مع بداية العام الجديد نكون قد إقتربنا من إستكمال سبع سنوات عجاف مرة على سيطرت حركة حماس على قطاع غزة . طيلة هذه السنوات إنشغل الفلسطينيون في الإنقسام و تداعياته . إتفاق القاهرة شكل ذروة هذا التحرك و الذي وصف في حينه من البعض بأنه تقاسم سياسي إداري وظيفي بين حركتي فتح و حماس , ورغم بؤس هذا الإتفاق إلا أن الفلسطينيون رحبوا به و إعتبروه في حال تطبيقه , بأنه سيشكل مدخلا لإنهاء الإنقسام السياسي الحاصل .
و السؤال هنا لماذا فشل الفلسطينيون في إنهاء الإنقسام , هل بسبب الإختلاف بين برنامجين سياسيين , أم بسبب الإختلاف الأيدولوجي الذي يضغط على حركة حماس , أم بسبب المصالح الفئوية و الحزبية , أم بسبب توجهات حركة الأخوان المسلمين لحماس بأن تحافظ على حكمها في قطاع غزة ليشكل نموذجا لحكم الإخوان المسلمين ولشعار الإسلام هو الحل .


في المحصلة النهائية و قبل الإجابة على هذه الأسئلة , فشلت حركة حماس بأن تقدم نموذجا لحكم رشيد كانت تطمح بالوصول إليه , وهذا الفشل ليس بفعل المؤامرات الخارجية و الداخلية كما تدعي بل بسبب القراءة الخاطئة لطبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني , quot; مرحلة تحرر و طني quot; و التي تتطلب من الجميع تشكيل الجماعة السياسية الموحدة للفلسطينيين , أي التمثيل السياسي الموحد للشعب , وهذا يقتضي التوافق على برنامج سياسي إجتماعي ndash; إقتصادي يلتف حوله الفلسطينيون , و يجيب على تساؤلات المرحلة بكل تفاصيلها و محدداتها .


عدم فهم حماس لطبيعة هذة المرحلة , أدى إلى إنحرافات خطيرة و لأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث , بدأ التشكيك في التمثيل السياسي الموحد للفلسطينيين , أي في تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لشعبها , و بالتالي في حق تقرير المصير , و الأمثلة عديدة و مازالت تداعياتها حتى هذه اللحظة , رسالة مكتب مجلس الأمن الدولي عندما رفض طرح مسالة عضوية فلسطين في الأمم المتحدة , بحجة أن quot;م ت ف quot; و السلطة الفلسطينية لا يسيطران على كامل الأرضي الفلسطينية , في إشارة إلى سيطرة حماس على قطاع غزة وطردها للسلطة الفلسطينية و لمنظمة التحرير الممنوعتان من العمل , وفي أكثر من مناسبة كانت إسرائيل تشكك بسيطرة الرئيس أبو مازن و السلطة الفلسطينية على القطاع , و بأنه ليس شريكا و لا يمثل كل الفلسطينيين , ولم يصل الأمر عند هذا الحد بل أكثر من ذلك عندما تحدث الرئيس الأمريكي أوباما عن دولة الضفه , و الحل في الضفة , يعرف الكثير من الفلسطينيين بأن العدو الإسرائيلي هو من عمل ووفر الأرضية لإنفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية , وفق سيناريوهات محددة أعدتها مراكز الأبحاث الإسرائيلية quot; سيناريوهات الإنسحاب من قطاع غزة , الحل الإقليمي غيورا آنلاد .... ألخ quot; , أرادت إسرائيل من ذلك فصل قطاع غزة عن حل الدولتين , و ضرب التمثيل السياسي لمنظة التحرير لشعبها , أي بلغتنا فصل قطاع غزة و عزلة عن المشروع الوطني و عن النضال الوطني الفلسطيني و بالتالي تحويله إلى منطقه معزوله وفق ترتيبات أمنيه بضمانات عربية , كما حدث بإتفاق التهدئة الإخير بين حركة حماس و إسرائيل برعاية حكم الإخوان المسلمين في مصر السابق , و بمشاركة الأمم المتحدة ووزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون , وقع الإتفاق من الطرف الفلسطيني حركة حماس بمشاركة حركة الجهاد الإسلامي , وهنا لابد من الإشارة إلى أن حركة حماس و نظام الأخوان المسلمين في مصر رفضتا بشدة quot; رغم موقف حركة الجهاد الإسلامي المعارض , مشاركة الرئيس أبو مازن في هذه الصفقة و التوقيع عليها , أي أن إسرائيل و الإدارة الأمريكية أصبحتا تتعاملان مع نظام و دولة غزة بمعزل عن السلطة , حيث حركة حماس لديها في قطاع غزة مجلس تشريعي يعقد إجتماعاته و يصدر قوانيين و مجلس وزراء لديه أجهزة أمنية متنوعة و أجهزة تنفيذية تجبي الضرائب وتشرف على عمل الأنفاق , و بالطبع هناك رئيس لسلطة غزة أو دولة غزة الأخ إسماعيل هنية , و هناك أيضا مجلس شورى حركي أيضا له دور مهم في رسم السياسات العامه لهذا النظام , و يدير هذا الكيان حوالي أكثر من ستة و أربعون ألف موظف , قامت حماس بتوظيفهم وفق آلية حزبية خاصة , ويخضع هذا الكيان لأجندة إجتماعية شديدة الصرامه تفرض على المواطنيين و الأمثلة عديدة و متنوعة .


راهنت حركة حماس كثيرا على نجاح المشروع الإسلامي في المنطقة ووضعت كل خياراتها إزاء نجاحه , وكان لوصول حركة الأخوان المسلمين للحكم في مصر و تونس تأثيرا عميقا على الحركة , حيث إعتبرت نفسها جزءا من هذه النجاحات , و أن الطريق بات معبدا لنجاح فكرة الخلافة الإسلامية , quot; تصريحات محمد بديع و الغنوشي quot; و بهذا ستحل كافة المشاكل التي كانت تعترض تجربتها في القطاع التي إعتبره بعض من قياداتها أنه منطلق لمشروع إسلامي , وبدأ الحديث أن العالم العربي أصبح إسلامي و بالتالي آن الأوان لأسلمة القضية الفلسطينية , وتبوء حماس لقيادة الشعب الفلسطيني بدلا من القيادة الحالية .
شكل ثلاثين يونيو في مصر سقوطا مدويا لحركة الأخوان المسلمين من سدة الحكم , بخروج الملايين إلى الشوارع و الميادين العامة , كان ضربة كبيرة لمشروع الإخوان بعد فشلهم في الإحتفاظ بالسلطة وإخفاقهم في تحقيق نجاحات واضحة في إدارة الدولة . ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل اصبح الشارع المصري بمعظمه في مواجة مع الأخوان المسلمبن إلى أن وصلت الأمور إلى إصدار قرار بإعتبارهم تنظيما إرهابيا , إن لجوء حركة الأخوان المسلمين و الجماعات التكفيرية المتحالفة معها إلى الإرهاب , عجل في ذلك و جعل من حركة الأخوان المسلمين حركة محظورة .


حركة حماس جزء أصيل من حركة الأخوان المسلمين كما صرح بذلك الكثير من قادتها و شاهدنا كيف أن قناتي الأقصى و القدس كانتا تبثان مباشرة من إعتصامي رابعه العدوية و النهضة , و مازالا حتى هذه اللحظة ينقلان إحتجاجات الإخوان في مصر , هذا بالإطار العام يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي المصري , لأن القناتين تتبعان حماس أي حزبيتين تعكسان الموقف السياسي للحركة , وهنا لا وجود للحيادية , و هناك أحاديث إعلامية و رسمية مصرية تتحدث عن تورط حماس في أحداث مصر , بغض النظر عن صحة و حجم ذلك التدخل , يبقى ان حركة حماس هي جزء من الحركة الأم و أن هناك ترابط تاريخي بين قيادات إخوان مصر و إخوان فلسطين و خاصة في قطاع غزة , أي أن هناك تأثيرا معنويا كبيرا و سلطة أخلاقية لأخوان مصر على إخوان قطاع غزة , إن مطالبات البعض من الشخصيات الفلسطينية لحركة حماس بالتخلي أو التبرأ من الحركة الأم كلام غير موضوعي و غير واقعي و هذا بإعتقادي يحتاج إلى سنوات طويله من النقاش داخل حماس , ولكن مطالبة حركة حماس بان تعيد حساباتها و تقوم بمراجعة سياسية لمجمل مواقفها السابقة من الوطنية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير و السلطة الفلسطينية و بالتالي من البرنامج الوطني الفلسطيني , يشكل ممرا إجباريا لخروجها من الورطة التي وضعت نفسها فيها ووضعت الشعب الفلسطيني كله معها , ويشكل أيضا مدخلا لتأسيس شراكة حقيقية مع مكونات الشعب الفلسطيني , فمعالجة العلاقة مع مصر الشقيقة يمر عبر ذلك ولكن يجب أن يسبق ذلك إقرار من حركة حماس بأن لا تتدخل في الشأن الداخلي المصري و تعترف بخارطة الطريق و خيارات الشعب المصري بشكل و اضح أي التسليم بما حدث , وهذا يقربها و يجعلها جزءا من الوطنية الفلسطينية و مؤسساتها و برنامجها , عبر تجديد كل الشرعيات الفلسطينية و إعادة الإعتبار لدور الشعب و للرأي العام الفلسطيني , أي إستكمال كل محددات و مفاهيم الشراكة السياسية بين كل مكونات الشعب الفلسطيني .


بقاء الوضع على حاله في ظل تخوفات فلسطينية من الجميع بأن تتطور حالة العداء بين مصر و حركة حماس ووصولها إلى مرحلة خطيرة كإعلان مصر بان ما ينطبق على حركة الإخوان المسلمين في مصر ينطبق على حركة حماس أي أنها أصبحت حركة إرهابية , هنا سنكون أمام ورطة سياسية نحن في غنى عنها , عداء مصر لحماس خسارة للجميع ,لأن دور مصر إزاء القضية الفلسطينية لاغنى عنه و ضروري , و أن عداء حماس لمصر يحرف نضال الفلسطينيين ضد إسرائيل و يضعف دور مصر القومي الداعم للقضية الفلسطينية , يجب ان يبقى الصراع دائما موجها ضد الإحتلال , و هذا ما يوحد الفلسطينيين .
حركة حماس هي جزء رئيسي من المكونات السياسية و الإجتماعية للشعب الفلسطيني و هي في حالة إشتباك سياسي مع الإحتلال , إلى جانب أن لها ثقل شعبي و تأتي في المرتبة الثانية بعد حركة فتح لذلك لاخيارات أمام الفلسطينيين إلا بإستعادة الحياة الديمقراطية , و الدعاوات لإقصاء حركة حماس أو القضاء عليها بالقوة يعتبر ضرب من الخيال و الجنون و يضعنا أمام سيناريوهات خطيرة لا تخدم إلا الإحتلال و تقدم نموذجا سيئا و رديئا لنضال الشعب الفلسطيني فلا يمكن إستعادة قطاع غزة إلا بالحوار و تطبيق ماتم التوافق عليه في القاهرة و غيرها , و أيضا لا يجب رهن القضية الفلسطينية و مستقبلها و إلحاق الاذى فيها بسبب أن حركة حماس تخشى إجراء الإنتخابات و ترى فيها إقصائا لها من الحكم , و بالمقابل لايمكن لشعبنا أن يقبل أي يعيش و إلى الأبد بدون إشراكه في تحديد ممثليه ومستقبل نظامه و تجديد شرعياته .
حركة حماس مطالبة الآن بالقيام بعمليات مراجعة سياسية لمجمل مواقفها السابقة , فلا يكفي عقد لقاءات مع بعض الشخصيات غير المؤثرة في قطاع غزة بدعوى الإنفتاح على المجتمع , خاصة و أن جزءا مما شاركوا في هذه اللقاءات إما من المتطلعين لدور لدى حماس في الحكم , أو من الذين لديهم مؤسسات أهلية يريدون من وراء هذه المشاركة حمايتها من تدخلات حماس . إن توسيع المشاركة في حكم حماس لقطاع غزة كما طالب إسماعيل هنية في إحدى خطبه , هو ضرب للوطنية الفلسطينية و لمشروعها و لنضالها , و يخدم السيناريوهات الإسرائلية لقطاع غزة .


و في المقابل إن المعلومات لتي تصل و التسريبات الإسرائيلية عن سير المفاوضات العقيمة , و محاولة فرض إتفاق إطار جديد مرحلي أمني , و التصريحات الامريكية و الاسرائيلية عن الحل في الضفة الغربية بدون قطاع غزة , يشكل كارثة للفلسطينيين و يفتح المجال لما يعرف بالحل الإقليمي , وبالتالي ضياع القضية في ظل صمت و إنشغالات العرب بحروبهم الطائفية و المذهبية , فلا حل للقضية الفلسطينية بدون قطاع غزة ولا دولة فلسطينية بدون غزة , ولمواجهة فرض رؤية الإدارة الأمريكية ndash; الإسرائيلة إتفاق الإطار الأمني , لا بد من إستعادة الوحدة و الحياة الديمقراطية للفلسطينيين في المنظمة و في السلطة .