خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، والرجل الأول في الدولة، يرقص الأن رقصته الأخيرة، على مسرح الحياة السياسية في إيران، إن لم يكن بسبب مرضه الذي قد يكون الأخير، كما أشارت بعض التقارير الهامة، فبسبب سنه الذي قد تجاوز 75 عاماً.فرغم محاولات النظام أن يحافظ على ما تبقى من هيبة الرجل أمام شعبه، خاصة بعد الجراحة الأخيرة التي أجراها سبتمبر الماضي، والتي اضطر النظام آنذاك أن يعلن لأول مرة أن المرشد الأعلى، سيجري جراحة بسيطة في البروستاتة، وأنه لا خوف عليه.في محاولة مستميتة لنفي الشائعات التي تحولت إلى حقائق، بأن هرم السلطة في إيران، قد انهار تماماً.ومع ظهوره المكثف الذي أعقب الجراحة، لكن الأمر لا يتعدى صحوة أخيرة لموت بات وشيكاً.فالجميع تيقن الأن أن مرشد الثورة الإيرانية، وقائدها الأعلى، إنسان عادي، يمرض ويموت، وليس من الخالدين.وبوفاته، تنفتح إيران على العديد من الأسئلة، والصراعات السياسية التي قد تزلزل نظام ولاية الفقيه من أساسه.

خامنئي مرشد فض الاشتباك:
إيران منذ قيام ثورتها الإسلامية عام (1979)، بقيادة (آية الله الخُميني)، وهي دولة الفرد الواحد، الممسك بكل خيوط الحياة السياسية والاجتماعية.في البداية لعب (الخميني) هذا الدور بكفاءة منقطعة النظير، إلى وفاته عام (1989)، هنا مرت إيران بأخطر منعطف السياسية على الاطلاق، فالقائد الكاريزمي، الذي اعتبر نفسه نائب للإمام الغائب ـ طبقاً لفكرة ولاية الفقيه في المذهب الشيعي ـ قد اختفى، تاركاً وطن بأكمله في مهب الريح.وبعد مرحلة خطيرة للغاية من الصراعات بين آيات الله على اختلافهم، قرر (مجلس الخبراء) وهو (المجلس المنوط به دستورياً مراقبة كافة مؤسسات الدولة، وعزل المرشد وتعينه، والمكون من 89 عضواً منتخبين) تعيين أقل أفراده علماً وحضوراً، في هذا المنصب الحساس، وهو (حجة الإسلام علي خامنئي)، خلفاً للـ(خميني).
كان تعينه مفاجأة للجميع، فهو رغم نضاله الثوري مع الإمام الخميني، ورغم رئاسته للجمهورية الإيرانية، في أصعب الفترات، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن النظام الإيراني قائم على حكم رجال الدين، ويتم اختيارهم في المناصب بناء على مكانتهم الدينية، تلك المكانة التي افتقدها (خمانئي) في ذلك التوقيت، ولكن الهدف كان أعمق من ذلك، فالصف الأول من آيات الله، قرروا ألا يتصدروا المشهد السياسي بعد وفاة (الخميني)، خشية عدم القدرة على شغل الفراغ السياسي الذي خلفه رجل في حجمه.لذا كان الحل الأمثل، أن يتصدر من هو أدنى، ويظلوا هم يديروا الأمور من خلف حجاب، وتم ذلك بدعم من رفيق النضال والدرب (هاشمي رفسنجاني)، ثعلب النظام، وصانع الزعماء، صاحب الأيادي البيضاء في بناء الدولة الإيرانية الحديثة (دولة الفقيه)، وما زال يملك العديد من أوراق اللعب إلى الأن.ولكن ومع مضي السنوات، قويت شوكة خامنئي، وأصبح الأكثر قوة ونفوذاً، وقدرة على المناورة، داخل أروقة السياسة. ليس فقط بحكم صلاحيات منصبه ولكن بدهاء سياسي، عوض به ضعف حضوره أو فقدانه لشخصية الزعامة كما سلفه (الخميني).
اعتمد خامنئي منذ الوهلة الأولى في حكمه، على المؤسسة العسكرية، ولا أقصد هنا مؤسسة الجيش الوطني، فهذا قد تم حله تدريجياً بعد الثورة، و تحييد المتبقي منه . ولكن المقصود هنا، مؤسسة (الحرس الثوري)، والتي نشأت أثناء الحرب العراقية الإيرانية كقوات تعبئة شعبية، وتحت إشراف (خامنئي) نفسه، حينما شغل منصب رئيس الجمهورية، وبالتالي حاول تحييد سلطان رجال الدين، أمام سلطة الحرس الثوري، الذي تعاظم دوره السياسي والاقتصادي بعد انتهاء الحرب.وبلغ القمة أثناء أزمة 2009، وانتخاب الرئيس السابق (أحمدي نجاد) لفترة رئاسة ثانية، واستخدام الحرس الثوري كأداة لقمع الحركة الخضراء المعارضة.
فإن توفي خامنئي، في أي وقت، سيتدخل الحرس الثوري بقوة في اختيار المرشد الجديد، بالإضافة بالطبع لمجلس الخبراء. فالنظام السياسي في إيران، قد تشابكت به سلطات الحرس الثوري ونفوذه، مع سلطة رجال الدين وسطوتهم، أي أصبح مزيجاً غريباً من العسكرية المقدسة. فبموت خامنئي الذي أصبح وشيكاً، ستبدأ فصول أخرى من الصراع بين آيات الله بعضهم البعض، من جانب، وبينهم مجتمعين والحرس الثوري من أخر.

الفصل الأول:ذئاب مجلس الخبراء وحرب تكسير العظام:
ينص الدستور الإيراني، في مادته رقم (107) من دستور (1979)، أن مجلس الخبراء يقوم بانتخاب المرشد الأعلى للثورة، وحسب المادة (111)، يحق له عزله، إذا ثبت عجزه عن أداء واجبه.فتبعاً للتشريع الإيراني، يحق لمجموعة من الفقهاء ـ وعددهم (89) يتم انتخابهم كل ثمان سنوات، بعد موافقة ( مجلس صيانة الدستور) وهو المجلس المنوط به الموافقة على المرشحين سواء للبرلمان أو لمجلس الخبراء.وعلى رأسهم (12) عضو يُعين ستة منهم بالأمر المباشر من المرشد ـ أن يحددوا من يصلح ليشغل منصب (الولي الفقيه).
وبناء على ذلك، تنحصر دائرة الصراع بين مختلف الأطياف السياسية، داخل مجلس الخبراء، أو بمعنى أدق في الوصول لرئاسة المجلس، والتي تتم بالانتخاب المباشر بين الأعضاء، وبدعم من المرشد .وإيران تمر الأن بحالة فراغ سياسي بعد وفاة آية الله (مهدوي كني) الشهر الماضي، رئيس مجلس الخبراء والبالغ من االعمر (83) عاماً، وأحد رموز التيار المتشدد، ومن أهم المشاركين في أحداث ثورة 1979. وبالتالي أصبح المجلس المنوط به تعين الولي الفقيه من بين أعضاءه، بلا رئيس.والأهم أن (مهدوي كني) كان من أهم الرموز المرشحة لشغل منصب أهم رجل في الدولة، رغم كبر سنه.وبوفاته احتدم الصراع بين أعضاء المجلس ليس فقط على رئاسته، ولكن على قيادة الدولة بأكلمها، في مشهد يذكرنا بالمجالس الكهنوتية الدينية في العصور الوسطى، حينما كان رجال الدين يختارون من يحكم، ويحكمون هم من خلف ستار القداسة.
من أهم الرموز المتصارعة على رئاسة المجلس، وبالتالي الدولة ككل بعد وفاة المرشد:

1ـ هاشمي رفسنجاني (ثعلب النظام): صانع الملوك، مهندس السياسة الإيرانية طوال الثلاثين عاماً الماضية، فقد كان من المقربين إلى المرشد الأول (آية الله الخميني)، والمشاركين في بناء الدولة الحديثة، وشغل منصب رئيس البرلمان في عهد الخميني، ثم رئيس الجمهورية لفترتين كاملتين في عهد (علي خامنئي)، ويشغل الآن رئيس (مجمع تشخيص مصلحة النظام)، وكان رئيس (مجلس الخبراء) قبل أن تنتهي دورة رئاسته له، ويسحب ترشحه أمام (مهدوي كني) المدعوم من المرشد خامنئي.يشكل رفسنجاني خطورة حقيقية على المشهد السياسي في إيران، فالرجل له تاريخ طويل في هندسة النظام، ولا يستهان برغبته في الوصول إلى أعلى المناصب الرسمية في الدولة، فهو من أكثر المرشحين خطورة، وإن لم يكن أوفرهم حظاً، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن رفسنجاني بلغ من العمر حوالي ثمانين عاماً، بالإضافة إلى دعمه المباشر للحركة الإصلاحية أثناء تظاهرات 2009، وإلى الأن، والحقيقة أن هذا الدعم الذي قدمه رفسنجاني إلى رموز المعارضة آنذاك (مير حسين موسوي ومهدي كروبي)، لم يكن لوجه الله، فرفسنجاني مصنف سياسياً تبعاً للتيار المعتدل، ولكنه على المستوى الاقتصادي، أميل إلى الفكر الرأسمالي الاحتكاري، وله تجارته الخاصة وسطوته على البازار (السوق التجاري) في إيران، وبالتالي قدم دعمه لمعارضة (أحمدي نجاد)، في محاولة للحد من السطوة الاقتصادية التي نالها الحرس الثوري في فترة رئاسة (نجاد).ولكن ومع فشل الحركة الخضراء، ووضع رموزها تحت الإقامة الجبرية، خسر رفسنجاني الكثير من سمعته السياسية، وانهالت على اتهامات بالعمالة والخيانة، بل نادى بعضهم وعلى رأسهم آية الله (أحمد خاتمي) أحد أهم رموز التيار المتشدد، والمقرب من المرشد، إلى محاكمة رفسنجاني مثل بقية رؤوس الفتنة.لكن رغم كل ذلك يظل له نفوذه الخاص داخل الدوائر السياسية المقربة، فهو قاب قوسين أو أدنى من منصب الولي الفقيه، إن تمكن من نيل رئاسة مجلس الخبراء.

2ـ سيد محمود شاهرودي(العراقي المرشح لحكم إيران): أهم رجالات الدين البارزين على الساحة الإيرانية، وشغل منصب رئيس (السلطة القضائية)(2000ـ 2010)، وهو من صقور النظام، والمرشح لشغل منصب رئيس مجلس الخبراء، والأهم منصب المرشد العام للثورة، سنه لم يتجاوز الـ (66) عاماً، ويعتبر الأوفر حظاً، إن تم التجاوز عن أصوله العراقية، فقد ولد في النجف في العراق، ونال قيادة حزب الدعوة الإسلامي، ثم تم اضطهادة من قبل نظام صدام حسين، وهاجر إلى إيران، وهناك نال العديد من المناصب، وأصبح من الدائرة المقربة، وصانع القرار في العديد من القضايا المفصلية.هو الأقرب إلى التيار المتشدد، ويتمتع بتوافق كبير بين مختلف الأطياف داخل الأروقة السياسية.

3ـ محمد تقي مصباح يزدي (الوجه الأكثر تشدداً): حوالي عام 2010، صرح مصباح يزدي قائلاً: (إذا وضعنا نِعَم الله في كفة والولي الفقيه في كفة أخرى لرجحت كفة الولي الفقيه).يعتبر مصباح يزدي من أكثر الوجوه تشدداً على الساحة الإيرانية، وكان من أشد المناصريين لتوجهات الرئيس السابق (أحمدي نجاد) التي ادعى خلالها أنه ملهم من قبل المهدي المنتظر مباشرة، يعتبر (يزدي) من المقربين إلى الحرس الثوري، وهناك شبه اجماع بين صفوف القادة على توليه قيادة الدولة الإيرانية، لكن هذا التقارب أفقده الكثير من دعم آيات الله. يعتبر من المعارضين الأشداء لأي توجه إصلاحي، أو حتى معتدل.خاض العديد من المواجهات مع (هاشمي رفسنجاني) وتوجهاته الاقتصادية والسياسية.يشغل الآن منصب النائب الثاني في مجلس الخبراء، بعد (شاهرودي) النائب الأول.ويحاول الحرس الثوري أن يقدمه كمرشح يمثله في رئاسة مجلس الخبراء، وبالتالي قيادة إيران إن نال منصب الولاية.

4ـ صادق لاريجاني ( عصا خامنئي الباطشة): (مواليد 1960):يشغل الآن منصب (رئيس السلطة القضائية)، وعضو مجلس الخبراء، ويعتبر من أشد المخلصين للمرشد (علي خامنئي)، والمنفذ للعديد من رغبات خامنئي في قمع المعارضة، فهو من أصدر قراراً بوضع رموز المعارضة تحت الإقامة الجبرية، واعتقال القاعدة الشبابية من الحركة الخضراء.فرغم أن الدستور الإيراني يؤكد على استقلال السلطة القضائية في إيران، إلا أن الواقع يجعل من المرشد الأعلى، صاحب السطوة الكاملة على كل الأحكام القضائية التي تصدرها السلطة، بل تتعقد الأمور بوضع السلطة القضائية تحت سيطرة غير مباشرة للهيئات الأمنية والاستخباراتية والحرس الثوري.كل هذا جعل من (لاريجاني) المقرب لكل مؤسسات الدولة، والمطلع على أكثر الملفات حساسية وخطورة.كما أن حظوته لدى المرشد تكتمل، بوجود أخيه (علي لاريجاني) في رئاسىة البرلمان الإيراني، فلاكهما ممثل لسطوة الأسرة الواحدة على العديد من مقاليد الحكم داخل إيران.
كل تلك الشخصيات، هي الأبرز في الوصول إلى رئاسة مجلس الخبراء، وبالتالي إلى منصب الولي الفقيه، لكن الخطورة الحقيقية تكمن في كم التقاطعات السياسية والفكرية التي تفصل بينهم، فإن وصل أحدهم إلى سدة الهرم السياسي الإيراني، قد تشتعل إيران سياسياً واجتماعياً، لفترة لا يعلم مداها إلا الله.مما يرجح أن يقوم المجلس خلال الفترة القادمة بترشيح اسماً جديداً خارج دائرة الصقور المتصارعين، ليضمن بقاء النظام متماسكاً على السطح، وتظل الخلافات مشتعلة في العمق بعيداً عن أعين المجتمع، والمتربصين من الخارج.

الفصل الثاني:صراع التوريث( حفيد الخميني وابن خامنئي):
برز اسم حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني(مؤسس الجمهورية والمرشد الأول للثورة الإسلامية)، على الساحة السياسية بقوة، بعد أزمة الاحتجاجات عام 2009م، حينما قرر حفيد الخميني أن يهاجم التيار الأصولي المتشدد الذي يحكم إيران، وينتقد السطوة السياسية والاقتصادية التي يتمتع بها الحرس الثوري، الداعم لرئيس الجمهورية السابق أحمدي نجاد، مما أثار حوله الكثير من الجدل، خاصة بعد زياراته المتكررة لرموز الحركة الخضراء، المفرج عنهم من المعتقلات الإيرانية.
اتهمه الأصوليون بأنه خائن لشرع جده الخميني، وعميل لدول أجنبية، ولكن ولمكانته التاريخية، لم يتمكنوا من محاكمته أو تلفيق التهم المباشرة لشخصة أو لعائلته، روغم أنه لم يشغل أي منصب رسمي داخل منظومة الحكم، وتعمد التيار المتشدد إبعاده سياسياً.إلا أن له مكانة لا يستهان بها داخل الحوزة الدينية، وبين رجال الدين المعتدلين.
تردد اسم (حسن الخميني) الأن بقوة ونحن على مشارف تغيرات جذرية على الساحة السياسية، ليحمل إرث جده القديم، بوصفه الأكثر اعتدالاً وقبولاً بين الأغلبية المتعدلة من رجال الدين، والأقرب إلى العقلية الشعبية، كما أنه يملك الكثير من كازيمية جده وحضوره، ولا يشكل عنصراً فعالاً في العديد من المعادلات السياسية المعقدة بين صقور النظام، فهو يُعتبر وجه أكثر اعتدالاً وقبولاً، إن أراد النظام أن يُجمل وجه المتشدد القبيح.ولكن تظل إشكالية صراعه مع سطوة المؤسسة العسكرية، تشكل خطراً حقيقياً على قبوله كوجه جديد بملامح قديمة، يحمل راية الدولة الإيرانية بعد وفاة الكاهن الأكبر علي خامنئي.
المثير في الأمر أن خامنئي لم يُعين له نائباً، أو يرشح اسماً من رجال الدين المقربين إليه، ليحل محله حال وفاته أو اعتزاله منصبه لأي سبب، مما يعكس حالة انعدام الثقة بين خامنئي ورجاله من آيات الله، و يفتح الباب على مصراعيه، لجملة من الصراعات الخطيرة بين مختلف الأجنحة السياسية داخل إيران، سواء تيار التشدد أو الاعتدال، أو من تبقى من التيار الإصلاحي، فرغم ما يبدو عليهم من وحدة الصف إلا أنك تراهم جميعاً وقلوبهم شتى.
فقد ظل الرجل ممسكاً بكل خيوط اللعبة إلى النهاية، مسيطراً على كل مفاصل الدولة، كما ينص الدستور الإيراني الذي يمنح (الولي الفقيه) سلطة مطلقة على كل شئ، بداية من إعلان قيام الحرب، والتصديق على تعيين رئيس الجمهورية، وصولاً إلى الموافقة على قرارات البرلمان، والفصل في المنازعات بين السلطات، بل إن حدث أي تعديل في الدستور، فلن يتم إجازته إلا بموافقته، كما تم في تعديلات دستور 1989.فكل جوانب الحياة السياسية في إيران، تكتسب شرعيتها الحقيقية من المرشد (الولي الفقيه) نائب الإمام الغائب، وليس العكس، الشرعية تُمنح منه، ولا يكتسبها.
تشير العديد من التقارير، إلى مدى النفوذ الذي يتمتع به (مجتبى خامنئي) الابن الثاني لآية الله (علي خامنئي) من مواليد (1969) البالغ من العمر 44 عاماً.فقد أطلق يده في أغلب مفاصل الدولة، خاصة ما يتعلق بالحرس الثوري، ومشاريعه الاقتصادية التي لا تنتهي، فقد أصبح لـ (مجتبى) سلطة (غير قانونية)، في تعيين قادة الحرس، و الإشراف على ميزانية المؤسسة العسكرية، بل ويشاع أن للرجل جهاز استخباراتي خاص به، مكون من قيادات عسكرية خارج الخدمة.كما أن له نفوذ في الحوزة الدينية في مدينة (قم)، وله علاقات وثيقة بالعديد من آيات الله المنتمين للتيار المتشدد، فرغم الغموض الذي يكتنف المكانة الدينية لـ(مجتبى)، فيقال أنه لم يبلغ بعد رتبة (حجة الإسلام)، ولهذا أهمية خاصة في الفقه الشيعي، لكن من المؤكد أن (مجتبى) يعمل على تأسيس جماعة دينية من الشباب، يؤمنون بالفكر المتشدد داخل الحوزة، ويكون ولاءهم الكامل إلى أبيه المرشد الحالي، بحيث يتم تعينهم داخل مجلس الخبراء، وبالتالي يسهل وصول مجتبى إلى منصب الإرشاد، متجاوزاً بذلك كبار آيات الله . فرجل إيران المريض، يخطط تدريجياً إلى توريث منصب الولاية إلى ابنه، خاصة بعد المكانة السياسية التي نالها أثناء التظاهرات الاحتجاجية عام 2009، ومساندته القوية لـ (أحمدي نجاد) الرئيس السابق، وبالتالي الحرس الثوري، الذي مثل عصاته الحديدية في القضاء على المعارضة بكل تيارتها.
شخصية (مجتبى) دائماً ما تثير حولها العديد من الشكوك، فهو رجل الظل، صاحب النفوذ، والذي اُطلقت حوله شائعات كثيرة، حول ذمته المالية، وحجم فساده الاقتصادي.فقد ذكر أحد قادة الحرس الثوري الإيراني (علي فضلي) في كتابه (خورشيد)، حكاية حاول بها أن يؤكد على نزاهة (مجتبى)، ولكنه ورطه من حيث لا يقصد، ومفادها، أن لندن قررت تجميد حوالي (مليار دولار)، لشبهة ارتباطها باسم ابن مرشد الثورة الإيرانية (مجتبى خامنئي)، مما أثار غضب المرشد، واستدعى السفير الانجليزي، وأبلغه أن تلك الأموال هي أموال الشعب الإيراني، ولا تمت لابنه بأية صلة، ونتيجة لارتباط لندن بالعديد من العمليات التجارية مع إيران، وخاصة مع أسرة خامنئي، قررت الإفراج عنهم.الحكاية في مجملها لا تثبت تورطه في شيء، ولكن كذلك لا تنفي، خاصة وأن الأمر برمته تم التكتم عليه إعلامياً، حتى كتبه (فضلي) في كتابه، لتبرئة ساحة خامنئي وابنه من أي شبهة.
فمكانة (مجتبى) التي نالها بالدعم المباشر من أبيه، أثارت مخاوف قوية في الدائرة القريبة من المنصب، فآيات الله الذي حملوا كيان الدولة لسنوات طوال، لن يسمحوا أن يأتيهم الأمر من سماء الولاية، ليُعين أحدهم في هذا المنصب الخطير، حتى وإن كان ابن مرشدهم.مما انعكس على طبيعة الصراع الحالي بين مختلف الأجنحة والتيارات.
فإن كان خامنئي يريد بالفعل أن يورث ابنه عرش الولاية، فعلية التغلب في البداية على رجال الدين المؤيدين لحسن الخميني، وكذلك هاشمي رفسنجاني بما له من نفوذ، ويستند بكل قوة إلى الحرس الثوري، بما قد يغير تماماً من شكل النظام الديني في إيران ويحوله إلى دولة عسكرية بخلفية دينية، حيث يحكم العسكر بغطاء ديني مقدس، أو على الأقل يقودون الدولة من وراء عباءة رجال الدين.مما ينذر ببداية انهيار دولة الإيرانية بشكلها المعروف حالياً.
&

الفصل الثالث:صراع الحرس والرئيس (انقلاب عسكري محتمل):
قدم الرئيس حسن روحاني إلى البرلمان الموازنة الجديدة للعام القادم 2015، ويعتبر البند الأكثر جدلاً في تلك الموازنة، هو الخاص بالحرس الثوري(بفصائلة المختلفة)، فقد ارتفع عن العام السابق إلى ما يزيد عن سبعة آلاف مليار طومان، أي بزيادة تتجاوز 32% عن موازنة عام 2014. فروحاني قد امتثل لسطوة الحرس الثوري المدعوم مسبقاً من المرشد علي خامنئي، خلافاً لما أعلنه في السابق عن نيته خفض مزانية الحرس الثوري والباسيج(قوات التعبئة).مما أثار ردود أفعال متباينة داخل أروقة السياسة الإيرانية.
فقد ظهرت العديد من التصريحات العدائية التي يشنها قادة الحرس الثوري، ومن خلفهم رجال الدين الداعمين للمؤسسة العسكرية مثل (مصباح يزدي)، تتهم رئيس الجمهورية بمحاولات الحد من ميزانية الحرس الثوري والباسيج (قوات التعبئة)، مما قد يهدد الأمن القومي الإيراني ـ على حد قولهم. ـوالحقيقة أن روحاني الذي يعاني من حالة تضخم كبيرة في إيران وصلت إلى 30%، والذي ورث تركة سلفه نجاد، بكل عبثة الاقتصادي، ودعمه المالي المباشر للحرس، رأى أن من أسباب حالة التضخم تلك ميزانية الحرس المفتوحة بدون حساب، بالإضافة إلى سيطرة المؤسسة على أغلب مشاريع الدولة وبنيتها التحتية، وبالتالي شرع في التقليل من ميزانية المؤسسة العسكرية في الميزانية الجديدة، وبمجرد أن وصل الأمر إلى الحرس، هددوا ضمنياً بالتصعيد إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.
يخوض الأن الحرس الثوري حربة الأخيرة قبل انهيار خامنئي مع الرئيس الحالي لإيران (حسن روحاني)، فلدى روحاني مشروع اقتصادي مختلف تماماً عن الذي طرحه سلفه (أحمدي نجاد)، فالرجل أكثر ميلاً للمفهوم الرأسمالي في الإدارة، ويعمل على طرح مشروع خصخصة المؤسسات الكبرى في إيران بقوة خلال الأشهر السابقة، مع محاولاته الدائمة لفتح باب الاستثمار الأجنبي، والغربي على وجه التحديد، خاصة والدولة بأكملها في ظل مفاوضات الملف النووي الإيراني، وانفراجة سياسية واقتصادية قد تحدث بين لحظة وأخرى، إن وصلت إيران إلى تسوية جيدة، تتمكن بواسطتها اسقاط أو على الأقل الحد من العقوبات الدولية المفروضة على إيران.مما قد يهدد امبراطوية الحرس الثوري الاقتصادية وبالتالي السياسية.
ولكي ندرك امبراطورية الحرس الثوري بشكل جيد، علينا أن نشير إلى ما حققته تلك المؤسسة من مكاسب في عهد الرئيس السابق نجاد، فقد سيطرت على ما يقارب ثلث الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى حق الإدارة المباشرة لأهم آبار النفط في جنوب إيران والتي تقع مباشرة على الخليج العربي، مع تحييد الجيش الوطني وإزاحته بالكامل إلى الشمال الإيراني.معظم مشاريع البنية التحتية من كباري ومنشآت وخطوط غاز وتمهيد طرق، وغيرها تحت يد الحرس الثوري.كما عمد نجاد أثناء فترة حكمه إلى عزل معظم الموظفين التكنوقراط من إدارة المؤسسات الكبرى في إيران، والاعتماد على لواءات متقاعدين كبديل يدين له بالولاء.والأهم من كل هذا، سطوة الحرس السياسية على مجريات الأمور في إيران، ودورهم كلاعب رئيسي في اختيار المرشد الجديد، خلفاً لعلي خامنئي، بالإضافة إلى المحاولات الدائمة من قيادات داخل الحرس الثوري، إلى تحييد دور الحوزة الدينية في (قم)، والحد من سلطة رجال الدين.فنحن تقريباً نتحدث عن دولة داخل الدولة، أو بمعنى أدق الدولة الإيرانية في طريقها إلى التحول إلى دولة شبه عسكرية، إن لم يتمكن (روحاني) من السيطرة على الطموح الجامح لقيادات المؤسسة العسكرية.
فأحمدي نجاد الذي تم إزاحته سياسياً بنهاية مدة رئاسته، ما زال له حضور لا يستهان به داخل الدولة الإيرانية بواسطة علاقاته القوية داخل مؤسسة الحرس الثوري، بل أن نجاد يحاول أن يعود ثانية للحياة السياسية عن طريق تخطيطه لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة 2015، سواء بشخصه أو ممن يمثلة من مناصريه وأعوانه، مما صعد حدة الصراع بين البرلمان الحالي(برئاسة علي لاريجاني)، وأحمدي نجاد، فوجه البرلمان اتهام مباشر حكومة نجاد بفساد مالي لما يقارب 300 مليون دولار، في فترة رئاسة نجاد الثانية، واستدعى عدد من وزراء حكومة نجاد السابقين للاستجواب في البرلمان.فسياسة أحمدي نجاد الاقتصادية التي اتسمت بالشمولية، وانعدام التخطيط الواضح، وضع البلاد بأكملها على حافة الانهيار الاقتصادي، وفتح أبواب لا يُستهان بها من فساد مالي داخل أروقة الدولة.
كل ما سبق يشير بقوة أن مؤسسة الحرس الثوري، سيكون لهم الكلمة الأخيرة في اختيار المرشد القادم، وبالطبع لن يقع اختيارهم على رجل بحجم (هاشمي رفسنجاني) الذي يعارض نفوذهم الاقتصادي بقوة، ويدعم الرئيس (حسن روحاني) في سياسته الخارجية والداخلية.أو أي من ممثلي التيار الأكثر اعتدالاً أمثال (حسن الخميني).فإن لم يتم تقديم شخصية توافقية تحل مكان خامنئي، فسوف يختار الحرس رجل دين موالي لهم، مثل (مصباح يزدي) أو شخصية ذات نفوذ قوي، مثل رجل الظل (مجتبى خامنئي).ففي النهاية للقوة العسكرية كلمتها الأخيرة في ظل الصراع على مؤسسة الولاية، وتعين رجل إيران الأول.وإلا قد يقلب الطاولة لصالحه تماماً بانقلاب شبه عسكري، يطيح من خلاله بكل الرموز الدينية المعارضة لسطوته السياسية والاقتصادية من الأساس، ويفرض كلمته الأخيرة على الساحة الإيرانية، ليحكم بشكل مباشر أو من وراء حجاب يجمع فيه بين قدسية الدولة الدينية، وقوة الحرس العسكرية.

الخلاصة: إيران تمر الأن بمرحلة مخاض سياسي خطير، فإما أن تمر بسلام على الجميع، وإما أن تنسحب إلى صراعات قد تؤدي إلى انهيار الدولة ككل، والدخول في مرحلة مصادمات لا تنتهي على المستوى الاجتماعي والسياسي، فإيران ما بعد (خامنئي) لن تكون كما تعودنا عليها.الأمور تسير إلى مزيد من التطرف والحدة والاستقطاب السياسي بين مختلف التيارات المتصارعة على جثة الولي الفقيه.مما قد ينعكس على الساحة الإقليمية والعربية بشكل سلبي، إن لم تتوحد القوى الإقليمية في المنطقة، وتخلق لها كياناً سياسياً يعتمد على المصلحة والمصالحة، فإيران دولة أخطبوطية، ذات نفوذ متشعب في أكثر من اتجاه، وأي تغير يطرأ على سياستها الداخلية، خاصة بحجم أزمة المرشد الجديد، يؤثر مباشرة على كل مناطق النفوذ التي تحتلها إيران.
[email protected]
&