&غني عن البيان القول، ان ظاهرة الافغان العرب كانت احدى تجليات الاحتلال السوفيتي لافغانستان في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، وذهاب مجموعات كبيرة من المجادهين العرب من مختلف البلدان العربية، للقتال ضد هذا الاحتلال وبتشجيع من قبل حكوماتهم اما مباشرة او بغض الطرف عنهم، و استمرت هجرة هؤلاء الشباب طوال عقد الثمانينات ثم عودتهم الى اوطانهم دون فهم واع من قبل بلدانهم ومجتمعاتهم وكذلك معظم السلطات السياسية للتحولات الفكرية والذهنية التي طرأت على هؤلاء المجاهدين، مما حال دون ادماجهم مرة اخرى مع مجتمعاتهم، ليتحولوا فيما بعد الى بؤرة صدام وعنف عانت عدة دول عربية منها، لاسيما في نهاية لثمانينات وطوال عقد التسعينيات.

ويبدو ان ظاهرة الافغان العرب قد عادت بمظهر جديد ومكان مختلف، إذ مع تحول الثورة السورية من نمط السلم الى نمط النزاع المسلح دخلت القوى الجهادية الساحة السورية بقوة مدعومة من قبل دول اقليمية ودولية، وسماح الدول الاوربية تحديدا وتغاظيها بذهاب المقاتلين الى الساحة السورية انطلاقا من اراضيها اما لرغبة في التخلص منهم او لاعتقادهم انهم سيشكلون عاملا مساعدا في اسقاط النظام السوري وتحديدا بعد دخول ايران وروسيا كطرف فاعل لدعم هذا النظام في مواجهة الثوار.

ومع استدامة الازمة دون انتصار فريق على آخر، كان لابد من نتيجة واحدة انكفاء الصوت المعتدل وبروز التيار المتشدد وهذا مالم تدركه كثيرا من القوى الاقليمية او الدولية، التي كان ينبغي لها ان تبحث عن حل سياسي حقيقي يرضي جميع الاطراف او حتى تفرضه على جميع الاطراف المتنازعة، وهو ما ادى في المنتج الاخير الى ان تتحول هذه الازمة الى نقطة عدم استقرار للمنطقة باسرها وللعالم كله.

واذا كانت جماعات العنف بمختلف اشكالها واطيافها ومذاهبها وطوائفها، مشهد تعودت عليه الساحة العربية طوال ثلاثة عقود، فان هناك خشية حقيقية ان يصبح العنف حالة مستقرة في المشهد الاوربي، اعمق من حالة الافغان العرب وذلك يعود الى ثلاثة اسباب رئيسة، الاول : عودة الجهاديين الاوربيين الى بلدانهم الاوربية مع حصيلة من التدريب والفكر المتشدد، والثاني وجود خلايا نائمة او من المؤمنين بالفكر الجهدي داخل معظم الدول الاوربية، ثالثا مع

توافر الثورة المعلوماتية ووسائل التفاعل الاجتماعي لم يعد يقتصر كسب العناصر المؤيدة الى هذا الفكر عن طريق الذهاب الى جبهات القتال، بل اصبحت هذه الوسائل آلية مهمة في تدريب وكسب عناصر جديدة.

هذه التحديات تفرض معالجات كبرى، وليست حلولا جزئية، ويخطئ الغرب حين يتطلع الى القضاء على ظاهرة الارهاب من خلال تجفيف منابعه المتمثلة بالتمويل المالي او الحملات الدعائية، فتجفيف منابع ارهاب يتضمن حلولا جدية وشجاعة تتمثل بانهاء ازمات الشرق الاوسط ومنها القضية الفلسطينية على نحو عادل، وكذلك القضية السورية، فضلا عن محاربة حملات الكراهية التي يخوضها اليمين المتطرف تجاه الاسلام والمسلمين، ومحاولة فهم الثقافة الاسلامية واصدار قوانين محلية تشرعها الدول، ومواثيق دولية من خلال الامم المتحدة تمنع التعرض للاديان او على الاقل الانبياء بوصفها تعرض السلم الاهلي والدولي للخطر وعلى نحو ما يماثله في قضايا معاداة السامية.

ولا شك ان هذا الفعل لابد ان يقابله قعلا آخر من العالم الاسلامي يتمثل بتجديد الخطاب الديني ومحاربة التطرف ايا كان شكله ونوعه وعدم تبرير مشاهد الدم، لان تبرير الدم يعكس ازمة بنوية في اخلاقية هذا الخطاب الديني ويرسخ للعالم الصورة النمطية التي بدأت نمذجتها بمعادلة مفادها ان الارهاب حالة خاصة بالعالم الاسلامي وهو ما يتناقض مع رسالة الاسلام الانسانية. فضلا عن مراجعة شاملة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والعمل السياسي بما يضمن مشاركة اكبر للجماعات المختلفة داخل المجتمع العربي.

وليس من قبيل المبالغة ان اوربا ستشهد حوادث مماثلة في المدى القريب والمتوسط، وما سيتركه ذلك ما آثار عميقة، فلقد تمكن ثلاثة اشخاص من ان يهزو امن فرنسا واستقرارها فما هو الحال لو استمرت هذه العمليات بين فينة واخرى، وما سيعقبه من تداعيات امنية سينعكس سلبا على الجاليات العربية التي ستعاني من حالات تشدد امني وكراهية وسياسية تتمثل بصعود اليمين وما يتبعه من سياسات اكثر عدائية للمهاجرين او للثقافات المختلفة عن الثقافة الاوربية بما يزيد من عمق الازمة، ويؤسس لرد فعل اكثر من قبل هذه الجاليات او الثقافات.

&

نعم ياسادة نحن نشهد ولادة مصطلح الجهاديين الاوربيين بديلا عن مصطلح الافغان العرب، لكن هناك ملاحظة اخيرة ان حرص احد الاخوين كواشي للاتصال بالاعلام والتاكيد على انتمائه للقاعدة هو محاولة من قبل القاعدة التمسك باحقيتها في " راية الجهاد " بعد ان شعر انها سحبت منه على يد الدولة الاسلامية او ما يطلق عليه اصطلاحا بـ " داعش".

&