&
هل ظهور جماعة داعش بهذه القوة وانتشارها واتساعها بهذا الشكل أمر طبيعي؟ ربما يقول البعض انه أمر غير طبيعي ولكنني أقول انه طبيعي لتوفر عدة أسباب وعوامل، وما لم نعالج الأسباب فعلينا أن نترقب ظهور جماعات أخرى تسلك ذات النهج وتنفذ ذات الممارسات ولكنها بمسميات أخرى غير مسمى "الدولة الاسلامية في العراق والشام".
&
&
ربما ستقضي الحرب التي تعتزم الحكومة العراقية شنها ضد داعش بالتعاون مع التحالف الدولي، من جهة، والحرب التي تشنها القوات السورية ضده من جهة أخرى على التنظيم، غير ان الحاق الهزيمة بداعش ستكون مؤقتة وبالتأكيد ستظهر دواعش أخرى على المدى البعيد أن لم يكن قريبا أيضا.
&
&
أحد أبرز عوامل ظهور داعش هو تهميش دور المرجعيات الدينية في المجتمعات الاسلامية، وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أود طرح السؤال التالي الذي يرتبط ارتباطا مباشرا بالموضوع، وهو، بما ان هذه الجماعات تدعي انها حركات اسلامية وتسعى الى ارساء حكم الاسلام في المناطق التي تسيطر عليها ونشر راية التوحيد، فلماذا لا يقودها عالم دين يشهد الجميع بعلمه وفقهه ونبوغه، بل غالبا من يقودها أناس بالكاد أنتهو من المراحل الابتدائية لدراسة علوم الشريعة، خاصة واننا نعلم ان من يريد أن يلم باحكام الاسلام ويطلع على الفقه ويصل الى ملكة استنباط الاحكام الشرعية عليه أن يقطع شوطا طويلا لا يقل عن 20 عاما، هذا اذا كان فطنا ونبها؟
&
&
طرحت هذا السؤال لأن من يصل الى الدرجات العليا من علوم الشريعة يعلم جيدا أن الدين لا يخول اقامة حكم الاسلام في الأرض لأي انسان ولو كان الاسلام خول كل من هب ودب باقامة الحكومة الاسلامية لحدثت فوضى عارمة ولكان اليوم لدينا آلاف المذاهب الاسلامية.
&
&
هذا من جهة ومن جهة أخرى فانه لا يكفي وجود الشخص المخول باقامة حكم الاسلام في الارض بل يجب توفر العديد من الشروط والظروف التي لولاها لما استطاع حتى ذلك الذي لديه التخويل اقامة حكم الاسلام، أليس العلماء البارزين هم أحرص الناس على نشر الدين بل أن مهمتهم الاساسية هي نشر الدين على أوسع رقعة في الأرض، فلماذا يمتنعون عن التصدي لمشروع اقامة حكم الاسلام، الا يحقق ذلك هدفهم؟
&
&
من أبرز الظروف والشروط هو استعداد الأمة لحكم الاسلام والامتثال لتعاليمه، لو جئنا الى التجربة الايرانية لرأينا أن أول خطوة أقدم عليها الامام الخميني (رحمه الله) هي استفتاء الشعب، هل يرضى بالجمهورية الاسلامية، أو لا يرضى وعندما أعلنت الأغلبية الساحقة موافقتها، لم يكتف الامام بذلك وانما طرح الدستور الذي كتب وفق تعاليم الاسلام على استفتاء الشعب، وبذلك انه سأل الشعب بطريقة غير مباشرة، بما أنكم رضيتم بالجمهورية الاسلامية فهذه القوانين التي سنطبقها، هل ترضون بها أم لا، وهنا أيضا صوتت الأغلبية الساحقة لصالح الدستور الجديد.
&
&
عندما تقوم الحكومات الاسلامية بتهميش دور كبار علماء الدين ولا تسمح لهم بلعب دورهم الحقيقي الا بما يخدم مصلحتها، عندها لا نستغرب من بروز انصاف المتعلمين فيتصدون لقيادة الامة وايجاد الانشقاقات والفتن فيها.
السبب الوحيد الذي يدفع الحكومات الى منع المرجعيات الدينية للأمة من لعب دورها الحقيقي هو خشيتها من أن تقوم بسحب البساط من تحتها، ولكن هذه النظرة غير واقعية، بل تتعارض مع الواقع، فهذه تجربة العراق ماثلة أمامنا، فعلى سبيل المثال لو اراد السيد السيستاني أن يرشح نفسه رئيسا للبلاد في انتخابات نزيهة مئة بالمئة فهل سيحصل شخص على اصوات أكثر من أصواته، فيا ترى لماذا لا يفعل السيستاني ذلك؟ أليس لانه يرى أن مهمته ليست رئاسة البلاد وانما لديه مهمة أخرى؟
&
&
غاية ما تريده المرجعيات الدينية للامة سواء كانت سنية أو شيعية في البلدان التي أغلبيتها الساحقة من المسلمين أن لا تنتهك الاحكام الاسلامية بشكل علني ورسمي ودستوري، وان تكون الحكومة صادقة في خدمة مصالح الشعب لا أن تنهب ثرواته وأن تعمل الحكومة ليل نهار على ارساء العدالة، ومن المؤكد ان علماء الأمة البارزين لديهم استعداد كامل ليكونوا عونا للحكومات وليسوا ندا لها.
&
&
لنتأكد انه اذا وقعت القطيعة بين المرجعيات الدينية البارزة للأمة والحكومة فالهدف ليس السعي للسيطرة على الحكم ومنافسة السلطة عليه وانما لتصحيح الأخطاء التي وقعت، وهناك رواية تقول "اذا رأيتم العلماء على أبواب الأمراء فبأس العلماء وبئس الأمراء، واذا رأيتم الأمراء على أبواب العلماء فنعم الأمراء ونعم العلماء" ربما المقصود هنا من الأبواب ليس الباب بمعنى الباب وانما طريقة التواصل بين الطرفين، فاذا كانت العلاقة قائمة على النصح وتصحيح المسيرة من قبل العلماء والاستجابة من قبل الحكام، فهي نعم العلاقة، واما اذا كانت انتهازية واستغلالية، فهي وبال على العالم وعلى المسؤول وعلى الأمة.
&
&
وليتنا نشهد يوما اتفاق كل الدول الاسلامية على مرجعية دينية عليا سواء كانت تتألف من عالم دين واحد أو من عدة علماء يمثلون عدة مذاهب، تستمع لرأيها وقراراتها التي تخص الأمة الاسلامية خاصة على الصعيد الديني والثقافي والفكري، عندها لن تظهر جماعات كجماعة داعش تهدد كيان الأمة وتقتل أبناءها وتدمر ثرواتها، واذا ما ظهرت فسرعان ما يتم القضاء عليها واحتوائها.
&
التعليقات