الحرب الاهلية يمكن اشعالها ولكن في الكثير من الاحيان لا يمكن اطفاؤها واذا تم ذلك فانما يتم اطفاؤها بالقاء مئات الآلاف من جثث القتلى وركام الانقاض عليها حتى ينطفئ اللهب.

في سوريا الآن حرب اهلية مذهبية سنية ــ علوية مع امتداد اقليمي سني ــ شيعي ليشمل دولا معينة تبعا لمذاهبها وهي السعودية وايران وتركيا والخليج وطبعا سوريا والعراق.

الكثير كان يعتقد ان الحرب الاهلية اللبنانية في السبعينات لن تستمر اكثر من سنتين وفي اسوأ التوقعات خمس سنوات، الا انها استمرت خمسة عشر عاما ولم تنتهي الا بعد جلوس الجميع على طاولة واحدة رغما عن انوفهم بعد مجازر همجية يلعقون فيها جراحهم. ولا تزال آثار وعقابيل تلك الحرب ماثلة للعيان حتى اللحظة.

اذا لم يتحرك السوريون وفي اقرب فرصة ممكنة فيجب حينها ان نعلم ان هذه الحرب ستطول عشرة سنوات اخرى على اقل تقدير.

مع مجيئ مبعوث الامم المنحدة السيد دي مستورا الى سوريا واقتراحه لحل سلمي على اساس تجميد الصراع في مناطق مختلفة في سوريا ومن ثم تعميمها لذلك النموذج لاحقا بعث الامل في النفوس في البحث عن حلول تصالحية بدلا من الاصرار على تحقيق انتصار جانب على آخر.

في الحروب الاهلية لا يوجد منتصر.الكل خاسر. تجربة الاربع سنوات من الحرب السورية اثبت للجميع ان ليس هناك لا غالب ولا مغلوب ولن ينتصر النظام ولن يسقط وكذلك الامر بالنسبة للمعارضة وان الاستمرار في الصراع سيأتي بالمزيد من امثال داعش وغيرها.

الحل لن يأتي الا بايادي السوريين وعلى الارض السورية. كل الحلول الخارجية مصيرها هو الفشل الحتمي.

ماهو الحل اذن؟

الحل السلمي يمكن تحقيقه من خلال تشكيل سوريا مصغرة في الجزيرة وبالتحديد في المدينتين الرئيسيتين القامشلي و الحسكة كبداية وفي حال النجاح يمكن نقلها الى بقية ارجاء الوطن السوري.

القامشلي والحسكة ينتظرهما نفس مصير حمص وادلب وحلب وو....وصولا الى كوباني ــ عين العرب. مصير كوباني هو الاقرب الى الواقع بالنسبة للجزيرة وذلك لوجود داعش فيها.

لا اعتقد ان احدا من اهالي الجزيرة او القامشلي والحسكة بكرده وعربه وسريانه وو...وكل الاطياف الاخرى يريد هذا المصير لمدينته واسرته وبيته. هذا يعني ان اية مبادرة منطقية ومعقولة وحيادية للوصول الى حل سلمي سوف يجد اجماعا من جميع مكونات السكان هناك للتمسك به وانجاحه.

عندما نقول مصير حمص او كوباني او ديرالزور نعني به تحول المدن الى ركام وحطام عدا عن مئات الآلاف من القتلى واليتامى والثكالى والمهجرين. هل بقي حجر على حجر في تلك المدن؟ وآخرها كوباني.

القامشلي والحسكة مرشحتان لنفس مصير كوباني في حالتين فقط.

ــ اولا في حالة اذا شعر النظام ان المدينتان ستسقطان بيد المعارضة حينها ستنهال البراميل المتفجرة من السماء على الاخضر واليابس حتى آخر بيت وباحة وصولا الى نفس مصير حمص وحلب والدير.....الخ.

ــ الحالة الثانية وهو هجوم داعشي وبالتالي مقاومتها مع الضربات الجوية من التحالف والنظام حتى تفجير وهدم آخر بيت ومؤسسة في المدينتين. المدن ستكون تحت قصف مدافع داعش وقنابل الطائرات مثل كوباني ــ عين العرب.

من هنا تأتي اهمية استغلال هذا الظرف الحساس والخطير للوصول الى اتفاق بين السوريين انفسهم اي بين ابناء الجزيرة من العرب والكرد والسريان والمعارضات السورية والنظام في دمشق وحزب الاتحاد الديمقراطي مع بقية الاحزاب الكردية والعربية والسريانية وبالطبع بمشاركة كل المنظمات والاحزاب والمستقلين لعقد اتفاق بوقف اطلاق النار والوقوف في وجه داعش يدا واحدة وحماية الممتلكات الحكومية والخاصة.

الهدف ليس فقط القضاء على داعش وينتهي كل شيء، وانما يجب الاستفادة من هذا الجنون الداعشي واخذ العبرة للوصول الى حل سلمي يشمل كل السوريين دون استثناء.

&

من اين يبدأ الحل؟

الخطوة الاولى تبدأ بتبني السيد دي مستورا لهذه المبادرة السورية حصرا ليقوم بدور الوسيط اولا بين السوريين انفسهم بما فيه النظام وفي نفس الوقت بين السوريين والعالم الخارجي لمنع اي تدخلات خارجية سياسية او عسكرية وتقديم الدعم الدولي السياسي والمعنوي و خاصة المالي لانجاح المبادرة.

ما هي هذه المبادرة؟ المبادرة تتلخص بانشاء منطقة حكم ذاتي او ادارة لا مركزية في الجزيرة اولا ومن ثم تعميمها في مناطق اخرى وبمواصفات اخرى حسب المنطقة وخصوصياتها. سوف احاول الوقوف على الخطوط العريضة على ان تأتي التفرعات في وقت آخر.

المبادرة:

ــ يقوم السيد رئيس الجمهورية باصدار المراسيم والقرارات المنظمة لانشاء منطقة ذات ادارة ذاتية او لا مركزية تحت مسميات اخرى يتم الاتفاق عليها لاحقا في منطقة الجزيرة.

ــ تعيين هيئة رئاسية او رئيس لهذه الادارة ودائما بالتوافق بين مكونات الجزيرة.

ــ تشكيل مجلس تشريعي بالتعيين الى ان يتم اجراء انتخابات حرة.

ــ تشكيل هيئة تنفيذية او حكومة مؤقتة.

الواقع على الارض في الوقت الحالي يشير الى وجود هذه القوى المسلحة:

ــ قوات الجيش اي القوى التابعة للنظام بما فيه الشرطة والمخابرات وغيرها.

ــ قوات الحماية الشعبية والاسايش التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.

ــ قوات تابعة للجيش الحر.

ــ قوات تابعة للسريان.

ــ قوات تابعة لبعض العشائر العربية.

توزيع المهام:

&القوات التابعة للنظام بما فيه القوة الجوية سوف تكون مهمتها الاساسية هو حماية منطقة الادارة الذاتية من اي تدخل داعشي او خارجي وذلك بالتعاون والتنسيق مع بقية القوات المذكورة اعلاه.

في البداية يمكن لكل قوة ان تحافظ على الامن والحماية في المنطقة التي تنتمي اليها، اي ان تكون المناطق الكردية تابعة لقوات الحماية الشعبية و ان تكون المناطق العربية تحت حماية القوات العربية وهكذا.....ولكن الامر الهام هنا هو تشكيل قيادة مشتركة للقيام بالتنسيق بين كل القوى المسلحة.

يقوم السيد دي مستورا بتأمين الدعم الدولي لا سيما المالي لانعاش الاقتصاد وفتح الباب امام المهاجرين للعودة الى ديارهم.

مما لا شك فيه هو انه من المستحيل الوقوف على كل التفرعات لمشروع سلمي ينقذ السوريين من هذه الاوضاع المأساوية. هذه الورقة انما تشكل فقط الخطوط العريضة للمبادرة او لنقل انها مبادئ اساسية للانطلاق.

السوريون امامهم طريقان:

ــ الاستمرار في هذه الحرب الجنونية الانتحارية لسنوات عديدة قادمة من القتل والتدمير والمجازر.

ــ المصالحة والتي تتطلب التضحية من الجميع بالرغم من الجراح العميقة التي مزقت المجتمع السوري.

هنا احب ان انوه ان ضحايا هذه الحرب ــ بل وكل الحروب ــ هم من الطبقات الفقيرة. المحاربون على الارض السورية الآن هم من الفقراء والمساكين الذين لا حول ولا قوة لهم.

حتى لو توقفت الحرب يوم غد فاننا سوف نحتاج على الاقل ثلاثين عاما للتخلص من آثار هذه النكبة. انا لا اقصد اعادة بناء المدن والمعامل والطرق....الخ، هذا سهل جدا، بل القصد هنا هو بناء الانسان الجديد وعلاجه من الآثار النفسية والجسدية العميقة والعقد النفسية الهدامة والتي تحتاج الى اجيال واجيال.

الملايين من المشردين من الاطفال شاهدوا بام الاعين كل الاهوال ومدى توحش الانسان.كيف يمكن ان نتوقع لهذا الجيل من الاطفال الذي نهض من بين الجثث والركام ان يكون طبيعيا في المستقبل. عدا عن الاعداد الهائلة من المعاقين الذين فقدوا الارجل والايادي والاعين وبقية التشوهات.

الام الثكلى تحتاج الى خمسة وعشرين عاما حتى تنسى الآلام التي تركتها فقدان الابناء.

جيوش اليتامى والثكالى ليست فقط من المنتمين للمعارضة وحدها بل يشمل الموالين للنظام ايضا وهم بشر وسوريون مثلنا. أذن هناك خلل لابد من الاعتراف به وتصحيحه وكلنا مسؤولون عنه.

&لهذا فاني اطلق على هذه المبادرة اسم: مبادرة اليتامى والثكالى للسلم الاهلي في سوريا.

الحل سوري مئة بالمئة و لا نحتاج فيها الى قرارت او تدخلات خارجية.

اذا لم يتحرك السيد دي مستورا علينا نحن السوريون ان نحرك المبادرة ونتحمل المسؤولية. المجال مفتوح امامنا جميعا من نظام ومعارضة واقليات ومستقلين وكل المنظمات والحركات والاحزاب السورية دون استثناء.

لتكن البداية من الجزيرة ومن ثم نشرها في كل انحاء الوطن السوري.

&

طبيب كردي سوري

&

[email protected]

&