&
محافظة ديالى العراقية نظيفة من الدواعش، وإن كان هناك ما يلطخ انتصارها من خلال أنباء عن اغتيال مجموعة من أبنائها على يد أفراد الحشد الشعبي، وكوباني السورية تحررت من رجسهم، تلك هي بداية سقوط فكرة "دولة الخرافة"، بعد قتال مرير ووجودي خاضه الكرد في مدينتهم تحت أنظار الجيش التركي الذي تفرج على المعركة المحتدمة عند حدود دولته، دون أن يقدم أي عون لمن يدافعون عن شرف مدينتهم وهم موقنون بالنصر، لتوفر الإرادة التي وجدت عوناً من طيران التحالف الدولي، وقوات البيشمركه القادمة من إقليم كردستان العراق مدفوعة بمشاعر قومية تجاوزت كل الحساسيات السياسية، لم تكن هزيمة الدواعش في كوباني وديالى سهلة وميسرة فقد خاض هؤلاء المغيبة عقولهم معارك ضارية انتهت إلى نتيجة تبشر ببداية انتهاء أسطورة هذا التنظيم الظلامي، الذي أثبتت المعارك الأخيرة أنه ليس قوة عصيّة على الهزيمة، وأن مواجهته وهزيمته تحتاج إلى الإرادة والعزيمة والثقة بالنفس والنصر.
لاتؤشر هذه البدايات إلى فقدان الدواعش حاضنتهم الشعبية، لكنها تبشر بالقدرة على احتوائهم، رغم أن المعركة معهم مريرة وطويلة، تلك هي البداية التي ستستفزهم لمحاولة القيام بمفاجآت على غرار ما حدث في الموصل، لكن زمن المفاجآت انتهى مع انتهاء مرحلة الصعود ونحن اليوم في زمن تدمير الفكرة وتداعياتها، من ديالى إلى كوباني إلى الأنبار وصولاً إلى الموصل الحدباء، تتضافر كل الجهود لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم الظلامي، الذي رافق الفشل كل محاولاته الأخيرة للسيطرة على مزيد من جغرافيا الدولة السوريه لتعويض خسارته في كوباني، التي باتت نقطة تحول بين حقبتين، فما بعد كوباني تختلف جذرياً عن ما قبلها، وفي الأثناء فإن هزائم الدواعش هي مادفع التنظيم لمحاولة استعادة زمام السيطرة واثبات انه مازال الأقوى على الأرض وانه يحتفظ بالكثير من الأوراق التي تجعله يصمد طويلاً ويستطيع اللعب بها، فخرجت علينا تهديداته بقتل الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبه إن لم يتم الإفراج عن الأرملة السوداء العراقيه ساجده الريشاوي المحكومة بالإعدام في الأردن لمشاركتها في تفجيرات فنادق عمان قبل حوالي ثماني سنوات.
لاينكر إلا جاحد دور غارات التحالف التي قامت بدور واضح في الحدّ من تحرّكات الدواعش، غير أن كل ذلك لم يكن ليؤدي إلى هزيمتهم بدون صمود المقاتلين الكرد، وإصرارهم على حماية مدينتهم ومنع ضمها إلى دولة الخرافة، وهم اليوم يقومون بتنظيف وتطهير جوارها، حيث تنتظر أكثر من 350 قرية تباشير الحرية والتخلص من أدران داعش وفكرها الظلامي، وإذا كان بديهياً الإشادة بدور قوات البشمركة وطيران التحالف في تحرير كوباني، فإن الفضل يعود بالأساس لسكانها الذين استبسلوا في حمايتها قبل أن يصلهم المدد، وإذا كان بعض الدواعش يتحدثون عن «انسحاب تكتيكي فإن الواقع أن التنظيم يمر بحالة من الفوضى، وتتضارب مواقفه بين الاعتراف بالهزيمة وبين الزعم بأن الانسحاب محسوب والهزيمة لم تحصل، وأن إيمان المجاهدين ينتظر منّ الله، والمضحك أن بعض المجاهدين يشبهون هزيمتهم بمعركة مؤته ، بينما هرب بعضهم إلى تسجيل صوتي للمتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني خلا من أي ذكر لمعارك كوباني أو هزيمة ديالى لكنه بشر بامتداد دولته إلى خراسان، التي يُزعم أنها دانت بالبيعة للبغدادي.
ألمدهش والمستهجن هو إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده لا تريد منطقة كردية خاضعة لحكم ذاتي في سوريا، على غرار تلك القائمة في العراق، وشدد أنه لا يريد تكراراً للوضع في العراق، وإلا فسيكون شمال سوريا مثل شمال العراق. وأن هذا الكيان سيكون مصدر مشاكل كبرى في المستقبل، وكأن سلطان تركيا الجديد يستكثر على الكرد نيل حقوقهم حتى خارج حدود بلاده، وهو يعترف بأن إقليم كردستان العراق يسبب له القلق، ونتمنى أن يستمر هذا القلق ويتعاظم مع كل انتصار للقضية الكردية العادلة.

&