لا يزال تاريخ الرابع عشر من شهر شباط فبراير عام 2005، حاضراً بقوة في أذهان اللبنانيين، لاسيما وأن ذاك اليوم الحزين، شهد اغتيال قامة كبيرة من رجالات لبنان.

لن أتوقف في هذا المقال عند جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بحد ذاتها، بل بما حدث بعيد عملية الاغتيال من تنكيل واعتداءات بحق المئات وربما الآلاف من أبناء الجالية السورية.

حينها، أخرج أبناء الطائفة السنّية أو جلّهم على الأقل، غضبهم وحقدهم الأعمى على العمال السوريين البسطاء، محمّلين هؤلاء الكادحين مرة مسؤولية اغتيال رفيق الحريري، ومرات ومرات ظلم وقهر ثلاثة عقود أبدع خلالها نظاما حافظ وبشار الأسد في إذلال واضطهاد اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الطائفية والمذهبية.

كثيرة هي الحواث والاعتداءات المقزّزة التي تعرض لها السوريون على الأرض اللبنانية خلال العام 2005، حيث لعب السنّة دور المعتدي، فيما راق لأبناء الطائفة الشيعية أن يلعبوا آنذاك دور الحامي والحاضن المدافع عن حقوق الإنسان.

اليوم، وبعد أقل من عشرة أعوام على تلك الحقبة السوداء، يدور الزمان دورة كاملة، يتبادل الممثّلون اللبنانيون البارعون الأدوار، يتغيّر السيناريو والأبطال ولكن الضحية لم تتغيّر.

اليوم، يخرج أبناء الطائفة السنّية لتوجيه سهام الانتقادات اللاذعة إلى أنصار "حزب الله" وحركة أمل (الشيعة) على ما يرتكبونه بحق اللاجئين السوريين، متكئين في انتقاداتهم هذه على بضع عبارات وردت في مسودة شرعة حقوق الإنسان، ولكن أحداً لم ولن يعرف أين كانت هذه الحقوق عندما كان منتقدو اليوم... معتدي الأمس!

بالأمس، كان طلاب الحرية والسيادة والاستقلال (فريق الرابع عشر من آذار) يمارسون حريتهم وسيادتهم واستقلالهم على "بسطة خُضْرا" (سورية) هنا، وبائع كعك (سوري أيضا) هناك، بينما كان أدعياء المقاومة يدافعون عن صاحب "البسطة" وبائع الكعك الباحثين عن لقمة عيشهم بعيدا عن الوطن، مردّدين دوماً "لا شأن لهؤلاء البسطاء بالسياسة والسياسيين".

اليوم، يمارس أدعياء المقاومة أنفسهم، مقاومتهم وممانعتهم في أجساد وكرامات اللاجئين السوريين وخيمهم التي لا تكاد تستر عوراتهم حتى، في حين يهب معتدو الأمس لنصرة المظلومين والتضامن معهم من خلال زيارات استعراضية ومؤتمرات صحفية فارغة.

بالأمس، كان سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع يهمسون "خجلاً" في آذان أنصارهم "ألا تتعرضوا للعمال السوريين"، وهم يعرفون أنهم (أي أنصارهم) يتفنّنون في أفعال التعرض، بينما كان حسن نصرالله ونبيه بري يجاهران بالتدليل على عنصرية الطرف الآخر من خلال التوقف عند الارتكابات اللا إنسانية بحق الأشقاء.

أشقاء الأمس، باتوا بين ليلة وضحاها، أعداء من وجهة نظر "أمل" و"حزب الله"، فحسن نصرالله ونبيه بري "استعارا" من خصومهما لعبة الهمس في آذان أنصارهما "ألا تعتدوا على اللاجئين السوريين"، وهما يعرفان أنهم لا يعتدون فحسب، بل يغالون في الاعتداء والإذلال والتنكيل، بينما وجدت أصوات الحريري وجنبلاط وجعجع هذه المرة طريقها إلى الملأ للتصويب على عنصرية الطرف الآخر.

في شهر شباط فبراير 2005، نسي أنصار الحريري أن السوريين يرزحون منذ أكثر من 40 عاماً تحت نير الظلم والقهر والاستبداد، تناسى هؤلاء أن السوريين لا حول لهم ولا قوة حتى في تغيير اسم شارع فرعي في قرية صغيرة في أقاصي دير الزور المنسية، فكيف يمكن للمغلوب على أمرهم أن يتحمّلوا وزر دم رفيق الحريري وغيره من الأبرياء؟!.

وفي الخامس عشر من آذار مارس عام 2011 (تاريخ اندلاع شرارة الثورة السورية)، نسي أنصار "حزب الله" ورفاقهم من "القومجية والعربجية" أن السوريين فتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم إبان العدوان الإسرائيلي الغاشم عام 2006، نسوا أن أبناء هذا الشعب الطيب، أشقاء لمجرد أنهم قالوا لبشار الأسد كفى!

يحمّل هؤلاء (أنصار "حزب الله" و"حركة أمل") اليوم اللاجئين الهاربين من المجازر المتنقلة والبراميل المتفجّرة والغازات السامة، مسؤولية خطف وذبح جنود لبنانيين، وهم الهاربون أصلاً من الذبح والخطف والقتل والسجن والاغتصاب إلى التشريد والبرد والموت جوعاً وقهراً.

ما بين ذكرى شباط 2005 وآذار 2011، اختلف اللبنانيون على كل شيء، اختلفوا على الهوية والدين، اختلفوا على السياسة والدعارة، اختلفوا على الصديق والعدو وحتى على السيدة فيروز اختلفوا، ولكنهم اتفقوا على إهدار كرامة السوريين الأبرياء والمظلومين والمقهورين، اتفقوا على تحطيم "بسطة الخُضْرا" وتمزيق خيمة اللجوء، فتباًّ للإنسانية التي تستفيق يوماً وتنام دهراً!&

&

&

صحفي لبناني

&