يكاد اليأس يكتسح كل مابقي لدينا من ضآلة تفاؤل وغدَا أملُنا ضائعا مثل أعمى لايستطيع الخروج من المآزق الجمة والمتاهات المتشابكة التي تنغّص حياتنا والأكدار التي تثقل صدورنا ، حتى عيوننا اغمضت أجفانها ولم تعد تتطلع الى افق مشرق قد يأتي يوما ما ، أو بصيص ضوء يخترق القتامة والظلام الدامس الذي يغمرنا
ماكلّ هذه المرارات التي نذوقها وهذه الرياح الغبراء التي تعصف بنا ؟!
ايّ وطن هذا الذي طمس اية بارقة امل فلا يعرف يوما للمرح او فسحة ولو صغيرة من الهناء والسعادة حتى صارت أعياده مزارات للقبور ومناسباتها الدينية والدنيوية مناحات للطمِ الخدود وتمزيق الصدور بكاءً ونحيبا لاينقطع !
بالامس فجعنا بمجازر جماعية طالت فتيانا وطلبة متدربين في معسكر " سبايكر " يعدّون بالآلاف قُتلوا كلهم بدم بارد ولم ينجُ منهم سوى بضعة أنفار لايتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة ، قتلوهم وأغرقوا جثثهم في النهر وتركوا البقية الباقية موتى في العراء دون دفن والى الان مازالت عوائلهم تستصرخ المنطقة الصامتة المسماة بالمنطقة الخرساء لمعرفة اسباب قتلهم بهذه البشاعة ومطالبتهم بتفسير لما حدث ومعرفة الجناة والقتلة ومن يسّر لهم تنفيذ هذه الإبادة ولم يصغِ اليهم احد حتى بالمطالبة بتسليم جثثهم ليتم دفنها لكي تهدأ قلوبهم ولو قليلا
وقبل هذا الحادث الجلل اكتسحت برابرة داعش وابتلعت الموصل ثاني أكبر محافظات العراق كلها بيوم واحد دون قتال في عملية مدبّرة غازية لانعرف الى الان سرّ هذه الغزوة والأصابع الخفية التي اشارت الى مكامن الضعف والهزال والخيانة وهربت الرؤوس الحاكمة زرافاتٍ ووحدانا لتحتمي في كردستان وتركت رعيتها خانعة مستسلمة والسعيد السعيد من اهل المدينة من فرّ بجلده وآوته مخيمات النزوح ، اما القادة العسكريون الكبار حماة الحمى وماسكو اعلام الميمنة والميسرة والذين كانوا يستعرضون عضلاتهم امام الملأ تفاخرا ، فقد ألبسوهم الدشاديش ونزعوا عنهم شرفهم وملابس الكاكي في استسلام تنكّري غريب الاطوار لم نشهد قبله مثيلا لا في تاريخ المعارك قبلا ولا في العصرالحديث وربما لم نشهد مثل هذا الخنوع مستقبلا اذا أطال الله في عمرنا وعمر احفادنا
يحدثنا اصدقاؤنا الموصليون عبر الهاتف بين فترة واخرى عن اسواق تدار كل حين تمتهن بيع السبايا من إناثنا& اتباع يسوع المسيح والنسوة الايزيديات في عروض اوكازيون بخسة لاتتعدى اسعار النسوة عن 400 دولار اميركي للحم انثوي حلال يعرض على الملأ الجائع للجنس لتكون تلك النسوة مما ملكت ايمانهم وجواريهم وحالما يشبعون من السرير ؛ يأتي دور الانتقام ؛ فيجرّ الناس الشرفاء من بيوتهم وأماكن اختبائهم ليعدموهم رميا بالرصاص بذريعة انهم كانوا منتسبين الى القوات المسلحة وكانوا يتعاونون مع السلطة
وامام كل هذه الكوارث التي لاتحتمل يبلغ الصلف والوقاحة بساستنا الى افراغ البلاد مما بقي لديه من مال فاستحوذوا على ميزانية البلاد& لهذه السنة / 2014 وأفرغت الخزانة التي تجاوزت المئة مليار دولار دون ان نرى اثرا معماريا أو صرحا بارزا او مساعي اقتصادية لتنمية الصناعة او الزراعة وجلّها مصروفات توزعت بين هبات ورواتب خرافية لرجال السلطات الثلاث والجيش العرمرم الهزيل الواهن والشرطة والأجهزة الامنية التي لم تستطع طوال السنوات الماضية ان توطدّ ولو جزءا يسيرا من الامن والأمان لإراحة بال المواطن لكنها بارعة في غلق الطرقات وتضييق الخناق على أحياء المدن ونصب نقاط التفتيش الكثيفة على المواطن البسيط وحجز الشوارع وتضييقها وغلقها بالجدران الكونكريتية ، ولااعتقد اننا سنقرّ ميزانية السنة المقبلة على الاقل في القريب العاجل فمازالت الجيوب الكبيرة لم تملأ بعد وتحتاج الى المزيد لتعبئة جوفها خاصة وان هاجس انخفاض اسعار النفط بدأت تقضّ مضاجع المسؤولين السرّاق والناهبين واحتمال ان لاينالوا حصة الاسد كما تعوّدوا في السنوات السابقة فابتكروا خدعة الفضائيين السيئة الصيت للسطو على ماتبقّى من اموال في قوائم حسابات لجنود وهميين
ماذا ننتظر بعد ، وهل خيبةٌ أكثر ايلاما من هذا الذي يحصل ، هل قلوبنا اضحت صخورا حتى تنهال كل هذه الفؤوس والمعاول الهائلة القوة عليها ، فمهما كتبنا وعرضنا وكشفنا التفاهات والخزعبلات التي تعمّ البلاد ونفايات العقول البذيئة والشخوص غير الحكيمة التي بيدها الحلّ والعقد لانصل الى عشر معشار الويلات والانحطاطات والإسقاطات التي تركبنا نحن ذوو الظهور الحانية ، مفخخات وتفجيرات دائمة لاتنقطع ولاتهدأ على طول الخط وفي كل الاوقات بحيث تجاوزت 67 الف تفجير طوال السنوات التي تلت الاحتلال وليتبصّر القارئ الحصيف بهذا الرقم المهول منذ الغزو الاميركي حتى نهاية سبتمبر من هذا العام ومازالت الحسّابة تحسب ، وعمليات تهجير لمدنٍ بكاملها وأحياء بكثافة بشرية ترغم على ترك مناطقها وبيوتها بقوة السلاح والرسائل المرعبة والتبشير بالموت المحقق ان لم تترك مسكنك خلال امد قصير لايزيد عن ساعات هذا عدا النزوح الجماعي واللجوء الى المخيمات هربا من برابرة القتل وأمراء الحروب وقادة المليشيات وصغار القتلة المأجورين بثمن رخيص جراء كل عملية قتل ، هذا ماعدا الافواج الهائلة ممن نزحوا من المناطق التي تسيطر عليها داعش والذين يقارب اعدادهم عن المليونين وربع نازح يعيشون الان بين مطارق الإذلال والإعانات الشحيحة وسندان الجنرال شتاء ببرده القارص في خيام لاتحمي من مطر وارض أوحلتْ وكل هذا القهر والمرار ولجنة تقديم المساعدات لهؤلاء النازحين تحوم حولها شبهات فساد حيث تردنا الاخبار المفجعة عن موت اطفال في زمهرير الشتاء بسبب النقص الحاد في الادوية والأغطية وابسط مستلزمات الحماية من البرد وعدم وجود ملاذات حصينة لحمايتهم من غضب الطبيعة وفقدان المأوى الذي يؤمن لهم حياة مطمئنة في حدها الادنى على الاقل حتى قيل ان البعض من هؤلاء النازحين ينامون في العراء وعلى الارض المبللة بمياه الامطار ويلتصق بالسبخ والأطيان
ايّ وطن هذا بكنوزه الوفيرة على الارض وأكثر من ستة ملايين عراقي تحت خط الفقر ومايقارب الثلاثة مليون عراقي مشتت في المنافي البعيدة والقريبة ومن بقي فيه يرتجف خوفا وهلعا حينما يخرج لقضاء مصالحه ولايدري متى يطاله الانفجار ويمزقه ويحيلهُ اشلاء متناثرة وقد تترصده عصابات الخطف ليحشر في حقيبة السيارة دهسا وركلاً بالأرجل ويبقى رهنا ووديعة بين المجرمين ريثما ينالوا فديتهم ويكون سعيد الحظ لو ناله نصيب وفير من العذاب والألم والجوع بدلا من قتله ورميه قريبا من حاويات النفايات بعد ان ينالوا حظوتهم من الفدية
ايّ وطن هذا وشعبه في طوفان هائل من الجهل والأمية قاربت انسان ماقبل التاريخ وفي عصر الكهوف يتلاعب بعقولهم رجال دين ينبشون في ماضٍ سحيق ويحيون العظام الرميم ويتخذونها مزارات وأضرحة وزوايا للبكاء والدعاء والتقديس لشيء مضى وانقضى ليتخاصم عليها هذا الطرف او ذاك اذ حوّل سياسيو الغفلة الدينَ الى لافتة وموكب عزاء وحسينيات تتنابز بالالقاب مع مساجد تشتم وخطباء جوامع موتورين ومنصّات احتجاج يتبادلون الاتهامات مع بعضهم البعض والناس يصغون الى حنق الكلام المليء كراهة وحقدا وضغينة لتعبئتهم وشدّ أزرهم وشحنهم لمعارك طائفية مقبلة
رجال دين انغمسوا في السياسة وركبوا الموجة ولملموا المنتفعين والطامعين من سياسيي الظروف الاستثنائية مما نسميهم سياسيي الغفلة فمارسوا المناكفات وامتهنوا اختلاق النزاعات وتصنيع الفتن وتأجيجها وصبّ الزيت على النار ليتلذذوا بالدماء وينفثوا حقدهم على الاخرين المخالفين ويُلهون هذه العقول العمياء ليتسنى لهم السرقة بهدوء وأناة طالما ان اتباعهم منشغلون بالصراعات التي لايريدونها ان تنتهي كي لايسأل الشعب عن ثرواته اين مآلها وكيف نهبت ومن سرقها وأمراء حرب يتحكمون في كل مفاصل الحياة ومنهم نفذ وأحكم قبضته على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ووزارات بيد هذا وذاك تم تقسيمها وفق محاصصات دون اي اعتبار للشخوص القائدة ومدى خبراتهم وقدراتهم التكنوقراطية ورقيّهم العلمي سوى ارضاء الاطراف وإسكاتهم خوفا من ان تعلن ميليشياتهم الحرب عليهم وتؤجج اتباعهم
وبين هذا الوضع وذاك الحال يقف المواطن في الملعب ليراقب الكرة& يتقاذفها اللاعبون الماهرون بضربة جزاء شيعية& وضربة زاوية سنيّة ورمية تماس كردية وكأننا في ساحات رفع الاعلام الطائفية والعرقية نهلّل لهذا ونصفق لذاك& وكلٌ يتحيّز ويميل طربا وإعجابا واصطفافا لم نر اكثر بذاءة لاستغباء الناس وقيادهم بهذه الالاعيب الدينية والمذهبية لخلق حالات من الكراهية بين ابناء الوطن الواحد وقدسيات مزيّفة لمكوّنات مجزأة بحيث يجعلون الملأ لايطيق احدهما الآخر كونه مختلفا عقائديا وإثنيا وعرقياً عن المكوّن الاخر
لست ممن يصيبه اليأس على حين غرّة واحاول وسط كل هذا الظلام الدامس ان ابحث عن بصيص ولو كان خافتا او خيط ابيض اتلمسه في خضم هذا السواد المتشابك وغالبا مااغالط نفسي وأكابر أملا في بحبوحة هناء مهما كانت ضئيلة او هدأة اعصاب مع كل هذه الجلجلة المرعبة والهدير المخيف ، لكني لم افلح فقد طمى الركبُ حتى غاصت الركَبُ
ماذا تسمّي دولة بلا مؤسسات ترتكز عليها ، تفتقد السيادة وثرواتها بيد البلى نهبُ مفككة الحدود ومشرعة الابواب للغزاة والعابثين بلا حراسة ولا عيون تترصّد ولا رباطة جأش ، مطارات لهبوط الطائرات المجهولة المصدر والمحملة بالسلاح لبرابرة داعش وحدود بلا خفراء ، وشاحنات آتية من وراء الحدود ومن الاصقاع البعيدة والقريبة محملة بالقذائف والصواريخ والمال توزع علانية للمسلحين وأرض ينخرها سياسيوها ويفككها شعبها ويريد تجزئتها وتتوسل الجوار وغير الجوار لنصرتها ولا من ناصر
هذه البلاد اصبحت بلا حَمِيٍّ ، بلا نوحٍ يعصمنا من طوفانٍ آتٍ لامحالةَ طالما أوكل أمر العراق للصوص وباعثي الكراهية ومشيعي الموت ومروّجي العداوات والبغضاء وأسلموا عقول الناس للجهّال وحاملي معاول الهدم
ولااخفي ان الامل والتطلع الى مقبل ناصع قد انتكس في رؤوسنا وبدأ اليأس يدبّ في اوصالنا وكم علينا ان نترقب تنبؤ ماقال المعرّي منذ قرون مضت :
الارض للطوفان توّاقةٌ _______ كأنها من دَرَنٍ تُغسَلُ
وحده الطوفان المنقذ المعجِز المخلِّص الناجي وهو المعجزة التي تنتشلنا في زمننا هذا الذي انعدمت فيه المعجزات وغادرتْنا الى غير رجعة
- آخر تحديث :
التعليقات