللجوء الى ايران، فكان من الطبيعي ان تفرض اجندتها بالكامل على الاوضاع العراقية بعد سقوط النظام السابق عام 2003.

ومن الحقائق التي لايمكن غض الطرف عنها ان العراق اصبح يمثل رأس الحربة في تهديد امن الخليج وتعريض استقراره للخطر، باعتباره جزءا من السياسة الخارجية الايرانية ومنظومتها الامنية والعسكرية.
وفقا لهذه المقاربة فان حكومة المالكي ترتكب ذات الخطأ في سوريا، والشعوب لاتنسى من وقف الى جانبها كما لاتنسى من ساهم في قتل ابناءها ودمر بلدانها، وسيكون العراق المتضرر الاكبر نتيجة هذه المواقف الخاطئة وغير المحسوبة!

واذا كان من واجب بعض دول الخليج تقديم الشكر للمالكي على منحهم فرصة تصحيح الاخطاء واستعادة التوازن في علاقاتهم مع ايران من خلال سوريا من دون الاسد عاجلا ام اجلا، فأن من حق ايران توبيخه لعدم تقديم النصح كما يقتضي الحال بين التابع والمتبوع.