متى ما عُدنا القهقري لمراحل التطور الإعلامي في عراق اليوم لوجدناه قد خاض مراحل متفاوتة على ضوء ثورات وانقلابات العهود التي بسطت سيطرتها على مقاليد الحكم، إبتداءً من العهد الملكي ومروراً بالعهد الجمهوري بأدواره القاسمي والعارفي والصدامي، ليركن فيما بعد بإعلام ما بعد السقوط. إن عدنا إلى الماضي ووضعنا إعلام تلك الفترات في ميزان التقييم والتثمين لوجدنا بأن المفارقة تتفاوت من مرحلة لأخرى، طالما الإعلام متجسداً بمفهوم الصحافة كونها السلطة الرابعة لحكم الشعب. لهذا لا محالة من أن نستدرج معايير ذلك على نحوٍ مما هو عليه اليوم بدلالة القنوات التلفزيونية والمحطات الفضائية والإذاعية والصحافة الورقية الحرة والإلكترونية بما تشهد له التقنيات التي يصعب علينا حصرها بشكل دقيق، ومنها على سبيل المثال منبع التواصل الإجتماعي كالتوايتر والفيس بوك والبالتولك وغيرها مما يستحدث بين فترة وأخرى، التي أصبحت هي الأخرى بمثابة الوسيط لنقل الحقائق وتجسيدها للجمهور. ولكي نضع على طاولة البحث والتقدير ما أشرنا إليه ينبغينا ان نستدرك الصالح من الطالح، ويستوجب علينا أن نرفع من شأن الإعلام الذي يؤدي دوراً إيجابياً من أجل وضع النقاط على الحروف بتشكيلها الصحيح في الشبكات الإعلامية التي تجعل المرفوع منصوباً ومن المنصوب مكسوراً، وما عليه خارج النطاق العرفي المألوف لأسباب تمليها معولات حُقب السلطات المهيمنة أو رهبة المكونات الحزبية أو تأثيرات ذوي النفوذ المادية. هذا ما عشناه وألفناه منذ يوم السقوط ولحد يومنا الذي نألفه عن كثب.
من هذا التمهيد المقتضب يتضح لنا بأن الإعلام مهنة ورسالة. إذن إن كانت مهنة للذين يتولون مسؤؤليتها في كافة الحقول الإعلامية المشمولة بها، ينبغي والحالة هذه أن يكون من يمتهنها متسلحاً بصدق الكلمة وقوة الإيمان والمقدرة الكافية على نقل فحوى الرسالة المقصودة بدقة مضامين محتواها، ليكون المتلقي على بينة منها ومن مصداقيتها على ضوء الحقائق والشواهد التي تصله دون مواربة، وخالية من ملابسات التزييف والمخادعة. لذا وكما أشرنا بأن الميادين الإعلامية إتسعت مساحاتها بعد السقوط لإتخاذها مناحٍ جديدة في الحياة السياسية على نحوٍ خاص، وعلى مستوى أرجاء بلاد ما بين النهرين بإسلوب دكتاتورية الديمقراطية ـ إن صح التعبير ـ& فإختلط الحابل بالنابل بمساومات الهيمنة المادية النفعية الخاصة بإستشراء الفساد والسرقات والإبتزاز والإختطاف والإغتيال، باكياً / مغنياً كل واحد على ليلاه على حساب الشعب المغلوب على أمره، دون أن يَعِر أهمية للمواطن الذي هو أساس المجتمع العراقي ، وبدونه لا وجود لهم، طالما عجلات الزمن في دوار مستمر ودائم.
إن ما دعاني وحفزني لتدوين مؤشرات هذه الإلتفاتة متابعاتي اليومية للأوضاع الراهنة في عراقنا الجريح الذي آلـَمَتْهُ الهموم والمعاناة المستحدثة، وألمّت به لتعاني ثرواته هي الأخرى من الواقع المزري لمقتضيات ومتطلبات حال الشعب قاطبة، حين حلت به فيضانات النزوح والهجرة داخل الوطن الأم ، ناهيك عن الملايين الذين احتضنتهم ديار الغربة.
لنعود ونتساءل في خاتمة الحديث: حتام يبقى العراق الجريح يشكو الآلام؟ وحتام تبقى الوحوش الكاسرة تكشر عن أنيابها لتنهش جسده؟ ومن الذي يتجرأ لتضميد جراحه؟ ولكي نكون صريحين ومتفائلين من الإجابة، لا بد لنا أن نشير بكل صدق وإخلاص، إن كانت حقاً رقابة السلطة الرابعة المتمثلة بالصحافة والإعلام هي الناطور الأمين والقاضي الصادق لمجريات الأمور لتضميد الجراح، فعلى القنوات الإعلامية أن تكون بمستوى المسؤولية على كشف الحقائق وإزاحة الستارة عما تضمره من الخفايا، منتهجة النهج الذي أقدمت عليه فضائية " البغدادية " في العديد من برامجها بكشف ما يُخفى على المواطن العراقي بكافة انتماءاته المذهبية والقومية والإثنية دون مفارقة بين زيد وعبيد، أو بين كلدو وآشور بدلالة الحقائق التي يستعرضها برنامج "التاسعة " وبرنامج& " حوار عراقي " وغيرها من البرامج التي شدت الملايين لمتابعتها يومياً من عامة الشعب والساسة الذين تتوشح اكتافهم شكوك الفعل السلبي.
وفي خاتمة المطاف نرفع الدعاء آملين أن يتحقق الحلم الذي نادى به مؤسسها عون الخشلوك أثناء حديثه في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في لندن بحضور ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز حين قال " إن المسيحيين العراقيين هم أبناء العراق الأصلاء، وبدون وجودهم لا وجود للدولة العراقية "، وأن يتحقق ما ناشد به& شاعر العراق الأكبر الجواهري حين قال:&&
لعل يوماً عصوفاً جارفاً عرَمـاً&&&&&& آتٍ فـُتـرضيك عقـباه وترضيني

كاتب اشوري عراقي