العودة للذات

تطرقت في المقال السابق الى جذور الخلافات بين هيرو إبراهيم زوجة طالباني وبرهم صالح والتي تعود الى أيام توليها مسؤولية إدارة الفرع الحزبي للإتحاد الوطني بمدينة السليمانية ووقوفها بوجه قرارات برهم صالح رئيس حكومة الإقليم حينذاك فيما يتعلق بتغيير القيادات الإدارية على مستوى المحافظة وإصرارها على اقرار ذلك من قبلها فقط، وكان الهدف من وراء ذلك هو كسب الشخصيات والقيادات والكوادر حولها بإغرائهم بالمناصب والمسؤوليات ومنحهم الإمتيازات خارج إطار الإدارة الحكومية.

حين شعرت هيرو بأن برهم صالح الذي ظهر في الفترة الأخيرة كأحد دعاة الإصلاح والتجديد وطالب بعقد المؤتمر الحزبي لتصفية القيادات الكلاسيكية وإعطاء دور أكبر لقيادات شابة وإشراك الكوادر والأعضاء بالحلقات الدنيا بالقرار السياسي، وإشاعة نوع من الديمقراطية الحقيقية داخل صفوف الإتحاد الوطني، بدأت ببذل جهود مضنية للتخطيط لتوجيه ضربة قاصمة لبرهم ومن يلتفون حوله من قيادات وكوادر وأعضاء الحزب، بهدف تحجيمه ثم إسقاطه نهائيا، ودفعه أخيرا الى مغادرة الحزب والتخلص منه ومن شعبيته المتزايدة داخل الإتحاد الوطني.

منذ الوهلة الأولى عارضت هيرو ترشيح برهم للمنصب وهناك أسباب عديدة لذلك سأذكرها لاحقا، وبدأت جهودها أولا مع المكتب السياسي للحزب الذي تم تفويضه بقرار من المجلس القيادي والمجلس المركزي للإتحاد الوطني بتسمية مرشح الحزب للمنصب.هناك بذلت هيرو جهودا مضنية لإقناع أعضاء القيادة والمكتب السياسي بعدم ترشيح برهم للمنصب، ورغم أن أغلبية أعضاء المكتب السياسي (11 عضوا من مجموع 15 ) كانوا مع ترشيح برهم للمنصب، لكن تأثيرات هيرو كزوجة طالباني ووريثة أمجاده، وكذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية داخل الحزب (المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والمصادر المالية) بالإضافة الى مسألة إعادة الرئيس المريض الى السليمانية قد أثرت على أعضاء المكتب السياسي الذي عجز بعد سلسلة طويلة من الإجتماعات من التوافق على مرشح وحيد للحزب. وبناءً على مقترح من الملا بختيار&مسؤول الهيئة العاملة للحزب إتفق الأعضاء على ترشيح شخصيتين للمنصب على أن يصوت لواحد منهم من قبل المكتب. وكان برهم من أحد مؤيدي هذا المقترح، ووافق على إنتخابه من داخل المكتب السياسي، وكان على إقتناع كامل بأنه سيفوز على المرشح الآخر فؤاد معصوم لأنه ضمن الأغلبية بما فيها الجناح الذي يقوده كوسرت رسول، لكن هيرو إعترضت مرة أخرى وطلبت إحالة الموضوع الى الكتلة الكردستانية بمجلس النواب العراقي.مع العلم أنه كان يفترض أن يحول الأمر الى البرلمان الكردستاني الذي يضم ممثلي مجمل القوى الكردستانية ليكون هناك إجماع شعبي عام على المرشح للمنصب، لكن جناح هيرو خاف من تزايد فرص برهم صالح حيث أن الإتحاد الوطني يمتلك فقط 16 مقعدا داخل برلمان كردستان وأن حركة التغيير والتنظيمين الإسلاميين الآخرين(الإتحاد والجماعة الإسلامية) كانوا على إستعداد للتصويت لبرهم كما ظهر لاحقا بالتصويت داخل الكتلة الكردية ببغداد، لكن هيرو خافت من حصول برهم على الأغلبية فحولت الأمر الى الكتلة الكردية ببغداد. وكان مسعود بارزاني رئيس الإقليم قد إعترض على التصويت لمرشحين إثنين، وطلب إقتصار الترشيح على مرشح واحد، لكن هيرو إستطاعت إثنائه عن رأيه، وخاصة تأييده فيما يتعلق بتجديد ولايته الرئاسية الثالثة كرئيس للإقليم.

قبل ساعتين من بدء التصويت على أحد المرشحين إتصل الدكتور روز نوري شاويس بالدكتور فؤاد معصوم وهنأه بالفوز، مؤكدا له أن قيادة حزبه قد أوعزت لنوابه بالبرلمان بالتصويت لصالحه، وهكذا جاءت النتيجة بثلاثين صوتا لفؤاد معصوم منها 25 صوتا لنواب حزب بارزاني وخمسة أصوات فقط من نواب الإتحاد الوطني، والبقية صوتت لصالح برهم بما فيها حركة التغيير والتنظيمين الإسلاميين.

من جهة أخرى إتصلت هيرو بنواب الإتحاد الوطني وأبلغتهم بتحيات الرئيس طالباني ورغبته بالتصويت لصالح فؤاد معصوم، رغم أن كل الوقائع تشير الى أن طالباني كان يعد برهم لخلافته بالمنصب.

وبحسب بعض المصادر فإن كلا من ل. ر و الدكتور ن. د . ك عديلا شخصية كردية كبيرة في السليمانية طلبا من نوري المالكي تخصيص منصب رئيس الجمهورية للعرب السنة، بهدف ضياعه من يد برهم، لكن الأمريكان إعترضوا على ذلك وبقي المنصب ضمن الحصة الكردية.

التسريبات تشير الى اتصال هيرو ببارزاني وأبلغته بأنه في حال الإصرار على فوز برهم بالمنصب فإن أوضاع السليمانية ستتدهور، وكان ذلك بمثابة تهديد من حزبها بتعكير الأجواء بالمحافظة.

كان ترشيح برهم صالح للمنصب أفضل للكرد وللإتحاد الوطني أيضا بإعتباره الرجل المناسب للمهمة، وأنه كان سيخوض صراعا من أجل إستعادة حقوق الشعب الكردي خاصة وقف صرف رواتب الموظفين، وكذلك إنهاء التجاوزات المالية بالموقع الرئاسي، حيث حدثت تجاوزات وحالات فساد فظيعة بغياب الرئيس طالباني في التخصيصات الرئاسية،وكان لبرهم جهودا واضحة بمحاربة الفساد بإقليم كردسنتان عندما كان رئيسا للحكومة حين بادر بتخفيض كبير في ميزانية حزبه الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي التي تقدر بملايين الدولارات كان الحزبان يستنزفانها من خزينة الحكومة شهريا.

أثار منع برهم من تولي المنصب غضبا شديدا لدى الشريحة الشبابية بكردستان، ولدى معظم القوى الكردستانية بما فيها أطراف من داخل الحزبين الرئيسيين (الإتحاد الوطني والحزب الديمقراطي) وبذلك أصبح برهم صالح رمزا لمقاومة التفرد والفساد وتزعم تيار يدعو الى الإصلاح السياسي بإقليم كردستان. لكن المشكلة أن برهم لم يعد له مكان داخل الإتحاد الوطني&يمكنه من القيام بهذا الدور، خاصة وأن كتلة هيرو ستحاربه الى النهاية ولن تسمح له حتى بالفوز بعضوية قيادة الإتحاد الوطني إذا ما عقد المؤتمر الحزبي الرابع.

هناك من يتحدث عن وجود رغبة لدى برهم بالخروج من الإتحاد الوطني وتشكيل حزب جديد بزعامته، ولكن هذه الخطوة لا أعتقد أنها ستشكل حلا لمشكلته، لأنه سيعرض نفسه هذه المرة لمحاربة وعداء من قبل الإتحاد الوطني بزعامة هيرو وكذلك من الحزب الديمقراطي الذي مضى بعيدا بتحالفه مع كتلة هيرو، وهناك تجارب عديدة بنجاح الحزبين في محاربة كل حزب أو قوة تحاول أن تنال من موقعهم أو تضعف مكانتهم في السلطة بكردستان، لذلك لم يبق أمام برهم صالح سوى الإنضمام الى حركة التغيير في حال أراد الخروج من الإتحاد الوطني، لأن هذه الحركة اًصبحت اليوم هي أصل الإتحاد الوطني عند نشوئه، وتضم القيادات الثورية غير الفاسدة وهي من تعتبر اليوم الوريثة الشرعية للأمجاد النضالية للإتحاد الوطني الذي كان أمل الجماهير الشعبية ومفجر الثورة الجديدة، وبإنضمامه الى هذه الحركة سيحصل برهم على ظهير قوي يتمتع بشعبية طاغية في عموم مناطق الإقليم، كما أن أكثرية عناصر حركة التغيير هي شبابية تتطلع الى التغيير والإصلاح، وبذلك فإن المكان الأنسب لبرهم صالح هو بين هذه الشريحة الواعدة بإقليم كردستان.

&