نعم، عليّ أن أعتذر لنفسي الآن، لأنني ظننت أن مصر تختلف عن باقي البلدان العربية وعن العراق تحديدا. قلت ذلك مرات ومرات حتى ضقت ذرعا بنفسي وها أنا اليوم أكتشف كم كنت "غشيما" وشبيها بذلك الصعيدي الذي باعوا له المترو. آسف لأنني اعتقدت، وإن بتردد، أن مصر بلد المؤسسات العريقة ومن الصعب مقارنتها بالبلدان العربية الأخرى. قلت ذلك وقاله سواي ثم جلدنا أنفسنا ونحن نقارن مصر بالعراق الذي طالما اعتقدنا أنه خلو من المؤسسات.
أجل، لقد حسبنا أن لدى مصر مؤسسات صحفية محترفة قبل أن نكتشف وهمنا بعد حين، أي بعد ابتداء "حفلة الزار" والتملق لدولة العسكر التي عادت بعد الخلاص من الإخوان. شاهدنا بأم أعيننا كيف أن "كبار" صحفييهم شرعوا بتلميع الأحذية والانقلاب من أقصى اليمين لأقصى اليسار. وقبل ذلك، كنا ظننا أن لديهم مؤسسة عسكرية راكزة لا تتدخل في السياسة. ثم صدمنا بعد حين بأنها مؤسسة سياسية ولا تريد التخلي عن الإمساك بمقاليد الأمور، وأنها حين وقفت على الحياد بعد ثورة يناير العام 2011 فإنما لاستيعاب الصدمة والتهيئة للعودة المظفرة. وهذه المرة، باستخدام آلية الثورة نفسها وباستغفال الجماهير الناقمة على مرسي وربعه.
غير أن كل هذا في كفّة وما جرى في المؤسسة القضائية في أخرى. لا نقصد ما جرى خلال العام الماضي من مهازل ومحاكمات للآلاف من الشبان بتهم جزافية اضحكت الثكلى. بل نعني تبرئة حسني مبارك، الفرعون الذي حكم أرض الكنانة ثلاثين عاما فحوّلها إلى دولة فاشلة اقتصاديا ومتهرئة اجتماعيا وتابعة سياسية. لقد برأوه وصحبه من كل التهم وهم الآن أحرار طلقاء وفق القانون.
هي كذلك، فضيحة من وزن الديك لمؤسسة قضائية عريقة ما انفكت تلتمع في أعيننا منذ تأسيس الدولة المصرية. مؤسسة فيها أساطين القانون ورموزه، ومن جامعاتها ومعاهدها تخرج الآلاف من المحيط إلى الخليج. فهل حقا خُدِعنا كل هذه الخديعة بمصر وحجمها ومؤسساتها التي كنا نحسدها عليها أم إننا نبالغ ونحمل الأمر أكثر مما يحتمل؟
أزعم أننا خُدعنا، فمبارك ورموز حكمه تسلطوا على رقاب المصريين لعقود، وخلالها ارتكبوا من الجرائم ما يستحقون عليه أقصى العقوبات. حتى لو فرضنا جدلا أنهم أبرياء من قتل المتظاهرين وأن المسؤول عن ذلك ضباط ورجال شرطة اجتهدوا في الميدان دون الرجوع لرؤسائهم، فإن نظرة عابرة لما آلت إليه مصر توضّح لنا حجم الأخطاء والخطايا. ياما سرقوا ونهبوا، ياما فسدوا في الأرض وأفسدوا، ياما ارتشوا وأساءوا استخدام السلطة، ياما وياما (زي ما بيئولو) فعلى أي أساس يبرأون من التهم ويخرجون "زي الشعرة من العجين" !
والله ثم والله، لو إن عشر معشار هذه الفضيحة جرى عندنا في العراق لانقلبت الدنيا ولم تقعد ولـ"شرّونه عل الحبل". ولكن ماذا تفعل وقد قالت أمهاتنا: حظ مشهور وحظ مستور! أمّا المشهور فحظّنا وأمّا المستور فحظك يا أم الدنيا، البلد الذي خرج فرعونه من السجن وهو يضحك ملء فمه قائلا لي ولسواي: تأسّفْ ما وسعك ذلك، المهم أنني خارج السجن، والذين ثاروا ضدي سيبقون داخله، وتعيش وتاكل غيرها يا غشيم!
&
- آخر تحديث :
التعليقات