د. .

مع اشتداد الصراع الإقليمي، ولا سيما في اليمن وليبيا، ومن قَبل في سورية ولبنان، يحاول كلُّ طرف أن يغلِّف مواقفَه بترسانةٍ قِيَميَّة، ونحن نتمنّى أن تحتكم الصراعات أو الخلافات إلى قيم عقلانية، أو حتى أن تكون القيمُ هي دافعَها، لكن هذا بعيد، عن صراعاتنا الراهنة، فوراءها مصالح ومصالح ونفوذ، وفي معمعة هذا الصراع تستمرُّ معاناة الفئات الضعيفة والمسحوقة والمنسيّة.

والغريب أنّك تجد امتهانا للقيم، أو لِما كان، يوما، قاسما مشتركا، كقضية فلسطين مثلا، أو مقاومة الاستعمار أو (الاستكبار العالمي) كما تفعل جماعة الحوثي مثلا في اليمن، إذ ترفع شعارات : «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» في امتهانٍ واضحٍ ليس للقيم فحسب، بل لعقول الناس، علما بأنَّ أمريكا تترك جماعة الحوثي تسيطر على مفاصل الدولة، ومراكز السيادة فيها، دون استنكار، أو تهديد؛ ما يعني رضا غير صريح، بل إنَّ واشنطن تدعو إلى التوافق بين الطرفين السياسيّين المتنازعين، والطرفان بالطبع هم «الحوثيون» والرافضون لتغوّلهم في الدولة، من القوى السياسية اليمنيّة والقبليّة والشعبية.
وليس غريبا أن تحاول الأطراف العربية المتصارعة التلطّي بالقيم والشعارات الوطنية أو القومية أو الدينية، فهذا مستخدَم حتى لدى القوى الكبرى، كأمريكا؛ إذ هي لا تعلن أنها فقط تسعى إلى مصالحها في المنطقة، بل تمرِّر معها الدوافعَ القيمية: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتلجأ إلى المؤسسات الدولية، ومجلس الأمن لاستصدار قرارات تشفع لأي تدخل عسكري أو سياسي.

وكأنَّ لسان الحال: إننا نقاتل بكل شراسة لتحصيل أكبر قدر ممكن من السلطة والمصالح؛ لفرضها كأمر واقع، وفي طريقنا إلى ذلك، نريد تحرير فلسطين، وكسر أمريكا، وإرغام أنفها في التراب، بل إننا نسعى للسلطة أصلا من أجل تحرير فلسطين، ولإيقاع الموت بأمريكا، ولكنها إما غافلة عن مآربنا في مأرب، مثلا؛ لذكائنا السحري، وإمّا أنها مرغمةٌ على قبولنا، وترك السلاح يتدفق إلينا والدعم؛ لأنها مشغولة بحرب «القاعدة».
ثم كيف تريد بقدرة قادر، أيها الحوثي، «الموتَ لأمريكا»، وأنت لا تحسن التصالح مع شعبك؟! بل وأنت تفتئت على السلطة بالقوة، وتتدرج في المطالب، إلى قدر ما تطاله يدك؟!& كيف تريد أن تحرّر فلسطين، وتريد َالموتَ لإسرائيل» وأنت تهدّد وحدة اليمن؟!
لكن طبيعة القيم لا تصلح، ولا تستجيب، وقت الطلب: نستميت في القتال المصلحي، ووسط دخان المعارك نرفع شعارات، نبيعها لمن يصدّق، وللأسف فإنَّ القيم والأفكار لم تتأسس في مجتمعاتنا، وليس لها ذاك السلطان الأدبي، أو العُرفي، كما في الغرب مع قيمه؛ لأننا نعاني تشوّهاً في الفكر نفسه، أو تشظِّيا، فضلا عن أنَّ المؤسسات السياسية التي انبنت بمعزل عن حراك اجتماعي، أو تطور اجتماعي، كرّست في الأفراد والجماعات الاحتكامَ إلى القوة المجرّدة.
فهل نطيق أن تكون صراعاتُنا على المكشوف، أم لا نحتمل ذلك؛ فنلطِّفها بشعار عتيق، أو دغدغة، للمزاودات، وللتضليل ومَلء الوقت والفضاء؟
[email protected]

&