&
كشف تعطل تطبيق "سناب شات" الثلاثاء الماضي وما احدثه من صدى وتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي الاخرى وخصوصا تويتر عن طبيعة العلاقة المعقدة والمركبة بين الانسان وهذه التطبيق &ومثيلاته ممن تجسد احد اشكال مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة في العالم الرقمي، وما آلت اليه الامور في هذا العالم الذي امست فيه سيطرة هذه المواقع على الذات البشرية وكيان الفرد واضحة بنحو من الانحاء.
المتأثرون بتعطل منصة السناب شات او بالضبط (بالمشكلة التقنية التي تواجه تحميل الفيديوهات وتسجيل الدخول ) قد عبروا عن امتعاضهم وحالة الارتباك الذي عانوا منه والفراغ الذي شعروا به حينما توقفت هذه الخدمة، فصبوا جام غضبهم على شركات الاتصال المزودة للخدمة ظنا منهم ان السبب يعود لها ، وليست للشركة المسؤولة عن التطبيق، لكن بعد ساعات اصدرت الشركة توضيحا يتعلق بما حدث وردته الى خلل في التطبيق نفسه ووعدت بقيام فريقها التقني باصلاحه.
وقد كان احدى مظاهر وتداعيات ماحدث من حالة نفسية سلبية" للمستخدمين" بسبب عطل السناب شات هو انتشار &هاشتاك على تويتر تحت اسم ( &تعطل_سناب_شات) تصدر جميع الهاشتاكات في ذلك اليوم ، حيث هرع مستخدمو السناب شات الى منصة تويتر من اجل بث همومهم وشكواهم والتعبير عما عانوه من فراغ والم ووضع متدهور بسبب هذا العطل.
وكما هو الحال في كل هاشتاك، فقد تفاوتت ردود افعال المغردين على تويتر بين من اوضح حجم مايعانيه من حالة نفسية متردية تبعت الخلل التقني لسناب شات، وبين من استغلها فرصة للاستهزاء بالاشخاص الذي يسرقهم هذا التطبيق من حياتهم الواقعية لدرجة تبعده عن اهله واقرب الناس له فنشر النكات ووضع العديد من الصور المركبة المضحكة التي تتندر على هؤلاء الغارقين في هذه العوالم، كما توجد عينة ثالثة استغلت هذه الهاشتاك ووضعته مع بوستات لهاشتاكات اخرى من اجل تمرير افكارها لعلمها بان هاشتاك السناب شات سيكون اكثر تداولا وانتشارا.&
ان اصداء ماحدث لدى مستخدمي سناب شات هو مشابه لما يمكن ان يحدث لدى الكثير ممن يستعملون، على نحو مفرط، التطبيقات الاخرى ومواقع التواصل الاجتماعي مما يعكس، لدى الجميع، نوع " الادمان" الذي يعتريهم بسبب هذه العوالم الرقمية التي اخذت مساحات كبيرة من حياتهم وعمرهم، وجعلتهم ينقطعون عن عالمهم الاخر الذي من المفترض ان يعيشيون فيه وجودهم الحقيقي، مع وجود بعض الفوارق بين التطبيقات والمنصات الرقمية، فسناب شات الذي كان مناسبة لكتابة المقالة يتسم ببساطة كبيرة،وخصوصية مختلفة عن جميع التطبيقات الاخرى، فضلا عن السرعة الواضحة في مشاركة مايود المرئ ان يشارك به.
ولذا اصبح الان عدد من يستخدمه نحو 100 مليون شخص وعدد مشاهداته بنحو 5 مليار مشاهدة يوميا، بل كشف إحصاء حديث لسناب شات ، بحسب صحيفة الحياة، أن نحو تسعة آلاف صورة يتم تحميلها في الثانية الواحدة على التطبيق، وان السعوديين ،وفقا لاحد التقارير الذي أعدته شركة أبحاث بريطانية، يحتلون المركز الثاني عالميا في عدد مستخدمي السناب شات والامارات المركز السادس، اما بين العرب فان السعوديين هم الاول عربيا.
حدث مثل تعطل السناب شات وما تبعه من تغريدات على تويتر تمثل الحالة النفسية للمتأثرين بهذا الامر شكلت بالنسبة لي فرصة &للحديث عن هذا الشكل الجديد من الادمان والعلاقة بين كل من هذه التطبيقات والمستخدمين لها ، حيث كُتِب عن موضوع هذه العلاقة مئات المقالات والبحوث وتم مناقشة النتائج المترتبة على استعماله والافراط فيه بكثرة في العديد من المؤسسات، وخلصت الى نتائج ودلالات كثيرة لامحل للتعرض لها الان، ولعلنا نكتب عنها لاحقا بالتفصيل.
وقد اتخذت من الدراسات المتعلقة بالفيسبوك واثره نموذجا لهذا التوجه المفرط في العلاقة مع هذه التطبيقات والمواقع وذلك بسبب انتشاره وطغيان استعماله على بقية التطبيقات، اذ اكدت بعض من تلك الدراسات، التي اطّلعنا عليها كل على حدة وبلغتها الاصلية، ان الفيسبوك" مثلا " يجعلنا اكثر كآبة كما تقول الباحثة جين كيم، واكثر تعاسة طبقا لابحاث قسم السايكولوجي في جامعة ستانفورد كما تقول ليبي كوبلاند، بل أن ترك الفيسبوك يمنح الشخص سعادة استنادا لدراسة مايكل اوستن، والفيسبوك، وفقا للدكتورة ستيفاني ساركس، يزيد الغيرة ، واستعماله بكثرة يجعلنا اقل مرحا كما توضح ذلك الدكتورة جينفير باركر، وقد كتبت الدكتورة باميلا رترج عن مدى صحة العلاقة بين الاساتذة والطلاب على الفيسبوك ونتائجها التي شبّهتها البروفسورة نانسي ديرلنك من كلية دبلن بــ" مرض جنسي معدي".
كما تحدث كل من ناثان بافلك وسوزان كروس عن خطر الفيسبوك والايميل، وخطايا الفيسبوك السبعة على التوالي!...وطرح بعضهم اسئلة اجاب عليها بمقالات مثل: هل تؤذي مواقع التواصل الاجتماعي العلاقة بين الزوجين؟...كما طرحت ذلك شيري بورج كارت...وهل تدمر مواقع التواصل الاجتماعي الحياة الاجتماعية؟ كما رايانا ذلك لدى ايرا روزوفسكي....وهل تقتل التكنولوجيا الحب ؟ كما قرأناه لدى لوريا ايسج.
وفي هذا الصدد يقول أستاذ الفلسفة المشارك في جامعة كنتاكي الغربية الدكتور مايكل اوستن، شارحا علاقته بالفيسبوك وكيفية تعامله معه،" لم استعمل الفيسبوك منذ حوالي ستة اسابيع وبصراحة لم افتقده، حيث بقيت على اتصال مع اصدقائي بطرق اخرى واصبحت بعيد عن الاتصال مع اصدقاء الفيسبوك الذي كانوا بكل صراحة لطفاء معي".
هذه العبارة هي المدخل الذي سينطلق منه الدكتور مايكل في الحديث عن موضوع الادمان على الفيسيوك، حيث يشير الى دراسة نُشرت في صحيفة التيلغراف البريطاينة بعنوان" الفيسبوك والتويتر اكثر ادمان من التبغ والكحول" تحدثت عن الرغبات اليومية لكل شخص ووجدت بانه من الصعوبة مقاومة رغبة البقاء متصلاً " online "على شبكات التواصل الاجتماعي، بل أن مستوى الرغبة في هذا البقاء كانت ذات درجات أعلى من الرغبات المتعلقة بشرب الكحول والسجائر.
واوضحت الدراسة التي اجريت على 1000 طالب في 12 جامعة من 10 بلدان مختلفة ان اربع من خمس طلاب اصيبوا بحالات من الذعر والقلق والارتباك والاحساس بالعزلة الشديدة حينما تم قطع وسائل الاتصال الحديثة عنهم كالهاتف النقال واللابتوب وموقعي التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر.
ماذا يعني هذا ؟ يتساءل الدكتور مايكل ...ويجيب على ذلك فورا بان مواقع التواصل الاجتماعي تفرض خطرا خاصا لبعض الاشخاص يؤدي الى ايجاد شخصيات تتسم بالادمان، فالدافع " لمعرفة مافعل "صديقك ليلة الجمعة ممكن ان تكون قوية جدا بالنسبة لنا وعدم معرفة هذه المعلومات يكون امر غاية في الصعوبة".
دراسة سابقة كتبتها البرفوسور سوزان مولر، ونشرتها صحيفة الديلي غراف &بعنوان " ادمان التلاميذ على التكنولوجيا مشابه لولعهم بالمخدرات" تضمنت عينات من تلاميذ قُطع عنهم الاتصال مع وسائل الاتصال الاجتماعي لمدة 24 ساعة وقامت الدراسة بتسجيل ردة افعالهم حيث وجدتهم اصبحوا " مشاكسين، غاضبين، قلقين، ذوي مزاج متعكر،غير آمنين، اعصابهم منهارة، غير مرتاحين، مجانين، مدمنين، غيورين، وحيدين، محتاجين للاخرين، تغمرهم الكأبة ومذعورين".
فالارتباط المتواصل مع وسائل الاتصال الاجتماعي يكون لديه اثار سلبية على الذات الانسانية، كما ان الفيسبوك وتويتير يُسهم في أضاعة الوقت في العمل والبيت، وقد وصفه الدكتور تيموثي فايكل بانه "عالم جديد من اضاعة الوقت!.. مرحلة تكنولوجية جديدة من اضاعة الوقت"، ومن ثم يجعلنا لذلك اقل ابداعا وانتاجا وحتى مهارة.
لكن الاكثر أهمية من ذلك ان الوقت الذي يقضيه الفرد في مواقع التواصل الاجتماعي" الافتراضية" يمكن ان يقوّض حياتنا الاجتماعية "الواقعية"، في حين ان الفيسبوك كشركة قد اصبح، وكما اشارت الى ذلك صحيفة الديلي ميل البريطانية، من اكبر الشركات العالمية استثمارا وبقدرة نقدية فاقت ال100 مليار وهي ارباحا تأتي على حساب جهد الكثير من الاشخاص الذين يضيعون ويخسرون الكثير من الوقت في تصفحه والغرق في صفحاته .
وهذا واضح من خلال التجارب والابحاث التي ذكرناها اعلاه، أذ وجدت انه " عندما يبتعد التلاميذ عن الهواتف النقالة وبقية الاجهزة الالكترونية الاخرى، فانهم ينخرطون في محادثات عميقة تكون متنوعة بالجودة والعمق"، فيعود هؤلاء التلاميذ الى حياتهم الاعتيادية الواقعية بدلا من انغماسهم بحياة افتراضية تُبنى في كثير منها على الخداع والكذب والتضليل.&
وعندما نود الوقوف على الاسباب الى تدفع الى الادمان على هذه التطبيقات والمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي فاننا سوف نجد ان الاسباب عديدة منها الترفيه والحصول على المعلومات ومحاولة الارتباط مع الاخرين، اذا يفسر الدكتور مايكل سر اللجوء لهذه المواقع في عبارة يُحسن الوقوف عندها، أذ يقول " انا مؤمن بان الدافع الاساسي للانجذاب نحو الفيسبوك وبقية مواقع التواصل الاجتماعي هو" أمل الارتباط مع الاخرين...!" فالكائنات البشرية مخلوقات اجتماعية تعيش في وسط اجتماعي ونحن نرغب باقامة العلاقات من اجل تعزيزها وتطويرها .
لكن هل تم تحقيق هذا الهدف والغاية فعلا ؟ ...لا أظن ذلك، اذ لاتنجز مواقع التواصل الاجتماعي، بالنسبة للكثير، أمل الارتباط ... فهذا الوعد والأمل يتحقق في المحادثات والعلاقات المباشرة وجها لوجه اكثر منها على الفيسبوك.
نعم للفيسبوك وتويتر وسناب شاب والانستغرام وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي الاخرى سمات وخصائص ايجابية وسلبية مثل اي اداة يستعملها الانسان، ومن ثم فالامر يعود الينا في الاستفادة من ايجابيات التكنولوجيا والتقليل من نتائجها السيئة على حياتنا، وان تكن هذه العبارة الاخيرة مثالية اكثر منها واقعية خصوصا مع التعامل والغرق المفرط في عوالم هذه المنصات الرقمية التي تسرق وجود الانسان وتمتص كيانه وتشتت تركيزه.
&
مهند حبيب السماوي / باحث في مجال التواصل الاجتماعي
&
&