&
الازمة المالية والاقتصادية والسياسية التي يمر بها اقليم كردستان كشفت خبايا وبواطن الواقع الحقيقي والبنيان الهش للفيدرالية الكردية التي تنعم بسيادة سلطة مستقلة من الحكومة الاتحادية في بغداد وفق الدستور الدائم، ومن اهم الحقائق التي افرزتها ازمات الاقليم هو سيطرة السيد مسعود البرزاني وحزبه على اغلب الموارد المالية والاقتصادية والنفطية وفي ظل نظام مصبوغ بالديمقراطية والانتخابات مما اوهم الاخرين ان الاقليم يعيش ازدهارا بينما هو في الحقيقة بنيان مشوه وهش ولكنه ينبوع ثري لفساد فاحش ابتلعته مافيات حاكمة وحزبية منذ ربع قرن من الزمن لنهب موارد وثروات الاقليم، وتبين ايضا ان مافيا السلطة تتحكم بشعب لا حول ولا قوة له ومحصور بين مطرقة الحاكم المنفرد وسندان الازمات الاقتصادية المستعصية والعودة للاقتتال.
ومن خلال كشف ماهية نظام الحكم في الاقليم اتضح ان الحكم السائد هو للعائلة والقبيلة الحاكمة في اربيل العاصمة السياسية وفي السليمانية العاصمة الثقافية للاقليم، ومن خلال تظاهرات واحتجاجات المعلمين والمدرسين تبين ان منطقة نفوذ حزب الرئيس السابق جلال طالباني تتمتع بحرية التعبير وحق التظاهر بينما منطقة نفوذ حزب البرزاني لا تتمتع باي حرية وتحكمها قبضة وتسلط حزبي وامني تمنع الراي الحر والاحتجاج، ولهذا وصف هذه المدينة بانها محتلة من قبل البعض، ولا ينكر ان هذه العاصمة فعلا محتلة من قبل سلطة حاكمة يوصف قائدها بـ "جناب الرئيس"، ويتضح ان هذا الاحتلال يحمل الكثير من اوجه القمع والاستبداد للتحكم برقاب شعب عزيز وكريم النفس ومسالم لم يقدم الى الحركة التحررية الكردية غير النفيس والغالي من الارواح والاموال وعلى مدى قرون وعقود طوال لتحقيق حقوقه الانسانية والوطنية والقومية، وتحمل الكثير من الجور الكردي والحكم الاستبدادي لتجنب مآسي الحروب الاهلية بين الاحزاب الحاكمة، وحتى ان شدة الصبر والتحمل القاسي وخاصة لاهالي العاصمة تحول في بعض الاوجه الى رضوخ وقبول الاحتلال الكردي للكرد مما نتج عنه فرض حكم انفرادي متسم بالقمع على المواطنين وعلى مؤسسات ودوائر الحكومة.
ولا يخفى ان احتلال اربيل لا يعود الى عهد الحاكم المنفرد بالاقليم وانما يعود الى يوم اجتياحها واحتلالها من قبل دبابات ومدرعات واليات جيش المعدوم صدام حسين سنة 96 من القرن الماضي، وتسليمها الى رئيس حزب وقواته، وبذلك فرض اول نظام حكم كردي يفرض بقوة الاحتلال في التاريخ الحديث وبقيادة ابن القائد المرحوم للكرد ملا مصطفى، وهذا الاحتلال لم يقتصر على الارض والسكان فقط بل امتد الى نهب كل شيء فوقها وتحتها وحتى سمائها وفي جميع ارجاء حدودها التي تغطت بسحابة سوداء من الانفاس الخبيثة لاهل الحكم والسلطة.
وللتأكيد المتواصل على الاحتلال فان السلطة المتنفذة وكإثبات وتذكير متعمد على ان الآمر الناهي في اربيل هو الحاكم المنفرد& وحزبه، يقوم بارسال رسائل متعمدة من خلال منع النواب وبعض الشخصيات القيادية والسياسية للاحزاب الاخرى من الدخول الى اربيل بيت فترة واخرى كما حصل لرئيس البرلمان المنتخب من قبل الشعب والنواب.
المهم في الامر ان السيطرة الامنية والسياسية المفروضة على العاصمة اربيل وبسبق اصرار من قبل سلطة عائلية حاكمة وحزبية، قد قد الحقت اضرارا نفسية ومعنوية بمواطني المدينة والحق بهم حالة من الخوف من التفكير بأي موقف معبر عن التعبير والرأي الحر والمعارض، او حتى التفكير بالخروج للتظاهر والاحتجاج المدني للتعبير عن موقف معين او للمطالبة بحقوق المواطنة سحقتها السلطة الحاكمة الفاسدة ابتغاءا لمصالحها المافوية.
هذا وقد وقف الكثير من الساسة والاعلاميين بدهشة كبيرة امام السكوت والصمت المكبوت لأهالي اربيل على التصرفات والممارسات القمعية والاستبدادية للسلطة الحاكمة الفاسدة، ولكن قلة قليلة تعلم ان صمتهم صمت العقلاء وسكوتهم سكوت الحكماء وصومهم صوم الاحرار الصائمين وصبرهم صبر الايوبيين امام جبروت جائر ارتكب عارا ابديا كما جاء على لسانه حسب قول قائل، وامام طغمة مارقة نهبت كل ما في هذه المدينة الاصيلة من ارض وملكية وثروة ومعدن وفضاء حتى باتت الابنية المرتفعة والمولات العملاقة والفنادق والاسواق في العاصمة لا تشار اليها لدى المواطنين الا باسم فرد من افراد او قريب من اقرباء الرئيس المنتهي ولاياته حسب القانون بالتمام والكمال.
والان وبالرغم من تعجبنا من الموقف السياسي الصامت لقيادات الاحزاب الكردية تجاه اربيل المحتلة حتى وصل الامر بهم الى عدم التفكر ولو في يوم ما بحل استراتيجي لاخراج العاصمة من محنتها السوداء لفك القيود من رقاب وايادي اهلها واطلاق الحرية المنشودة لهم بوسائل ومواقف مدنية بعيدة عن العنف والتطرف نعبيرا عن ايمانهم بمباديء وقيم حقوق الانسان وتعبيرا عن الفكر الانساني والسلمي والمدني للانسان الكردي المتشوق دوما للسلام والحرية والكرامة والانسانية.
ولهذا نطرح مقترحا مهما امام قيادات الاحزاب الكردستانية في الاقليم من باب اعادة الاعتبار المدني لاهالي مدينة اربيل المنكوبة تحت الحكم الانفرادي المفروض بالسلاح والقوة والامن المسلط من قبل رئيس وحزبه يتصرف وكأنه حاكم ابدي، والمقترح نطرحه بالاساس من باب حماية العاصمة واهاليها من كل طاريء او حدث آني او مستقبلي لا سامح الله يتسم بالعنف والتطرف والكراهية، ومن باب اطلاق الحرية المنشودة لمواطني المدينة المسجونين في الهواء الطلق منذ ربع قرن، ومن منطلق ضمان حق التعبير الحر والحق المدني لهؤلاء الصامتين، ومن دافع كسر القيود المكبلة بهؤلاء الصامتين الشرفاء والكرماء والاعزاء على جميع المستويات الاجتماعية وبمختلف مكوناتهم واصنافهم وشرائحهم المحترمة والمقدرة من قبل جميع العراقيين ومن جميع الكردستانيين ومن قبل الاجانب بسبب ممارساتهم وسماتهم الانسانية وطيبة تعاملهم وكرم ضيافتهم وسمو اخلاقهم وسعة صدورهم ورقة قلوبهم.
والمقترح هو نزع السلاح من مدينة اربيل وجعلها منطقة ومحافظة وعاصمة منزوعة السلاح، وذلك من خلال ازالة كل المقرات الحزبية منها، وازالة قبضة البرزاني وحزبه من كل مفاصل الاجهزة والدوائر والمؤسسات في العاصمة واخراج كل منتسبيها من السلطة والشرنقة الحزبية المفروضة وتعويدهم على المهنية والاداء الوظيفي باستقلالية الممارسات الاصولية، وتجريد كل الاحزاب من اسلحتهم وادواتهم العسكرية في هذه المدينة الصامدة لضمان السلام الدائم لها، وذلك في اطار اتفاقية وبند دستوري معد بدقة عالية وبقانون صادر من قبل البرلمان ومنفذ من قبل الحكومة وبضمان تأييد من قبل الحكومة الاتحادية والامم المتحدة.
ولابد ان نتنبأ ان هذه المقترح سيجابه برفض من قبل السيد البرزاني وحزبه لانه يسحب بتروي وتأني بساط صولجان السلطنة والانفراد بحكم العاصمة اربيل، وسينزع مخالب القوة التي فرضت بالاحتلال منذ عقدين من السنين على هذه المدينة المعروفة بطيبة وكرم اهاليها، وبالمقابل يفترض ان يستقبل بترحاب من قبل الاحزاب الكردية والاطراف المعنية، ولا شك ان طريق هذا المقترح مليء بالاشواك والصعاب لحين تنفيذه ولكن يبقى الامل المرتجى من الحكمة الكردية ان تخرج الساسة باتفاق فعال من هذا المقترح لتحويل اربيل الى عاصمة منزوعة السلاح ومركز استراتيجي للسلم والاستقرار والامان واحتسابها كواحة مخضرة للمحبة والتعايش على خارطة السلام الاقليمي والعالمي، ومن الله التوفيق.
كاتب صحفي
[email protected]
&
التعليقات