&قرأت مقالات كثيرة عن اللاجئين العرب و تساؤلات لدول الخليج الغنية لتستوعبهم، بعض تلك المقالات جيد و موضوعي كما هو مقال الاعلامي السعودي "عبد الرحمن الراشد" المديرالعام السابق لتلفزيون العربية، و بعضها الاخر فقط لتبرير مواقف بعض الدول و حديث عن التركيبة السكانية لها.&
الحقيقة ان ما تتكلم عنه الدول الغربية و ما نتحدث نحن عنه في اعلامنا هم شيئان مختلفان، فأوروبا تقصد موضوع اللجوء و اللاجئين بينما نتحدث نحن عن الهجرة والمهاجرين.
بالنسبة للعراق فقد عرف عدة هجرات للدول العربية و دول الجوار منذ دخول صدّام الكويت في 1990 وكانت الوجهة الاولى للمهاجر هي الاردن، فقد استوعب البلد الكثير من العراقيين سواء ممن قصدوه للاقامة الدائمة او كمحطة وسطية، ولا يزال يقيم هناك عدد غير قليل بعضهم منذ اكثر من 20 عام واعرف ان للعراقيين حق امتلاك عقارات في الاردن مما ساعدهم على الاستقرار.
و لعرض مختصر تاريخ العراق الحديث امامكم اقتطع هذه السطور من احدى مقالات ايلاف بعنوان "اسلام وعّاظ الحروب "عدوّنا الفرس" " للكاتب "ضياء الحكيم" كتب فيها: "كي لاتتكرر على أجيالنا الجديدة مأسي مررنا بها منذ بداية قتل وسحل العائلة الملكية الهاشمية في العراق عام 1958 وتسلط دكتاتورية البعث العشائري وانقلابات قادته على بعضهم البعض عام 1963 ووصول صدّام الى السلطة بمباغتته رفاقه عام 1979 وإندلاع الحرب العراقية الأيرانية عام 1980 وغزو الكويت عام 1990 والمقاطعة الدولية التي عزلت العراق لمدة 13 عاماً لتنتهي بالحرب الدولية على العراق عام 2003".
كان دائما خيارالسفر "للعراقيين" ممكنا للمتمكنين ماديا، فعملية السفر مُكلفة اولا و بسبب انخفاظ سعر الدينار العراقي بعد الحرب الايرانية و ثمّ حصار 1990 حتى اصبح سعره عام 1993 مثلا 1\100 للدينار الاردني، بينما وعينا على الدنيا في سبعينات القرن الماضي و الدينار العراقي يساوي ثلاثة دولارات امريكية عند الشراء، و لهذا فمن غادر حينها كان مهاجرا بأمواله لا لاجئا طالبا لمساعدة.
ادت هجره العراقيين للاردن حينها انتعاشا اقتصاديا كبيرا، فقد عمّر كثير من العراقيين البنيان و اسسوا مشروعات قسمت تاريخ الاردن و اقتصادها الى مرحلتين فارقتين هما قبل العراقيين و بعدهم و رفعوا اسعار العقارات و الايجارات لاضعاف قيمتها. و حقيقة فأن المهاجرين العراقيين كانوا قد رفعوا سوق العقارات اينما حلّوا، في الاردن و الامارات و مصر وسوريا. اما النوع الثاني من المهاجرين فهم اصحاب الشهادات الذين كانت وجهتهم الاولى الاردن ايضا، و بعد امتلاء سوق العمل خاصة الجامعات و المكاتب الهندسية توجّهوا الى ليبيا.
كان الحصول على العمل في ليبيا اسهل و قد يتم عن بعد، فكنّا نسمع كثيرا حينها ان فلانا الموجود في العراق قد حصل له صاحبه العامل في ليبيا على عمل هناك وما اكثر العراقيين الذين عملوا هناك و منهم من تزوج و استقر، و لم ندرِ عن اخبارهم شئ الا معاناتهم مؤخرا من الارهاب و سعيهم لترك البلاد مع من ترك من اهلها.&
الحقيقة لا تسعفيني الذاكرة بأسم بقعة في العالم لم يخترقها التواجد العراقي، فالعراقيون هم اكثر الشعوب شتاتا في العالم الحديث، هذا بفضل حكوماتهم الظالمة المتعاقبة، و لا اعتقد انه من الانصاف لوم المواطن العراقي على ترك بلده فاي مخلوق في هذا الكون يبحث عن مكان آمن له و لعائلته و عن حياة كريمه، و لم تجدها اجيال من العراقيين في بلدها فالوضع دائما هو من سئ الى اسوا على مدى ال 35 عام الاخيرة والى الان، القتل و التهجير و التفجير في كل مكان، بات العراقي متاكدا بعد الاجتياح الامريكي في 2003 واغتيالات العناصر المتعلمة و المثقفة من وجود خطّة قديمة جديدة لاخلاء العراق من سكانه. و كثيرا ما يتندر العراقيين في السخرية من اوضاعهم، و من نوادرهم "أنّ العراقي هو الكائن الحي الأكثر تكيّفا مع الظروف المُحيطة" و "انّه اذا تصادف ان وصل عراقي الى آخر العالم و عثر على مصباح علاْء الدين فدعكه خرج له مارد عراقي يسكن فيه".
الوجهة الثالثة كانت الهجرة لليمن، و استمرت حتى امتلأت جامعات اليمن بالاساتذة العراقيين و ضاقت على المزيد منهم فاتّجه من هاجر بعدها الى مصر "ام الدنيا" و التي كانت الوجهة الرابعة للعراقيين. سمعت من احدى صديقاتي المصريات في الامارات و هي تمازحني و تشتكي من زيادة عدد العراقيين في مصر – في الفترة 2007 – 2008 – ان العراققين موجودون هناك في كل مكان حتى ان صديقتها في مصر التي تسكن البلد - اي منطقة نائية – جيرانها عراقيون.&
سكن العراقيون هناك مدينة 6 اكتوبر بشكل كثيف، و قدّر عددهم احد الاعلاميين بـ 150 الى 200 الفا حين شكى منهم و من مساجدهم الخاصة بهم على حد تعبيره و يقصد بها "الحسينيات" و مخابزهم الخاصة التي تنتج الصمون العراقي. اتّبع العراقيون هناك اسلوب شراء سكن بطابقين تسكن اسرة المالك احدها و تعتاش من ايجار الآخر، فاشتكى بعض المصريين من مزاحمة العراقيين لهم و كونهم رفعوا اسعار العقارات هناك ايضا، و كنت قد قرات في صحيفة "القوة الثالثة" الالكترونية تحت عنوان "أم الدنيا تشتكي من العراقيين" كتابة "ظافر ابو ابراهيم" بتاريخ 08-10-2010 جاء فيه "..... لكن قصة العراقيين مع المصريين تختلف عن قصتهم مع الأردنيين و السوريين بفارق كبير، فبالرغم من أن نسبة العراقيين التي هاجرت و استقرت في الأردن و سوريا كادت تصل إلى 10% من السكان الأصليين للبلدين إلا إن نسبتهم في مصر لا تتجاوز الإثنين بالألف، و مع ذلك ضاق المصريون ذرعاً بوجود العراقيين و تذمروا من خبزهم (( صمونهم )) و من ((آذانهم)) بما لم يتذمر به الأردنيون و لا السوريون، و اشتكى المصريون من أن العراقيين يزاحمونهم في بلدهم، علماً أن العراقيين لا يشكلون عبئاً اقتصادياً على مصر لأن أغلبهم يعتمد على الإمدادات الخارجية أو مخزونه الذاتي من العملة الأجنبية و التي تصب أصلاً في مصلحة المصريين، فهم سواح دائمون، لأن مصر لا تحتاج إلى عمالة أجنبية أصلاً."&
و قد جاء المقال ردا على برنامج للمذيع المصري "عمرو اديب" (الفيديو على اليو تيوب) ينتقد بشدة وجود العرقيين في مصر و يتحدث، كصبي مُنفعل، فمثله مثل الكثيرين ممّن يخشون من الشيعة على عقيدتهم فيتحدثون عنها و كأنها وباء "انفلونزا الطيور" و انها ستنتقل بالعدوى، يا اخوان انما التشيّع عقيدة ان كرهتها فأدر لها ظهرك و بس فهي لا تنتقل باللمس كما تظنون. كما انتقد "عمرو اديب" كون العراقيين رفعوا اسعار العقارات في المدن التي سكنوها، علما ان هذه نقطة تحتسب لهم لا عليهم. فقد رفع العراقيون اسعار العقارات اينما حلوا، فمن الاردن الى الامارات فمصر فسوريا بما يدل انهم لم يكونوا لاجئين يوما بل مستثمرين في العقارات. هو هذا الاعلام العربي كثيرا ما يتناول الموضوعات الهامّة بغباء واضح. فهو لم يتناول مثلا كون العراقيون المتواجدون في مصر لا يشكون من مشاكل هناك و لا حتى ايام ثورة 2011 وما بعدها. و لم يتناول مثلا كيفة استيعاب بعض الدول العربية لهجرة مواطني بعضها الآخر في ازماتها الأخيرة. اعلم ان الموسيقي العراقي"نصير شمّة" كان قد اقام في القاهرة و كان قد اسّس فيها "بيت العود العربي" عام 1999 و بقي فيها حتى افتتح فرعا للبيت في أبو ظبي عام 2012. فمصر الفن لا تضنّ على الفنانين العرب مهما كان اصلهم مع انها موطن الفن و الفنانين.
&انا شخصيا لا اعرف الكثير عن التواجد العراقي في سوريا. أما الامارات فهي الوجهة المفضلة للعراقيين – كما هي لكل العرب – و يقصدها كل من استطاع اليها سيبلا. عادة يذهب اليها من له قريب هناك فيعمل له اذن للزيارة. و من تجربة اقامتي في الامارات كنت ارى الشارقة و عجمان امارتان عراقيتان من حيث التعداد السّكاني حتى غادرت في 2008.
"يزيد عدد العراقيين في دولة الإمارات العربية المتحدة عن 100،000 ويشكلون واحدة من أكبر المجتمعات العربية هناك ومعظم العراقيين هاجروا حديثا إلى الإمارات فراراً من الحروب في العراق" ويكيبيديا المغتربون في دولة الامارات العربية المتحدة 2015.
بالنسبة للعراقيين فان العزيزة الامارات قد "اشتغلت" عليهم كثيرا فمنذ حرب امريكا 2003 و الحالة بين مد و جزر فهي تارة تسمح بالفيزا للعراقيين و تمنعها كليا تارة اخرى و كلما اغلقت احدى القنوات فتحت اخرى ولكن بشروط جديدة و بكلف مضافة، فقد كانت خطوط "طيران الامارات" مثلا توفر فيزا للعراقيين المسافرين على متنها بشرط الاقامة لثلاثة ايام في احدى فنادق الامارات، يعني كل الشغلة فلوس في فلوس بما يعني ان خيار الامارات كان متاحا دائما للمتمكنين ماديا و المستثمرين منهم و هناك من يشتري الاقامة فيها التي تكلف لوحدها "مبلغا و قدره" و للعلم فان كثيرا من العوائل العراقية المقيمة حديثا يكون مصدر دخلها العراق و تختار الامارات لاقامة العائلة و لدراسة الأبناء للاستمتاع بالامان فقط، و هو مطلب هام جدا لكل كائن و حقيقة هناك اشياء اخرى غيرها هامة تجعل من الامارات وجهة محببة جدا للوافدين و هي المستوى الحضاري الراقي و توفّر العدالة و حسن معاملة الوافد.
و للأمانة فقد كانت الامارات كثيرا ما تتسامح مع العراقيين و تعينهم في تذليل بعض المصاعب و تقليل معاناتهم بحسب الظروف، كما حدث مع من كان في زيارة الامارات خلال الاجتياح الامريكي في 2003 ( طبعا على ان لا يمس اي شئ الامن الداخلي لها فمثلا نسمع اليوم عن حملة لاخراج الشيعة الذين تعتبر وجودهم خطرا عليها) و اليوم اصبحنا نسمع كثيرا من القصص و الاخبار مثل:
&" اكد مصدر في السفارة العراقية في الامارات ان الاشهر الثلاثة الاخيرة الماضية وتحديدا مطلع العام الحالي 2015 شهد ابعاد عدد كبير من العراقيين المقيمين في دبي وابو ظبي والشارقة كونهم من ابناء المذهب الجعفري.
...............
واوضح المصدر ذاته ان تبليغات الابعاد جاءت بواسطة الامن الاماراتي وامهلت المشمولين بقرار الترحيل مع عوائلهم خلال 48 ساعة فقط , والا سيغادروا الامارات بالاجبار والاكراه ,............" صحيفة "خبر نت" الالكترونية المستقلة بتاريخ 17-04-2015.&
كما ذكرت صحيفة "المستقبل العراقي" الالكترونية الشئ نفسه بتاريخ 19-05-2015 بقلم الكاتب "غانم عريبي" الذي كتب تحت عنوان " ما هكذا يا دولة الامارات العربية الهندية!" كتب فيه: "
قررت «دولة الامارات العربية المتحدة» انهاء اقامات المواطنين العراقيين المقيمين على اراضيها في سابقة لم تقدم عليها دولة عربية من قبل.. حتى دولة الكويت اعادت دخول العراقيين بعد انتهاء الغزو وسمحت بإقامة العراقي فوق اراضيها بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق!.
...............
ترى ما الذي يدفع بالخارجية العراقية، قبل ان نحاكم الموقف الاماراتي الرسمي، الى السكوت على الاجراء هذا، هل هو عدم الدراية بالحادث؟
..........."&
لا ادري ما المحطة التالية للعراقيين فلهم محطات في كل بلاد العالم و لهم قافلة على كل درب، المهم ان سلاحهم في الهجرة هو الشهادة الجامعية اولا و الرصيد المالي ثانيا، و لا يلجأ العراقيون للجوء الانساني الا كورقة اخيرة فالطموح كان دائما العيش الكريم للعائلة – و من السهل على الكرامة ان تنقح عليه - الا حينما لا يجد بديلا لها.
و بخصوص مسؤلية مواجهة ازمة لجوء السوريين و العراقيين - او احتضانهم - التي رميت اعتباطا على دول الخليج، فهي مسؤلية الدول العربية بأكملها، التي لم يكن لجامعتها اي دور على الاطلاق في ايجاد حل لمشكلة ما في زمن مضى، فهي اضعف من ذلك و لم تكن الجامعة العربية سوى مؤسسة ضعيفة فاشلة استمدت اسباب ضعفها من فشل الحكومات العربية الجاثمة على صدورنا، التي لم نسمع يوما ان احداها مثلا قد حلت مشكلة للتسول داخل دولة ما. و كما قالت الفنانة "احلام" في اوبريت "الضمير العربي": "سلاح الشجب معانا شايلينه للازمات – و الناس بتعاني معانا بدايات من غير نهايات".
الحقيقة ان ما يحتاجه العرب اليوم هو "مجلس للأزمات" تشارك به جميع الدول ماديا لاحتواء الازمات المتتالية و لمواجهة موجات التهجير و الهجرة الخارجية و الداخلية، يتكون من ذراعين: الاولى تتولى احتواء اللاجئين في مناطق مخصّصة لذلك على اراضي مقتطعة لهذا الغرض، و توفير كل متطلبات الحياة الكريمة لهم لحين عودتهم لبلادهم فليس لمخلوق على الارض الرغبة في هجر موطنه الاصلي دونما سبب، بينما يتولى الذراع الثاني حل المشاكل السياسية التي تسببت في هذا اللجوء اوالنزوح الجماعي واعادة اللاجئين الى مناطقهم بعد حل النزاع، حينها فقط يمكننا ان نفخر كوننا عرب و بأننا ننتمي الى أمّة تهتم بالانسان من ناحية و تعرف كيفية حل مشاكلها من ناحية ثانية، و لا تترك مجاميع من مواطنيها تهاجر كقطعان الحيوانات جاهلة مصيرها، فالبعض يستقبلها بالمَنّ بينما تعاني من الطّرد من البعض اِلآخر (يُذكرني مشهدهم بأزمة "راوندة" قبل اكثر من عشرين عام).
و ليس بتحميل دول الخليج و حدها المسؤلية ادنى عقلانية، انما هو تاكيد على الانحياز العاطفي الذي وللاسف يُميّزنا كقومية "عربية".
و ليس في الدول العربية قوانين لجوء، أذكر في الماضي وضع الفلسطينيين في العراق، كانوا يَحيون بخير عميم يحسدهم المواطنون عليه في موضعين، هما: عند قبول أبنائهم الطلبة في الجامعات العراقية حيث يحضون بمميزات، و حين اعفائهم من الخدمة الالزامية عند التخرج، لكن اعتقد ان واقعهم تغيّر كثيرا بعد رحيل "صدام" و نظامه.
لقد تبنّت "ميريكل" المُحنّكة موقفا جديدا مغايرا للجميع، باحتواء اللاجئين و توجيهم الى سوق العمل، وستنجح بخطتها كما عودتنا المانيا، و سيُسجّل التاريخ باسم "ميركل" براءة اختراع تزهو هي بها و يحسدها العالم عليها، و سيعض من فاته قطار الفخر اصابعه ندما على تفويت فرصة سانحة لدخول التاريخ من اوسع الابواب، فالتاريخ ابدا يكتبه المنتصر، و عند تسجيل التاريخ لا مكان للأقزام، و لا عزاء للمتخاذلين.
فالـى الامام يـا "ميريكل" و ليكللك غـار النصر و الفخر.
&
التعليقات