أغرب ما سمعته عن التدخل الايراني هي الاتهامات التي كانت توجهها الادارة الأميركية لطهران خلال الفترة من عام 2003 الى 2012 بوقف تدخلها في العراق، ففي الوقت الذي احتلت فيه الجيوش الأميركية العراق واسقطت نظامه وكانت الحاكم والآمر الناهي في هذا البلد تطلب من ايران عدم التدخل فيه.

قبل أن نسبر أغوار موضوع التدخل الايراني علينا أن نحدد ما هو المقصود من التدخل، فليس بالضرورة أن يكون مراد الحكومات التي تطلب من طهران عدم التدخل في شؤونها مشترك وواحد، فلربما تقصد حكومة من الحكومات من التدخل ان ايران ارسلت جواسيس اليها، وربما تقصد أخرى ان ايران ارسلت مقاتلين، أو أخرى تتهمها بتدريب رعاياها عسكريا، أو حكومة تتهمها بدعم بعض القوى السياسية، أو تقول حكومة ان ايران تحرض الشعب عليها، أو حكومة تقول ان ايران تنشر التشيع في بلادها، وأخرى ترفض مجرد تعليق أي مسؤول ايراني على الوضع القائم في بلادها.

ربما لا يصدق القارئ الكريم ان بعض الحكومات تعلم جيدا ان ايران لا تتدخل بتاتا في اوضاعها وانما تتهم طهران بالتدخل، لكي تتدخل ايران بالفعل وتساعدها في حل مشكلتها والأزمة التي تعاني منها.

في تقديري ان أسوأ أنواع الاتهام بالتدخل، هو التهمة التي توجهها بعض الحكومات لايران بدعم القوى والآحزاب المعارضة لها، وخطورة هذا الاتهام تاتي من أن بعض الحكومات تريد تصفية المعارضة لديها واسكات صوتها خاصة اذا كانت المعارضة قوية وتتمتع بشعبية واسعة، لذلك فتتهمها بأنها عميلة لدولة أجنبية وبذلك وحسب اعتقادها فانها تكسب شرعية تصفيتها.

كل هذا لا يعني أن ايران لا تدعم ولا تساعد أحدا، بل خلافا للسياسة التي انتهجتها طيلة ثلاثة عقود والتي لم تعلن خلالها صراحة بأنها تدعم احدا فمنذ نحو عامين والمسؤولون الايرانيون يصرحون بدعمهم لحزب الله وبعض القوى الفلسطينية كحماس والجهاد بل ويفخرون في دعمهم لها، وليس هذا وحسب وانما أقر المسؤولون في حزب الله وحماس والجهاد بأنهم يتلقون الدعم من ايران.

أما فيما يتعلق بالعراق، فان الأمر مختلف تماما وذلك لأن العراق وايران خاضا حربا ضروس استمرت 8 سنوات وفي الوقت الذي كانت فيه طهران تسعى الى استمالة الاحزاب والقوى العراقية الى جانبها من أجل التأثير على الشارع العراقي فان العراق بدوره احتضن بعض الاحزاب الايرانية المعارضة وفي مقدمتها منظمة مجاهدي خلق التي كانت تنطلق من العراق لتنفيذ عمليات عسكرية في ايران وكانت أشهر معاركها هي معركة منطقة اسلام آباد التي انطلقت فيها دباباتها ومدافعها والمئات من مقاتليها من الاراضي العراقية ودخلت الى العمق الايراني عام 1989 الا أن القوات الايرانية تصدت لها في مدينة اسلام آباد ووقعت معركة طاحنة هناك.

في نفس الوقت فان ايران اسست منظمة بدر والتي كانت تسمى آنذاك بفيلق بدر وزودته حتى بالأسلحة الثقيلة، غير أن تواجد الفيلق العسكري اقتصر على حدود البلدين وفي الأهوار الجنوبية للعراق والتي لم يكن النظام يسيطر عليها، بالاضافة الى ان الفيلق نفذ احيانا العمليات العسكرية داخل العراق.

وضع العراق والنفوذ الايراني فيه يختلف، من ناحية ان الاحزاب العراقية التي كانت تعارض نظام صدام، كانت تتخذ من طهران أو دمشق مقرا لها، والحقيقة انها كانت مضطرة الى ذلك لأن أغلب بلدان العالم لم تكن لتسمح للمعارضة العراقية بأن تنشط على أراضيها، بل كانت بعض العواصم غير آمنة للمعارضين حتى وأن لم ينشطوا فيها، وهناك حكومات سلمت معارضين عراقيين الى نظام صدام فضلا عن تسهيل بعض الحكومات لعمليات اغتيال معارضين، وفي أحسن الأحوال كانت بعض الحكومات تطرد المعارضين من أراضيها، بينما كانت ايران وسوريا الملاذ الآمن للمعارضة العراقية وفي نفس الوقت الرحب جدا لأي نشاط تقوم به.

بعد سقوط صدام أمسك هؤلاء المعارضون الذين كان أغلبهم يقيمون في ايران أو سوريا بزمام الامور في العراق، لذلك من الطبيعي أن تكون علاقتهم متميزة مع ايران دون سائر البلدان، وهل من المعقول ان يتخلوا عن ايران التي آوتهم ووفرت لهم كل فرص العمل السياسي والعسكري ويلجأوا الى الدول التي نكلت بهم أو منعتهم من الاقامة فيها أو طاردتهم وطردتهم ودعمت نظام صدام بكل ما تملك من قوة؟

وما عدا دعم ايران للاحزاب العراقية والمجاهدين الأفغان والمقاومة الفلسطينية وحزب الله فان التدخل الايراني في سائر البلدان بهذا المعنى قصة مزعومة لا أساس لها.

نعم، هناك حقيقة ينبغي الاشارة اليها وهي أن ايران ربما تتطرق احيانا الى قضية أو أزمة في منطقة ما، غير ان هذا التطرق لا يخرج عن اطار التناول الاعلامي لها وحسب، وأعتقد انه ليس من العدل أن تقوم حكومة ما بقمع المعارضة لديها والتنكيل بها ورغم ذلك ترفض أن يتحدث أحد عن ذلك، وقصة مثل هذه المعارضة مع حكومتها لا تختلف عن قصة المعارضة العراقية في عهد صدام حسين فعندما تجد ان العالم برمته ضدها وربما موقفه أشد من موقف حكومتها، فمن الطبيعي أن تتعاطف مع الجهة التي تتحدث عن اضطهادها.

ومن هنا بدأت العلاقة تتوطد بين ايران والحوثيين، فالحركة الحوثية بدأت نشاطها في نهاية الثمانينات، وكان النشاط يقتصر على الجانب الثقافي والديني وحسب ولكن منذ عام 2003 بدأ الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بالتضييق على الحركة وقمعها، وتزايد التنكيل والقمع تدريجيا حتى شن النظام 6 حروب ضد الحوثيين في محافظة صعدة وقتل زعيمهم حسين بدر الدين، ولم يتعاطف أحد مع قضية الحوثيين سوى ايران، بينما أغلب دول المنطقة دعمت النظام الحاكم، وان لم تكن قد دعمته ماديا فكانت وسائل اعلامها الى جانبه.

من يتابع المواقف الايرانية تجاه الأزمات السياسية في المنطقة سيجد ان ايران طالما دعت الى الحوار وحل المشاكل القائمة بين الحكومات والأحزاب المعارضة عبر الحوار والحلول السلمية، ونبذ الحلول الأمنية فان ذلك من شأنه تفاقم الأزمة، غير ان الحكومات لا تنصت بل الأسوأ من ذلك تريد من طهران ان تشاركها في قمع المعارضة سواء بالتزامها الصمت أو بالتدخل ولكن لصالح النظام الحاكم، الأمر الذي لن يحدث بتاتا.

&