يطلق "الثوار" مصطلح "الفلول"، على من يوصفونهم بأنهم رجال نظام مبارك، والجماعات الملحقة به، والمستفيدة من فساد عصره. وهو التوصيف الذي يسوغ لهم صراخهم الدائم، مطالبة باستئصالهم من الحياة السياسية، انتصاراً لثورة يدعونها، وينصبون أنفسهم ملاكاً لها. لكن الواقع السياسي والاجتماعي على أرض مصر، يشير إلى هؤلاء الذين قد يصح تسميتهم "الفلول"، لا يقفون في الساحة السياسية منذ هوجة 25 يناير 2011 وما بعدها وحدهم. وإنما يشاركهم الرؤية والمواقف، من يصح تسميتهم "قوى الدولة والمجتمع التقليدية"، التي تشمل سائر مؤسسات الدولة المصرية دون استثناء، إضافة إلى رجال الأعمال والعائلات الكبيرة في سائر أنحاء البلاد، ومن يسير في ركابهم من ملايين البسطاء. هذا علاوة على من يمكن تسميتهم "الطبقة الوسطى"، من موظفين وحرفيين وتجار، فهؤلاء فقط هامش بسيط منهم انخرط فيما سمي ثورة، أو يرى وجوبيتها من الأساس، والأغلبية الكاسحة، خاصة بعد ما ترتب على هذه الهوجة من كوارث، صار ناقماً عليها، وعلى من قام بها. في المقابل اتضح مع الوقت أن "الثوار"، يمكن تقسيمهم تقريباً إلى فريقين رئيسيين. أولها وأكبرهما وأكثرهما قوة وفاعلية، هم من يمكن تسميتهم "طيور الظلام"، وهم من خرج الشعب المصري عن بكرة أبيه في 30 يونيو رفضاً لهم. القسم الثاني هم مجموعات من الشباب الناقم والمتحمس للتغيير، لكنه لافتقاده لأي رؤية سياسية، التحق بزمرة من مرتزقة الشعارات البائدة، سواء كانت عروبية أم ناصرية أم يسارية. ولهوان شأن وقوة هذه المجموعة، راحت تعمل في معية "طيور الظلام"، لينالوا نصيبهم من نقمة الشعب، عليهم وعلى ثورتهم. هكذا من المتوقع للانتخابات البرلمانية القادمة، أن يستمر استعلاء "الثوار"، بجانب لعنات "طيور الظلام"، فيما يكتسح "الفلول"، أو "قوى الدولة والمجتمع التقليدية" الانتخابات، ليظل الحال على ما هو عليه، فلا ثورة قامت، ولا أمة خرجت من مستنقعات تخلفها. وعموماً وفي جميع الأحوال، فإن النخبة لا تفرض نفسها، ولكن تصنعها الجماهير. ولا مجال لوصم أي من النخبة السياسية أو الثقافية، في أي تجاه كانت، دون التقييم الذي يتناسب معها، لرؤية الجماهير وطبيعة ونوعية ثقافتها.
يمكن تلخيص المسيرة المصرية فيما بعد 25 يناير 2011 فيما يلي:
- ما حدث في 30 يونيو 2013 ثورة شعبية، صحح بها الشعب جريمته في حق نفسه وبلاده، حين سلم البلاد للإخوان المسلمين والسلفيين.
- ما حدث بعدها في 3 يوليو، كان خطوة ضرورية، أنقذ بها الجيش مصر وشعبها، من حكم العصابات الإرهابية الظلامية.
- فض اعتصام رابعة كان قراراً ضرورياً، تأخر لبعض الوقت، ربما حرصاً على دماء المصريين، وقد تم فيما أعتقد، بأقصى قدر ممكن من الحرص على دماء الأبرياء والمخدوعين والإرهابيين على حد سواء.
- بدأ بعد ذلك الحيود عن الخط المستقيم، لمسيرة مصرية نحو الحداثة والحرية والتطور، عبر الاتجاه لتعظيم دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية.
- كان ترشيح السيسي لنفسه لرئاسة الجمهورية، نقطة فاصلة، شكلت سداً مانعاً لظهور شخصيات مدنية قادرة على إدارة البلاد، لتبدأ عملية "تأميم" الحياة المصرية، بما يماثل ما سبق وقام به عبد الناصر.
- كان ظهور اللواء/ إبراهيم عبد العاطي واختراعه لعلاج الفيروسات، بداية لظهور ملامح ونوعية الرجال والسياسة التي ستسود في العهد الجديد. أحاديث عن ملايين المساكن، واستزراع ملايين الأفدنة، ثم ما سمي بمشروع "قناة السويس الجديدة"، وكلها لا تستند لأي أساس اقتصادي. علاوة على ما نراه من أداء رئيس الوزراء، الذي لا يرتقي لأكثر من أداء "ريس أنفار" لجمع دودة القطن. كل هذا وغيره كثير، يجعلنا نستشعر أن مصر الآن رهينة من يفتقدون لكفاءة إدارتها وتوجيهها، في مرحلة غاية في الخطورة.
- السيطرة شبه المحكمة الآن على كافة وسائل الإعلام، وتحولها إلى منهج التطبيل والتزمير، المعروف والممارس لدينا منذ ستة عقود، يكمل دائرة الحصار، ذهاباً إلى طريق ومصير مجهول.
كان مبارك وبحق، قائد الضربة الجوية في 6 أكتوبر 1973، كما أن السيسي وبجدارة، صاحب الضربة لقوى الظلام في 3 يوليو 2013. وكما لم يكن إنجاز الأول كافياً ومبرراً لأن نسلمه مفاتيح مصر كما فعلنا، فليتنا لا نكرر نفس الخطيئة، ونسير مرة أخرى وراء السيسي كما تسير النعاج!!
[email protected]
&