سيادة الرئيس مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان،&

طاب زمانكم،&
طابت كردستانكم، أما بعد..
&
بادئ ذي بدئ، أستميحكم عذراً على هذا المكتوب، الذي قد يعتبره الأتباع، وعلى رأسهم البعض المستشار المحيط بكم، مكتوباً "خارج الإطار"، والذي سأحاول فيه، ما أمكن، أن أدوّن لجرح كبير بكبر التاريخ الفرمان، من كردستان إلى كردستان، اسمه شنكال: شنكال الجبل الأكبر، والدم الأكبر، والجينوسايد الأكبر، والألم الأكبر، والفرمان الأكبر، والعشق الأكبر، والحلم الأكبر، والأغنية الأكبر.
&
سيادة الرئيس،
اسمحوا لي أن أخاطبكم، كمواطن من هذا العالم، يعيش بعيداً عن مسقط وجوده منذ حوالي عقدين من الزمن أولاً، وكمواطن "افتراضي" من كردستان التي طالما اعتبرتها "وطناً نهائياً" لأحلامي، ثانياً.
&
سيادة الرئيس،
لا يخفى عليكم أن ما جرى في شنكال ولا يزال، هو عملية إبادة جماعية (جينوسايد) لمحو الإيزيديين عن بكرة وجودهم، الذين طالما اعتبرتهم "أكراداً أصلاء"، وإفراغ العراق وكردستانه منهم إلى الأبد، علماً أن كل الدلائل وكل الطرق تؤدي إلى وجود "تواطؤ" فوق عادي، لا بل خيانة مكشوفة، ارتُكِبت بحرفية عالية، وعلى أعلى المستويات في حكومة شنكال (من الحزب إلى البيشمركة مروراً ب الزيرفاني والباراستن والمؤسسات الأخرى)، التي كان حزبكم حاكمها المطلق القائم على شئون كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فيها، وما أمركم ب"سجن واستجواب" بعض قيادات الصف الأول الميدانيين، من إداريين، وحزبيين، وعسكريين، إلا تأكيداً على ما نقول.
&
سيادة الرئيس،
ما جرى في شنكال، كان "فضيحة سياسية وأمنية وعسكرية" من العيار الثقيل، محسوبة على حزبكم بالدرجة الأساس، وعلى تاريخكم كزعيم كردي له باع طويل في "كردستان الجبل"، ناهيكم عن تاريخ عائلتكم، الذي يعتبره الأكراد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ كردستان المعاصر. هذا هو رأي الغالبية الساحقة للإيزيديين في الأقل، كما تقول شنكال وأنا أصدقها، ما أدى بالمحصلة إلى فقدانهم الأمل ليس بحزبكم كأكبر حزب حاكم في كردستان العراق فحسب، وإنما ب"كردستان الرسمية" قاطبةً، وما إصرارهم على الهروب الجماعي من كردستان، وترجيحهم لخيار "الهجرة الجماعية" إلى أميركا وكندا والدول الأوروبية، إلا دليلاً أكيداً على حالة اللاثقة واللاأمان واليأس والإحباط واللاأمل، التي يعيشها الايزيديون في كردستانهم، حيث ليس لهم فيها إلا الوراء: الوراء من كل شيء، الوراء في كل شيء، والوراء رغم كل شيء.&
&
سيادة الرئيس،
صرحتم بُعيد غزوة الموصل، ذات سياسةٍ: "انتهت المادة ١٤٠ ولا عودة إلى ما قبل الموصل"، عليه توجهتم للرأي العام العالمي والعراقي والكردي بخطاب قوي، أكدتم فيه عن نيتكم في إعلان "دولة كردستان المستقلة"، وبناء على هذا التوجه، أمرتم برلمان كردستان، في ال٣ من يوليو الماضي، بالإسراع في "تشكيل لجنة لتنظيم استفتاء على الاستقلال"، وهو ما لم يحصل حتى الآن، ولن يحصل، في المستقبل القريب على الأقل، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة، وتغير موازين القوى على الأرض، عراقياً وإقليمياً ودولياً، وتوجه مزاج الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا، نحو "عراق توافقي" تقوده حكومة شراكة وطنية، وتكليف مرشح "التحالف الوطني" السيد حيدر العبادي، ك"رئيس توافقي" بتشكيلها.
والآن، بعد انسحاب جميع أركان المنظومة الأمنية والدفاعية والاستخباراتية، المحسوبة على حزبكم، من شنكال وتسليمها ل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داس)، يقول الإيزيديون بدورهم، أن لا عودة إلى ما قبل شنكال، لأنهم فقدوا الثقة بحزبكم بشكل خاص، وب"كردستان الرسمية" (ولا أقول الشعبية) وأكرادها الرسميين بشكل عام. الإيزيديون فقدوا الأمل ب"كردستانية" قواتكم، التي أدارت ظهرها ل"كردستان شنكال"، والتي من المفترض بها أن تكون "أصل كردستان"، كان يقودها عناصر محسوبة على "نهج البارزاني الخالد"، جثمت على صدور الإيزيديين حوالي عقد ونيف من الزمن، ولم تدفع لأجل شنكال "الأصيلة" و"أكرادها الأصلاء" الذين يربو تعدادهم على ال٣٥٠ ألف نسمة، شهيداً ولا حتى جريحاً واحداً. لا بل قامت هذه القوات، قواتكم، بإطلاق النار على الشباب الإيزيدي، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى في صفوفه، والشهادات موثقة، لدى جهات حقوقية دولية، ستظهر للرأي العام في وقتها. الأمر الذي أدى إلى هذه الحصيلة الكارثية، وهذا الجينوسايد، الذي يعتبر الأكثر فظاعةً، في هذا القرن.&
&
بعد كل الذي حصل ولا يزال، فقد الإيزيديون كل الثقة بإدارتكم التي سلمتموها لأتباع يقولون أنهم على خطى "البارزاني الخالد"، خانوا الأمانة مرتين: مرّة شنكال في كردستان، وأخرى كردستان في شنكال.&
وحتى تعود مياه هذه الخيانة إلى مجاريها، ليس أمام الإيزيديين في كردستان إلا شنكالهم، وليس لشنكال إلا أن تدير نفسها بنفسها، وأن يقرر الإيزيديون فيها، كمكون عراقي أصيل، مصيرهم بأنفسهم، عبر المطالبة بحكم ذاتي، طبقاً للمادة ١٢٥ من الدستور العراقي، الذي يضمن "الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والاشوريين وسائر المكونات الاخرى وينظم ذلك بقانون".
&
سيادة الرئيس،
الإيزيديون ما عادوا يثقون ب"دولة الحزب الواحد والدين الواحد والعشيرة الواحدة"، التي اغتالت العقل والضمير والوجدان في إنسان شنكال بشكل خاص، وإنسان كردستان بشكل عام. هؤلاء، "دجاج كردستان الأصيل" ما عادوا يؤمنون بدولةٍ اختزلها الأتباع والمريدون في صورتكم، التي تُرفع فوق كردستان ك"حق يُراد به باطل".
&
سيادة الرئيس،
لا أخفيكم، ولا أعتقد أن ذلك بخافٍ عن سيادتكم، أن المحيطين بك، أتباعاً ومريدين ومستشارين وآمرين ومأمورين، لا يزالون أسرى ثقافة الولاء للحزب الواحد، والنهج الواحد، والقائد الواحد، والدين الواحد، والعشيرة الواحدة، الأمر الذي قد يؤدي بكردستان ومن على سفينتها، في المنتهى، إلى ما انتهى إليه دول الجيران، وسقوط دولة كردستان بالتالي في دولة الحزب والدين والعشيرة.
&
سيادة الرئيس،
أثناء استقبالكم للوفود ودعوات الاستغاثة الايزيدية، عبّرتم عن أسفكم الشديد عما حصل في شنكال، وعن الأداء السيء لقواتكم، التي انسحبت قبل أن ينسحب أي مدني من شنكال، واعترفتم أكثر من مرة، بأنكم "انخدعتم" بالتقارير والتطمينات الكاذبة، التي نقل إليكم أصحابها الصورة على الأرض في شنكال وأخواتها مقلوبةً أو مشوهةً، ولكن تيقّن يا سيادة الرئيس أن ما تصلكم الآن، بعد كل ما حصل ولا يزال، من معلومات وتقارير استخباراتية، وتطمينات حزبية وإدارية، ومانشيتات صحفية في وسائل إعلامكم، بخصوص ما يتعلق بشنكال والشنكاليين بخاصة، والايزيديين في كردستان بعامة، لا يزال أصحابها يمارسون سياسة الخداع والنفاق والابتعاد عن الواقع، وتزوير للحقائق، وخلق تصورات وهمية لا وجود لها إلا في خيالاتهم السياسية.&
&
الايزيديون غاضبون يا سيادة الرئيس، غاضبون..
هم غاضبون لجرحهم الكبير، الذي سيظل ينزف لأجيال!
هم غاضبون، في شنكال، ومن شنكال إلى شنكال، من حكومة حزبكم التي أدارت ظهرها لهم، وتركتهم فريسةً سهلةً في أيدي أخطر تنظيم إرهابي في العالم، يعدمهم بالجملة عن بكرة أبيهم، ويحلل دمهم ومالهم ونساءهم، ويهتك أعراضهم، ويبيع شرفهم في أسواق النخاسة الجاهلية!
هم غاضبون من أدائكم الضعيف (نعم الضعيف)، الذي لا يتناسب إطلاقاً وحجم الدم الكبير، الذي وقع فيه "اكرادك الأصلاء"، الذين لا يكادون يخرجون من حفرةٍ كرديةٍ، حتى يسقطون في حفرةٍ كرديةٍ أخرى!
هم غاضبون من سكوتكم، الذي ما عاد من ذهبٍ!
هم غاضبون من صمتكم الرهيب، على ما حصل، دون أن تقدموا، حتى الآن، كلمة اعتذار واحدة، او حتى نصف كلمة بنصف اعتذار، عما حصل للإيزيديين ومعهم الأقليات الأخرى، تحت خيمة كردستان، التي طالما وصفتموها في مجالسكم مع الأميركيين والأوروبيين، بأنها خيمة الأقليات قبل الأكثريات، والضعفاء قبل الأقوياء!
هم غاضبون، من "اختفائكم" عن أنظار شنكال والشنكاليين، الذين سقط منهم حتى الآن (والأرقام في تصاعدٍ مستمر)، اكثر من ثلاثة آلاف شهيدٍ، وحوالي خمسة آلاف مفقود ومختطف، جلّهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى اكثر من أربعمئة ألف نازح ومشرّد!
الايزيديون غاضبون من كردستان إلى كردستان، يا سيادة الرئيس!
غاضبون، لأن كردستان التي طالما كانت أغنيتهم خذلتهم.. لأن كردستان تركتهم.. لأن كردستان ضربتهم في صميم أصالتهم.&
&
كونوا بخير يا سيادة الرئيس!
&
هوشنك بروكا
&