اعتزال المصوّر الصحفي البريطاني الشهير (دون ماكولين) العمل الصحفي كمصوّر مغامر عاش وسط اتون الحروب بعد عمرٍ طويل قضاه بين النيران المشتعلة في المناطق الساخنة من العالم لم يمنعه من شدّ رحاله الى سوريا قاصدا مدينة الالام " حلب " الشهباء سابقا والغبراء حاليا
ورغم شيخوخته وجسمه المنهك بعد عناء طويل قضاه في سوح الحروب كمراسل صحفي متخصص ومتمرس ان يحطّ رحاله في سوح الوغى وبؤر التوتر حيث خدم في السلطة الرابعة سنوات طويلةً مصوّرا بارعا حاذق العينين ، دقيق الملاحظة والاختيار فقد عزم هذا الرجل على ان يكون وسط نيران القنّاصة في أحياء وشوارع حلب المحتلّة اجزاء منها بيد المعارضة السورية محاولا التقاط ما يمكنه من صور ونقل مشاهد الحرب لما يجري هناك من معارك بين قوى المعارضة وجيش بشار الاسد وشبيحته وأتباعه ممن بقي في هذه المدينة ولم يرحلوا صوب الحدود التركية هاربين نزوحاً خارج سوريا ، طالبين اللجوء
ترى ما الذي يريد ان يُظهره هذا المصور الصحفي الانجليزي الذي اعتزل عمله قبل تسع سنوات بعد ان بلغ من العمر سبعة وسبعين عاما ؟؟!! ، أليس حريّا به ان يلازم بيته ويتابع مايجري بواسطة وسائل الاعلام طالما ان الشيخوخة قد أعجزته لكنه آلى على نفسه ان يقوم برحلته الاخيرة ولا يبالي بخطورة مايقدم عليه
رغم عصر" الفوتوشوب " وقلب الحقائق وانقلاب الصورة وتشويهها واللعب على الانظار فقد اثبت هذا الرجل للعالم بان الصورة مازالت " لاتكذب " فقد قال في تصريحاته خلال مغامرته الاخيرة هناك انه لم تكن امامه اية ادلّة مقنعة على حقيقة مايجري ولهذا قرر بمحض ارادته ان يخوض مغامرته الاخيرة ويذهب الى هناك وحده ليسجل ويلتقط بكامرته الصادقة المشاهد كما رآها بدون رتوش او اضافات او عمليات لقلب الصورة كما تفعل بعض وسائل الاعلام المغرضة فكلّ هدفه ان يُظهر للعالم حجم الخسائر البشرية& التي سببها الصراع العنيف الدائر في سوريا ، اما الخسائر الماديّة فلا تعنيه ابدا اذ لابدّ ان تُعوّض بمثلها أو بأحسن منها في مقبل الايام وفقا لتصوّراته وآرائه
بعد عودته الى بريطانيا قبل بضعة اشهر ؛ أرانا من خلال كامرته العجبَ العجاب حيث برع في تصوير مجموعة من الاطفال يتدافعون للحصول على الماء — نعم الماء ولاشيء غير الماء— فهذا العجوز المثابر لايأبه للدمار الذي يحلّ بالأبنية والشوارع والمخازن والبنى التحتية وغيرها بقدر مايهمه ابراز الجانب الانساني قبل كل شيء والتركيز تماما على الجموع البشرية وهي تتنازع مع الحياة بكل قساوتها وفي ظروف غاية في الصعوبة
التقطت كامرته أيضاً أشلاء المصابين التي تناثرت في اروقة وعنابر المستشفيات ورصدت عدسته كيف تموت عوائل بأكملها وتلقى حتفها حتى داخل بيوتها بفعل القذائف والصواريخ النازلة على رؤوسهم ، فهذا الكبير الهرِم رغم عجزه عن الركض والتخفّي والمناورة عن مكمن النيران كان لايبالي بمصيره امام ذلك الكم الهائل من النيران ويكتفي بسترته الواقية من الرصاص التي تحميه من النار الطائشة حيث كان هدفا سهلا وسط هذا الخضم الهائل من الأزيز المنبعث من القناصة ومع كل تلك المغامرة ؛ الا انه يقلل من اهمية وجوده هناك ويصف نفسه بانه مجرد حمامة زاجلة تنقل رسالة صادقة المحتوى الى العالم عمّا يدور هناك
وقد رصدت عيونه الرقيبة حال الناس وحاجتهم الماسة الى المساعدات الغذائية والطبية وعاب كثيرا على الغرب وعوده الكاذبة نظراً لقلّة المساعدات وانعدامها في بعض الاحيان فالطريق مقفرٌ من اية قوافل للمعونات كي تصل الى حلب وكلما تُفتح ثغرة وممرات آمنة لايصال الامدادات الطبية والغذائية يتم غلقها بفعل الشدة والكثافة من القصف الصاروخي وتفاقم المعارك بين الاطراف المتنازعة ، والتعهدات التي قطعها الغرب لتغطية حاجات الناس ذهبت ادراج الرياح فلا مساعدات طبية ولا أغذية سوى النزر اليسير الذي لايشبع بطنا انهكها الجوع ولاتطبب جرحا عميقا واسعا
ويجدر ان نذكر ان السيد / ماكولين تعرّض كثيرا الى الأذى في اوقات سابقة خلال عمله مصوّرا حربيا فقد صوّر مناطق النزاعات العسكرية في كل من افريقيا وجنوب شرقي اسيا خلال الستينات والسبعينات من القرن المنصرم وعاش في لبنان ايام الحرب الاهلية في سبعينيات القرن الماضي وقد اصيب مرّة بشظايا قنبلة هاون كادت تودي بحياته ، كما تعرّض للعمى المؤقت نتيجة تعرّضه لغاز(سي أس) ثم انه زار العراق اثناء الغزو الاميركي عام / 2003 وصوّر مشاهد مؤلمة عمّا حصل في بلاد مابين القهرين بعدها عاد اخيرا الى بلاده معتزلا عمله الا ان الظروف السياسية العاصفة في سوريا حفّزته على خوض مغامرته الاخيرة هذه حيث بقي في حلب لأكثر من اسبوع قدّم لنا مشاهد مروّعة عمّا يجري هناك ليختم حياته الصحفية بتلك المغامرة العنيفة في "خرائب" حلب بعد ان كانت مرابع للخير والجمال والبهاء

[email protected]
&