قبل أن أخوض في صلب الموضوع لدي ملاحظتين:

الأولى: لو اعتبرنا ان "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام" حركة اسلامية، كما يصر البعض على تسميتها من أجل تشويه صورة الاسلام، فان نهجها وأساليبها وممارساتها هي الأسوأ في تطبيق الاسلام.

وذلك لوجوب توفر الارضية والظروف اللازمة لتطبيق الأحكام الأولية أو الثانوية في الاسلام، وكما أسلفت في مقال سابق فان عدم توفر الظروف اللازمة والشخص المؤهل لتطبيق أحكام الاسلام فلا يمكن تطبيقها، هذا لا يعني ان الاساليب والممارسات التي تنفذها داعش لا جذور لها في عهود ودول اسلامية، بل على العكس ان داعش تعمدت اختيار هذه الاساليب لتقول ان جذورها ينتمي الى تلك الحقب، غير ان السياسات والاساليب التي تم استخدامها في العهود التي جاءت بعد عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلافة الامام علي عليه السلام لا تزال محل نقاش بين المسلمين، وما اذا كان الاسلام يجيزها أم لا؟&

الثانية: عندما أقول المسؤولون عن ظهور داعش فلا يعني بالضرورة ان من سأتناولهم هم المسؤولون المباشرون في ظهور داعش، وانما لهؤلاء وهذه الاسباب التي سأتناولها الدور المباشر أو غير المباشر والنسبي في توفير البيئة المناسبة لظهور أفراد يحملون فكر داعش ومن ثم ينتمون الى التنظيم، لذلك سأتناول أهم هؤلاء الأشخاص والاسباب لظهورهم..

الحكومات غير العادلة، والعدالة هنا لا تقتصر على تقسيم الثروات وتوزيعها وحسب، وان كانت تأتي هذه في مقدمتها، وانما عموم العدالة والتي يدخل من ضمنها تداول السلطة والسماح بالتعددية وحرية التعبير، فسياسات الحكومة خاصة على الصعيد الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في توفير البيئة المناسبة لولادة داعشي.

عندما يرى المواطن ان المسؤولين في السلطة لا يعانون من أية مشكلة وتتوفر لهم كل سبل العيش الرغيد وليس أي عيش رغيد وانما ارقى مستوياته، بينما هو وعائلته يتحسرون على تناول وجبة غذاء مناسبة، أو انهم يقضون عمرهم في بيت للايجار، أو ليس لديهم سيارة خاصة ليتنقلوا بها فضلا عن أن تكون هذه السيارة من أفخم السيارات، أو لا يجدون الوظيفة والعمل الذي يحفظ كرامتهم ولا يستنزف قواهم من الصباح حتى المساء ورغم ذلك أجره لا يغطي كل نفقاتهم، آنئذ سيدفعه كل ذلك الى الانفجار واعتناق الأفكار المتطرفة والايمان بالاساليب العنيفة.

عندما يكون معيار المواطن الصالح لدى الحكومة هو المتملق لها والموالي في الظاهر لها حتى لو كان جاهلا أو كان سارقا أو منحرفا أو فاسدا بينما تبعد المعارض وتضبق عليه وتطارده في كل شؤون الحياة حتى لو كان مخلصا ونزيها وقمة في العلم والاخلاق فانها تحارب كرامة واخلاق ونزاهة المواطنين، عندها يظهر من ينفجر على الوضع وينتهج العنف.

عندما تطارد حكومات الدول الاسلامية مرتادي المساجد والملتزمين دينيا وتشدد الرقابة على المراكز والمؤسسات الدينية بينما تطلق العنان لمراكز الفساد والفسق والفجور ولا تعاقب مرتاديها وحسب بل تشجعهم وتقربهم اليها، فلا نستغرب ظهور من يؤمن بضرورة القيام بردة فعل على سياسات الحكومة، ربما لا يصدق القارئ الكريم أن هناك حكومات كانت تطارد وتضع علامة استفهام على من يضع لحية.

عندما تنتهج الحكومة سياسة اعلامية تتعمد على سبيل المثال بث برامج تستهدف هوية وأفكار وأخلاق المسلم عبر التلفزيون الرسمي وتسعى الى تغييرها فمن الطبيعي أن يظهر من يتمرد على ذلك، السياسة الاعلامية التي تنتهجها أغلب الحكومات الاسلامية خاطئة فعندما تبث برامجها للاطفال فان هذه البرامج لا تخلو من العنف والتشجيع عليه بل وحتى برامج وأفلام الكبار أيضا لا تخلو من ذلك، واذا ارادت الحديث عن سياسات الدولة ورجالاتها فلا يوجد أفضل منهم على وجه الأرض، واذا أرادت الحديث عن المجتمع فلا يخلو من الحث على أن يكون متملقا أو مضحيا ومستميتا من أجل الحكومة، واذا تحدثت عن الآخر المعادي لها فانه بؤرة الفساد والاجرام والتخلف.&

لو اردنا سرد نماذج للحكومة العادلة لطال بنا المقام، وبكلمة فان السياسات التي تنتهجها الحكومات تؤثر بشكل مباشر على سلوكيات أفراد المجتمع بشكل مباشر.

العائلة والمجتمع، فهما يلعبان دورا مؤثرا في سلوك أفراد المجتمع، اساسا الولد سواء كان ذكرا أو انثى يرى في أمه وأبيه قدوته في السلوك والنهج، ومن الطبيعي أن الولد يتبنى السلوك السائد في عائلته حتى يبدا بتكوين متبنياته الفكرية والعقائدية فاذا اجاد الابوان تربيته فانه سيتبنى أفكار وعقائد أبويه رغم ان انفتاحه على المجتمع والتيارات المتعددة فيه سيبقي احتمال تغيير أفكاره واردا، الا انه بشكل ضعيف.

كما ان المجتمع وتقاليده تؤثر بشكل مباشر على سلوكيات وأفكار الأفراد، ولا نستغرب اذا رأينا شخصا داعشيا انتمى لهذه الجماعة لعدم قدرته على الزواج، فتجده ينغمس في الذنوب والمعاصي ومعاشرة بائعات الهوى فيلاقي بالصدفة من ينصحه ويقول له اذا تريد ان يكفر الله عن ذنوبك ومعاصيك وتدخل الجنة مباشرة فاقتل عددا من الأشخاص، ولهذا نرى ان تاريخ أغلب أعضاء داعش مليء بالانحرافات الخلقية، فلا نستغرب اذا رأيناهم يقاتلون بشراسة بل يلقون بانفسهم على الموت لأنهم يعتقدون انه السبيل الوحيد لتطهير أنفسهم.

الأفكار والرموز، للاسف الشديد ليس لدينا مرجع منهجي يجمع عليه كل المسلمين، فمع ان القرآن الكريم لا يختلف عليه المسلمون أنه نزل من ربنا على نبينا محمد صلى الله عليه وآله غير ان المسلمين يختلفون في تفسيره وتأويله ومدلولات آياته واسباب نزولها وحجية كل آية، واذا كنا نختلف في القرآن الذي لا يناله الباطل ولا يناله التحريف فما بالك بالاحاديث الشريفة، واذا تجاوزنا الاحاديث فكيف بنا ان نتجاوز سياسات وسلوكيات الخلفاء والصحابة وزعماء الدول الاسلامية.

لدينا روايات وأحاديث كاذبة ومزورة ومع ذلك يتبناها الكثير من المسلمين وهي السبب في ظهور أناس متطرفون في أفكارهم وسلوكياتهم، واتفاق المسلمين على منهج واحد ككتاب يجمع كل الاحاديث المتفق عليها، أمر مستحيل نتيجة تعدد مذاهب وفرق المسلمين، ولذلك نرى اليوم ان هناك من يعلن تأييده لداعش.

ومن الاسباب التي تؤدي الى اعتناق بعض المسلمين لأفكار داعش هي معتقدات وسلوكيات الرموز الدينية وخاصة علماء الدين، وأغلب الذين انتموا الى داعش تأثروا بافكار وسلوكيات رجال الدين ان لم نقل أن بعض رجال الدين فرغوا أنفسهم من أجل تجنيد ابناء المجتمع لداعش.&

سلوكيات الطرف الآخر، فعندما يقوم الآخر باحتلال بلادك والاعتداء على مقدساتك والاستهزاء بهويتك فمن الطبيعي أن تكون هناك ردة فعل. نرى اليوم أن الاساءة لتعاليم الاسلام ولنبي الاسلام ومقدسات الاسلام أصبحت علنية، ربما يطيق المسلم وجود أناس لا ينتمون الى دينه بل هذا ما كانت عليه دولة الرسول صلى الله عليه وآله، ولكن أن يظهر من يعلن جهارا نهارا الحاده واستهزائه بالمسلمين ومقدساتهم والنيل منهم والتوعد لهم ومسح كرامتهم، فهذا أمر لا يطاق، التطرف والارهاب في المنطقة تزايد عندما تدخلت سائر الدول في الدول الاسلامية عسكريا.

لا شك ان تأثير هذه الأمور نسبي، ويختلف من داعشي الى آخر، من هنا فان تحميل الاسلام ممارسات داعش انسياق وراء الجوقة التي يقودها أناس مشبوهون يسعون الى تشويه صورة الاسلام في العالم، وبالتأكيد أن هدف هؤلاء واضح ولكن يا ترى ما هو هدف المسلم من الانسياق وراء هذه الجوقة؟

&