تقوم استراتيجية «القاعدة» على مجابهة ما تراه العدوَّ الخارجيَّ الذي يَسند الأنظمةَ القائمة في العالم العربي والإسلامي، بعد أنْ كانت المواجهةُ، تقليديا، تقع بين الحركات الإسلامية السياسية، ( ومنها التي تبنَّت النَّهج "الجهادي") وتلك النُّظم العربية و(الإسلامية) التي تراها وكيلةَ هذه القوى الغربية ومنفِّذةً لأفكارها ومشاريعها السياسية.
غير أنَّ «القاعدة» ارتأت الانتقالَ إلى مجابهة أمريكا والدول الغربية مباشرةً في أماكن وجودها في البلاد العربية والإسلامية، كما فعلت في أفغانستان، وبعد ذلك في العراق، متخذةً من المناطق التي تضعفُ فيها سيطرةُ الدولة المركزية مَعقِلا، أو نقطة انطلاق وتوسع .

لكن «القاعدة» وبانتهاجها الهجمات الدموية في بلاد الغرب كما فعلت في 11 سبتمبر، وكما فعلت بعدها في عمليات في& أوروبا، ثم الأخيرة في فرنسا، تعمل على تهييج الصراع وتسريعه في حركة جدلية صراعية، تعمل كما الرَّحى المتوسِّعة؛ لتزيد بردودِ الفعلِ الشديدةِ المتوقَّعة، من فرنسا من الرقعة البشرية المنفعلة بالصراع، وليولِّد الاضطهادُ المتوقَّع على خلفيةٍ دينيةٍ الشعورَ الدينيَّ، ويعمل عملَ الصاعق...
وهذا يستند إلى أمرين، بحسب تقديرها:
أولهما: أنَّ العقيدة والإيمان بالإساس كامنٌ ومستقرٌ لدى غالبية المسلمين؛ فلا يحتاج إلا إلى إيقاظ، أو تصحيح، أو توجيه.
وثانيهما: أنَّ البيئة المحيطة بالغالبية من المسلمين هي بيئةٌ مساعدة؛ لأنهم يستشعرون الظلم والاضطهاد، ولأن الإحصاءات الصادرة عن مراكز أبحاث عالمية تظهر نسبة عالية من المسلمين ترى أنّ تعامل الغرب للمسلمين سلبيٌّ. إذ يكشف تقرير نشره في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2010 مركزُ غالوب بأبو ظبي، الذي استطلع ما يزيد على 100,000 شخص بين الأعوام 2006 – 2010 وعبر 55 دولة، وأظهر أنَّ نصف المسلمين يؤمنون أن الغرب لا يحترم المجتمعات المسلمة، وأنه حتى يتسنَّى لذلك أنْ يحصل، يتوجب عليه أن يتوقف عن تدنيس الرموز الدينية .وكلنا يتذكّر الشعار الذي أطلقه ساسة أمريكيون، مستغربين، أو مستنكرين، عقب أحداث 11 سبتمبر: «لماذا يكرهوننا؟!»
ولذلك لا يستبعد أن تنجح «القاعدة» أو «داعش» في تأجيج الصراع، ونقل جزء منه إلى الغرب، ولا سيما إذا تذكّرنا صورةَ كل طرف في نظر الطرف الآخر، وهي صورةٌ غير إيجابية في الغالب، فبحسب نتائج استطلاع للرأي أجراه «معهد إيبسوس» بعنوان « فرنسا 2013: انقسامات جديدة »( France 2013:Nouvelles Fracture) جرى عبر الإنترنت من 9 إلى 15 كانون الثاني/ يناير، وشمل عيّنة قوامُها 1016 شخصا في الثامنة عشرة وما فوق، ونشرته صحيفةُ «لوموند» في 25 يناير 2013 فإن 74% من الفرنسيين يعتبرون أنَّ الإسلام ديانة « غير متسامحة» ولا تتوافق مع قيم المجتمع الفرنسي، كما أنَّ 8 فرنسيّين من 10يعتبرون أنَّ الإسلام يسعى إلى فرض شريعته على الآخرين.

وكانت النقطة الحرجة أنَّ فرنسا لم تستطع، ولم يكن لها أنْ تقدر على التَّخلي عن مبادئها، أو التنكُّر لحريتها التي هي في أعلى مقدَّساتها.
ولم يكن لمثقفيها، أن يُظهروا الانكسار، وهي (فرنسا) المعروفة بحبِّ العظمة؛ بخلاف العُرف الذي تكرّس تُجاه اليهود، وعدم الاقتراب من حدود التشكيك بالهولوكوست، ولو جاء ذلك في محض دراسة علمية بحثية.
في المقابل يوظِّف الغرب، أمريكا والدول الأوروبية الطامحةُ بدور في المنطقة وبنفوذ هذه «التهديدات» لمزيد من التدخل، والانخراط في المنطقة العربية والإسلامية؛ فقد كان الرد الفرنسي توجيه حاملة الطائرات "شارل ديغول" للانضمام للجهود التي تقودها أمريكا لحرب «داعش» و«القاعدة» في العراق وسورية. وهذا ما صرَّح به الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند حرفيا بحسب موقع «روسيا اليوم»:" اعتبر الرئيس الفرنسي أنَّ إرسال حاملة الطائرات "شارل ديغول إلى منطقة الخليج العربي رد الحكومة الفرنسية على الإرهابيين في حربنا المعلنة ضد الإرهاب، كما أنه يسمح لنا بامتلاك النفوذ في الساحة الدولية".
فكأنَّ فرنسا تحاولُ أنْ لا تستجيبَ لتوجيهات «القاعدة» و«داعش» بنقْلِ المعركة إلى الداخل الفرنسي، وهي بذلك تندفع إلى هدف كان قائما من قبل الهجوم، وهو النفوذ في هذه المنطقة التي تشهد تغيرات جيوسياسية مهمة.
ويتوقف نجاح أي من الطرفين على معطيات لا تزال غير ناجزة، ومنها كيفية تعامل الدول الغربية وردَّات فعلها على الهجمات التي قد تتوالى في عقر بلادها، وكيفية استجابة القوى السياسية والثقافية إلى تلك المثيرات، نحو مزيد من اليمين العنصري، أم نحو الاحتواء والاستمرار في محاولات الدمج للمسلمين في تلك المجتمعات التي باتت تعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية ملحوظة.
[email protected]
&