كما هي عادة معظم الناس في شمال أمريكا اعتدت أن أضع في آخر يوم من كل سنة قائمة بما أريد إنجازه وتحقيقه في السنة الجديدة. تتراوح المواضيع على قائمتي بين ما هو واقعي وقابل للإنجاز مثل كتابة مقال أسبوعي، وبين ما هو أقرب للمحال مثل تخفيف القهوة والتي دائما أغير رأيي بشأنها في الصباح التالي. وأيضا كل سنة، منذ أن أصبح عندي أولاد، يكون عدم رفع الصوت على الأولاد على رأس القائمة وهذه التزم بها لوقت أطول من تخفيف القهوة—يعني ربما حتى مساء اليوم التالي.
وسواء كانت قائمة الإنجازات للعام الجديد جدية وصعبة أو سهلة ومضحكة فإنها دائما تعطيني شعورا جميلا بالأمل. البدايات جميلة لأنها تحمل الأمل والقدرة على تحقيق أشياء جديدة والإحساس بمسح ما مضى من أخطاء. لذلك قرر الامبراطور الروماني يوليوس قيصر في عام 46 ابتداء السنة في الأول من يناير نسبة إلى الإله جانوس إله الأمل والبدايات والبوابات. حيث أنهم اعتبروا أن اليوم الأول للشهر الأول من السنة هو البوابة التي ندخل من خلالها إلى السنة الجديدة. وللإله جانوس وجهان، أحدهما ينظر للسنة التي مضت ويصفح عن أخطائها والآخر يتطلع للسنة الجديدة بأمل وحماس. فجعلوا هذا الجزء من الزمن مثل مساحة مادية محسوسة نخرج من قسم منها وندخل في قسم آخر. ولم يكن الرومان أول من أعطى الوعود على رأس السنة فأهل بابل قبل أربعة آلاف سنة كانوا يعطون الوعود لآلهتهم بإنجازات وأعمال للسنة القادمة. أستطيع أن أتخيل بسهولة شخصا من بابل يعد الآلهة أن يعمل بجد أكثر في العام المقبل تماما كما نفعل نحن بعد أربعة آلاف عام. شعوري أنني أقلب صفحة جديدة وأنني قد أعطيت بداية جديدة لتصحيح ما لم أستطع فعله في العام المنصرم شعور إنساني على مدى القرون وعلى مدى القارات لذلك أنا متأكدة أنه كانت هناك أم من بابل تعد الآلهة في بداية السنة أنها ستكون أكثر لطفا مع أبنائها.
كتابة ما نود تحقيقه وإنجازه في حياتنا عادة ممتازة لأنها تساعدنا على توضيح طريقنا ومع الكتابة تتبلور أفكارنا عن طموحاتنا وأحلامنا بشكل لا يمكن أن يحدث بدون الكتابة. ولو لم تحمل الكتابة معها قوة خفية لما حلف بها القرآن عندما قال "ن والقلم وما يسطرون". والسنة الجديدة وقت مناسب لإعادة النظر في قرارات السنة التي قبلها وما سنسطره من مخططات جديدة لهذه السنة.
أحاول أن أشجع من حولي على التفكر في هذه الأمور ولعدة سنوات كان عندي دفتر أسجل فيه قوائم إنجاز للسنة الجديدة للأقرباء والأصدقاء وأسحب الدفتر في السنة التي بعدها ونعمل جرد لما تم إنجازه وما لم ننجزه وأحيانا يكون الشخص المعني قد نسي تماما ما قاله السنة التي قبلها.
خلال السنوات التقيت من خلال دفتري بكثير من المشاريع لأناس مختلفين منها الجميل ومنها المستحيل ومنها الغريب. أكثر المشاريع التي سمعتها كانت عن تكثيف القراءة وكلما تحمس أحدهم وبدأ يقول سأقرأ ستين كتابا نقول له على رسلك لنبدأ بـ 12 ونلتقي في رأس السنة القادم. إيجاد رفيق العمر من المشاريع المفضلة للإنجاز لدى عدم المتزوجين. إنهاء مرحلة دراسية مهمة يظهر كثيرا بين الجامعيين وكان إنهاء الماجستير يجد طريقه إلى قائمتي لعدد من السنوات حتى جاءت سنة جميلة لم يكن على قائمتها. أما القرارات الغير مألوفة فهي المسلية أكثر. مثلا، أحد المراهقين قال "أريد أن ألعب بآخر الألعاب الإلكترونية." دعونا نترجم هذا القرار إلى لغة الكبار: أي "أريد أن أقتل أكبر عدد ممكن من الخلايا العصبية في دماغي خلال السنة الجديدة!" ويا لفرحة والديك! وأحيانا أجد من خلال المشاريع التي أسمعها أن بعض الأشخاص لا يفهم تماما ما معنى قرارات العام الجديد ويظن أنها لائحة أمنيات مثل الذي قال لي "أريد الدعاء المستجاب!"
"يعني تريد أن تكثر من الدعاء؟"
"لا، أريد الدعاء المستجاب"
"هذه القائمة تعني أشياء تريد أن تفعلها أنت لتحسن من حياتك ونفسك خلال السنة القادمة"
"الدعاء المستجاب سيحسن من حياتي"
"حسنا، سنرسل فاكس إلى فوق ونسأل أن يوضع طلبك تحت الدراسة."
وعندما طرح الموضوع مرة أمام مجموعة من الصبايا قالت واحدة متزوجة حديثا جوابا على سؤالي "أنا أنهيت مشاريعي في الحياة"
"وهل تنتهي مشاريع الحياة؟"
"نعم، أنا حصلت على شهادتي الجامعية وتزوجت."
"......."
لن أناقش جواب الفتاة هنا لأنه لوحده بحاجة إلى مقالة.

ولكن رغم حبي لقوائمي وطموحي جاءت بداية السنة العام الفائت وأنا أم لأربعة أطفال وكان آخرهم ما يزال يلبس الحفاض ويستيقظ أحيانا في منتصف الليل. وعندما وضعت قائمتي حينها، من تحسين للغة الفرنسية وكتابة مجموعة قصصية وليس نهاية بتخفيف القهوة، نظرت إليها وشعرت بالتعب فمسحتها كلها وكتبت "الله يمضي هذه السنة على خير." اللغة الفرنسية لن تهرب للعام القادم وكذلك المجموعة القصصية تختمر في خيالي حتى وإن لم تنزل على الورق. والقهوة صديقتي تنتظرني كل صباح، ولا بد منها لأم تستيقظ في الليل مع أولادها الصغار.
وأستطيع اليوم أن أقول بفخر أن السنة الفائتة قد مرت فعلا بخير وسلام ولا تخلو من إنجازات مهمة أيضا. وحان الوقت مرة أخرى لسنة جديدة وقائمة جديدة ومغامرات جديدة فلنستغل هذه الصفحة الجديدة في حياتنا في العمل الجاد والبحث عن الحقيقة ومساندة القضايا العادلة ومعاملة أبنائنا بحب والصفح عن بعضنا والاستمتاع بالحياة وأن تكون ضحكتنا من القلب.
وأتمنى لكم جميعا عاما جديدا ملؤه السلام والتسامح والنجاح.
&