في بداية التسعينات من القرن الماضي اجتمع ثلة من ذوي الاهتمام بالشان الشيعي (العالمي) في شمال اوربا وتحادثوا عن مستقبل الشيعة على اثر مسح قاموا به لاوضاع الشيعة في العالم، وعلى ضوء ما تمر به المنطقة والعالم من تغيرات فكرية واقتصادية وسياسية، وبعد جهد جهيد من التفكير والنقاش توصلوا الى نتيجة مفادها: (ان العالم العربي والاسلامي معرّض لموجة طائفية حادة بين السنة والشيعة، وان الطائفية سوف تتحول الى آلية تحليل سياسي حادة في تشخيص الحال في هذا العالم، واتجاهات مسيره الثقافي والسياسي والاقتصادي) وبهديٍّ من هذه الرؤية دعت هذه الجماعة الى مشروع (كيانية شيعية عالمية)، وقد اصدرت بذلك كراسا صغيرا تحت عنوان: (نحو كيانية شيعية عالمية)، واطلقوا على انفسهم (شباب آلـ محمد)، اعقبوا ذلك بكراسات تصب بذات الموضوع، ولكن بعيدا عن الطائفية والاتجاه العدائي بين المذاهب، وإ نما من زاوية الاقرار بالامر الواقع، ولم يجد المشروع اذنا صاغية، بل هاجمه كثير من الشيعة خاصة الاحزاب (الاسلامية)، وعلى راسها حزب الدعوة الاسلامية، ناعتا المشروع بالطائفي، وفي احدى مواسم الحج تناول احد شيوخ الدين المهوسين بمشروع الحكم الاسلامي بالطعن والسب والشتم، ولم تمض سنون حتى انقلب هؤلاء الناقدون الى منخرطين تماما بالفكرة، بل وربما اكثر انخراطا من الذين وضعوا الاساس الاول للمشروع، وكتبوا فيه عشرات البيانات والتصورات والافكار، ومن خلال تتبع تاريخ الفكرة وسيرها كان للعراقيين دور كبير في زرع بذورها الاولى، فعلى اثر مشروع (شباب آلـ محمد) متمثلا في البداية بكراسهم المعروف (نحو كيانية شيعية عالمية) أُستوحي (اعلان شيعة العراق) بتوقيع عشرات المفكرين وعلماء الدين والسياسيين الشيعة في المهجر، وكان لهذا البيان اصداؤه وتبعاته، وما زالت بعض اسراره خفية، احاول القاء الضوء على بعض جوانبه واسراره في مقالات مقبلة في (ايلاف).
مشروع أو فكرة كيانية شيعية عالمية اخذت تتبلور بشكل قهريا واضطراريا، بعد عملية التغيير التي حدثت في العراق عام 2003، حيث شعر سنة العراق وبالتالي سنة العالم العربي والاسلامي ان عاصمة (الرشيد) تم اختطافها، ورُفِعت شعارات علنية تنادي باسترجاع بغداد من سجن (الصفويين) وإعادتها إلى (اهلها) الشرعيين، وكان اصرح نداء بذلك في احدى المؤتمرات التي عُقِدت لنصرة (سنة العراق) في تركيا على لسان النائب في وقته عدنان الدليمي.
ان سقوط بغداد وبروز شيعة العراق على السطح العراقي قوة مشاركة فعلا في الحكم، بلحاظ اكثر من مقترب بعضها موضوعي، منها: كونهم الاغلبية، ومنها: كونهم الاكثر تضررا من نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، ومنها: ان شيعة العراق هم الاكثر تعرضا للخسائر في حروب صدام حسين الخارجية.
كل هذا استدعى حضورا سنيا اقليميا قويا، وإنْ بشكل عام، مما ساعد بشكل غير مباشر على تصلّب فكرة (الكيانية الشيعية العالمية).
والحقيقة لم يكن الحديث عن مشروع او فكرة الكيانية الشيعية العالمية معدوم بالمرة في اوائل تسعينات القرن الماضي، حتى قبل ان يفكر (شباب آلـ محمد) بذلك في شمال اوربا، وكان رئيس المجلس الشيعي الاعلى في لبنان الشيخ محمد مهدي شمس الدين ضد الفكرة جملة وتفصيلا، وقد اتضح ذلك بشكل واضح صارخ في وصيته التي تركها للشيعة في العالم، وكانت له رؤاه الخاصة به عن المشروع الذي يليق ـ حسب رؤيته ـ بشيعة العالم، والذي يجد فيه خلاصا للشيعة من التهميش والحرمان والاضطهاد...
فماذا كان يقول الشيخ شمس الدين في ذلك ؟
وهل يصلح ما كان يطرحه الشيخ شمس الدين لشيعة العالم في هذه المرحلة؟
وماذا كان موقف المرجعية الدينية من رؤية شمس الدين؟