&شدني تعبير نُسب الى رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، وهو: (لا يمكن مواجهة داعش دون إجراء اصلاحات في العملية السياسية وبنية الدولة وسلطات الدولة الثلاث)، وهو تعبير واعٍ عن أنَّ أزمات الدولة ومنها أزمة الإرهاب هي نتاج لهشاشة بنية الدولة وتعارض مراكزها وتنافس مكوناتها وتصدع فعلها وقرارها وأدائها، وأنَّ الأزمة الأهم هي أزمة نظام وسياق وأداء لا يمكن معها من كسب معركة الدولة ضد مَن يهددها دونما تغيير جذري في بنية الدولة، لذلك يعتبر الإصلاح سلاح المرحلة الأهم لكسب معركة الدولة ضد أزماتها المزمنة.


واقعنا عبارة عن أزمات تتلوها أزمات، وبين أزمة وأزمة أزمة... هذه هي طبيعة المشهد العراقي منذ تأسيس العراق الحديث 1921م، فهو عمر من الأزمات الممتدة على اختلاف طبيعتها وشدتها وتموضعاتها، وهي لم تعرف بعد إصلاحاً جوهرياً بل تسويات تلفيقية ما تلبث أن تتهاوى أمام أول اختبار لوحدة الأمة أو لفعل الدولة،.. من هنا فالعراق لا يملك تاريخاً تراكمياً لإنجازات دولة بقدر ما يمتلك زمناً مستنسخاً لأزمات سلطة وطبيعة نظام،.. فخطايا التأسيس وفشل المؤسسين وتخلف تجارب التأسيس أبقت الدولة في مربع الأزمة ولم تغادره ألبتة.
هي ليست أزمة أمنية أو سياسية أو مجتمعية أو اقتصادية صرفة تلك التي يعاني منها العراق حاليا، هي كل ذلك،.. هي أزمة بنيوية تتصل بكافة بنى وسياقات الدولة، هي أزمة نظام سياسي يراد منه ومن خلاله إنتاج دولة فغدى بذاته أزمة، منتج للأزمات، نسّاخ لها،.. إنها أزمة النظام التوافقي العرقطائفي الحزبوي المحاصصي الذي ابتلع الدولة وجعلها مقاطعات عرقطائفية حزبوية متنافسة على السلطة والثروة والسيادة،.. وكما هي أزمة إدارة واعية للدولة هي أيضاً أزمة نخبة طهورية مترفعة عن الأنا والفساد والجهوية،.. وكما هي أزمة سيادة ثقافة السلطة على ثقافة الدولة هي أيضاً أزمة نظامها القانوني والمؤسسي البائد،.. هي كل ذلك وأكثر.


قبل 2003م كان لدينا انموذج دولة مستبدة ومحتكرة للسلطة والثروة، دولة سلطة ابتلعت الدولة عرقطائفياً حزبياً مناطقياً فرديا، دولة سلطة تمييزية مُعسكرة مغامرة،.. وبعد 2003م أنتجنا دولة الأعراق والطوائف المبتلعة حزبياً، دولة تعاني انقسام أمتها بفعل نظرية توازن المكونات، دولة تنقسم فيها السلطات تحت ذريعة الشراكة، دولة مشاريع دول مقنعة على أساس من العرق والطائفة والإثنية،.. في 2003م خرج العراق من مظلة سلطة عرقطائفية مركزية ظالمة فاشلة، خرج الى مظلة دولة كانتونات عرقطائفية تتنازع السلطات والثروات على أرضية المحاصصة والفساد والإبتلاع!! هنا أزمة الأزمات، إنها أزمة جوهر نظام سياسي منقسم على ذاته يعاني من مصدات ذاتية تحول دون وحدته وتوحد فعله وتكامل قوته وفاعلية سيادته.
خياران أمام النظام السياسي الذي أنجبته العملية السياسية منذ 2003م: أما المضي به لآخر أشواطه دونما تغيير أو إصلاح، وأما تبني خيار التصحيح بما يبقي على الصالح من تجارب الدولة ومنجزاتها وأنظمتها وقوانينها ويعيد في الوقت ذاته إنتاج الأسس والقواعد العامة للدولة بما يمكنها من تخطي مصداتها الذاتية،.. ولا خيار آخرا فالخيارات الراديكالية لإصلاح الواقع العراقي ممنوعة بسبب تعقيد حالته داخلياً واقليمياً ودوليا.
خيار المضي على نفس سكة العملية السياسية الحالية دونما أصلاح بنيوي جاد وحاسم أثبت فشله، إنها سكة لم تنتج سوى الأزمات وفي المقدمة أزمة تصدع وانقسام الأمة والدولة حول قضايا الدولة الجوهرية: شكلها، هويتها، سلطاتها، ثرواتها، فضائها الستراتيجي،.. وأزمة افتقاد الدولة لنواة صلبة ينسجم فيها بعدها الفلسفي مع طبيعتها السياسية مع كتلة تاريخية من النخب الحاملة لمشروعها،.. فبعدها الفلسفي معوم وطبيعتها السياسية تلفيقية وكتلتها التاريخية متصارعة حول ذات مشروعها، وهي ونتيجة هشاشتها منقسمة مهددة لا أفق لها.
خيار التصحيح والإصلاح هو الخيار الأمثل لإعادة إنتاج الأمة والدولة بما يضمن الوحدة ومواجهة التدعيات ومنها الإرهاب الأسود،.. إنه خيار ضرورة يوجب على الطبقة الحاكمة وعلى رأسها الدكتور العبادي اعتماده لضمان تخطي أزمات الدولة المزمنة وفي مقدمتها أزمة النظام السياسي كمعايير وأداء وسياسات ونخب،.. خيار الإصلاح البنيوي للدولة هي مهمة تاريخية لا تحتمل التأخير بسبب بنية الدولة الهشة والمخاطر التي تواجهها، وهو أيضاً خيار تضامني عراقي تتحمله جميع مجتمعيات العراق وقواه السياسية، وهو ايضاً خيار مصيري على دول المنطقة والعالم مساندته بوضوح وحزم، فالوصول الى نقطة اللاعودة عراقياً ليس بالبعيد، وهي مرحلة إن استوطنت فلن تسلم من تداعياتها المنطقة والعالم بأسره.
&