لا يوجد في دنيا البشر منزه عن الخطأ سوى المعصومين من الأنبياء والرسل. ورجب طيب أردوغان، هو واحد من هؤلاء الذين يصيبون ويخطئون، وليس معنى اعتراف كثيرين له بما قدم للأمة التركية من نهضة، خاصة في الشأن الاقتصادي، أنه ونظامه لم يرتكبوا أخطاء ترتقي إلى حد الخطايا، وهو ما تسجله سطورنا بمعطيات وأدلة وبراهين، تضع تركيا في مهب ريح عاصف من صنع نفس الرجل الذي يراه كثيرون أملا في استعادة الإرث العثماني البائد.

&

قتل واعتقال المعارضة

في أواخر شهر نوفمبر الماضي، وقبل أسبوعين من الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تجمع أكثر من عشرة آلاف شخص في ساحة بأنقرة تلبية لنداء الحركات التي دعت إلى "مسيرة من أجل السلام"، وردد المتظاهرون هتافات انتقدوا فيها أردوغان وحكومته، وهتف المتظاهرون الذين أحاطت بهم قوات الأمن "أردوغان قاتل" و"الدولة ستدفع الثمن".

جاء هذا بعد مجزرة خلفها انفجاران قويان نسبتهما السلطة إلى انتحاريين اثنين، في محيط محطة القطارات الرئيسية بالعاصمة التركية، حيث توافد آلاف الناشطين من كل أنحاء تركيا بدعوة من النقابات ومنظمات غير حكومية وأحزاب اليسار للتجمع تنديداً بتجدد النزاع بين أنقرة والمتمردين الأكراد. وبلغ عدد ضحايا الانفجاران 97 قتيلاً و507 جريحا.

&

هضم الحريات

في مارس 2014 وبأمر أردوغاني أغلقت هيئة الاتصالات في تركيا موقع "تويتر"، وفي إبريل وعقب عملية اغتيال المدعى العام أمام محكمة القضاء، تمّ حظر كلاً من الفيسبوك وتويتر واليوتيوب بسبب نشر جريدة "يني شفق" مشاهد من لحظات اختطاف واغتيال المدّعي العام "محمد سليم كيراز". ووفقاً للتصريح الصادر عن اتحاد مزودي خدمات الاتصال بالإنترنت، أن ذلك القرار قد صدر عن نيابة الجمهورية العامة في تركيا.&

هذا إضافة لإغلاق الكثير من الصحف والقنوات بزعم تبعيتها لزعيم التيار الموازي فتح الله كولن، واعتقال العديد من الضباط ونقل بعضهم من مناصبهم ووقف آخرين ممن يحسبهم النظام على تيار كولن.

&

مد فترة الرئاسة

يكاد أردوغان يسخر كل شئ في تركيا لأجل ما يراه، معتبرا أن حساباته فقط هي الصحيحة، ورؤيته وحدها التي يجب أن تنفذ. فالرجل الذي جلس على كرسي الرئاسة بقصر شانقيا قبل الانتقال إلى قصره الأبيض، يسعى بكل قوة إلى توسيع صلاحياته وإطالة مدة رئاسته من 7 سنوات إلى عشر على فترتين، وذلك باستغلال أغلبيته البرلمانية في تعديل الدستور، وتغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي تدمج فيه صلاحيّات رئيس الوزراء مع صلاحيّات رئيس الجمهوريّة، أو نظام شبه رئاسي يصبح فيه منصب رئيس الحكومة خاضعا لإرادة رئيس الجمهورية دون الحاجة إلى تحالفات مع الكتل البرلمانية لأحزاب أخرى أو إجراء استفتاء شعبي غير مضمون النتائج.

وباستغلال كاريزميته وقوة شخصيته وإنجازاته، يبحث التخلص من الحرس القديم وتولية شاب موال له أو متناغم معه بعيدا عن الحرس القديم كداود أوغلو، وممارسة صلاحيات رئيس بنظام رئاسي فعليا وليس قانونيا، وإدخال تعديل دستوري محدود يعيد توزيع السلطات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وذلك من أغلبيته البرلمانية التي جعلته قريبا جدا من حلمه هذا دونما نظر إلى رؤية الآخرين وتخذيراتهم في خطر هذا التحول على تركيا ومؤسساتها.

&

أكذوبة تصفير المشكلات

جاء العدالة والتنمية بالمفكر الفذ صاحب فكرة "تصفير المشكلات التركية" د. أحمد داوود أوغلو صاحب كتاب "العمق الاستراتيجي ليكون أحد رموز الحزب الحاكم وتم تعيينه كوزير للخارجية ثم رئيسا للوزراء، أملا في أن يحقق ما سطره قلمه يوما، لكن أين تركيا الآن على صعيد التوترات السياسية؟!

باتت علاقات تركيا بجيرانها مأزومة (أو على الأقل غير ودية)، من روسيا إلى إيران والعراق وسوريا، إضافةً إلى خصوماتها التقليدية مع أرمينيا وقبرص واليونان وبلغاريا.

المفارقة اللافتة أن الجار الوحيد الذي ما زالت تركيا أردوغان على علاقة طيبة معه هو إقليم كردستان بشمال العراق!

تحتضن تركيا ما يزيد عن مليوني لاجئ سوري، غير أنها لم تستطع كسب ود الشعب السوري، ومماطلتها في التخلص من بشار الأسد متحججة بالمجتمع الدولي، وإطالتها أمد المعركة يبرهن على أن بشار كان حليفا وصديقا للعدالة والتنمية، ولا ينسى السوريون أن الجهود الدبلوماسية التركية في مطلع الثورة السورية كانت فقط تهدف إلى إجراء إصلاحات في النظام السياسي، بالرغم من كونه نظاما ديكتاتوريا قمعيا.

وسارعت باحتضان حركة الإخوان المسلمين التي رأت فيها القوة الرئيسة للمعارضة السورية. وتدخلت، من هذا المنظور الأحول، في تشكيل المجلس الوطني السوري الذي فقد الكثير من مصداقيته بسبب هيمنة الإخوان المسلمين عليه.

وبعد سنوات أمضاها في وعود وردية بحل المشكلة الكردية المزمنة حلاً سلمياً، وبوضع دستور مدني ديموقراطي عصري بما يتفق مع المعايير الأوروبية، عاد ليستخدم الآلة العسكرية والممارسة الأمنية ضد الأكراد، مضحيا برصيده الإيجابي الذي راكمه خلال السنوات الماضية.

ويزداد وضع أردوغان حرجاً بعدما قام بتصفية دور الجيش في الحياة السياسة، فلم تبق له أية ذرائع يعلّق عليها تردده في وضع نهاية سلمية لقلق تركي مشروع بوقوع حرب أهلية كلفت تركيا أكثر من 40 ألف قتيل من الكرد والأتراك.

أضف إلى مشكلة الأكراد، نحو 15 مليوناً من العلويين الذين طالما تجاهلت الدولة وجودهم وخصوصيتهم... ترى، هل سيبقون متفرجين على ما أصبح شائعاً في السيناريوات المتداولة حول مستقبل سوريا حلاً لـ "مسألتها العلوية"؟

&

الخصومة مع مصر

التصريحات المعادية السلطة المصرية التي لا يترك الرئيس التركي مناسبة إلا أطلقها أضاعت على البلدين الكثير من الفرص في توقيت ندرت فيه الفرص، في ظل تكتلات عالمية وحروب تهدد دول العالم خاصة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا.

فرؤية أردوغان وتصريحاته تكاد تتحول من التصريحات السياسية إلى التعليقات الأيدولوجية، حيث ينفضح تماما ميل الرجل الشديد للإخوان ومظلوميتهم في مصر ومن قبلها سوريا كما ذكرنا، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها.

ونشرت صحيفة "واشنطن تايمز" في وقت سابق "أن الخصومة المريرة بين مصر وتركيا، الحليفين المحوريين في الشرق الأوسط للولايات المتحدة، يحول دون تحقق جهود واشنطن في مواجهة المتشددين السنة واحتواء طموحات إيران الشيعية".

وذكرت الصحيفة، إن مصر تتهم تركيا بالتعاون مع تنظيم "داعش" في شبه جزيرة سيناء، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى العلاقات السيئة بالفعل بين القوتين الإقليميتين.

ونقلت عن وزير الخارجية المصري سامح شكري قوله حينذاك: "إن مصر طالبت دول المنطقة مرارا لبذل المزيد من الجهود الرامية للتصدى لتنظيم "داعش"، وخاصة تشديد السيطرة على الحدود، ولكن للأسف ليس هذا هو الحل مع تركيا".

&ونوهت إلى أنه وسط نجاح الولايات المتحدة أخيرا في دفع تركيا إلى الإلتزام بالتصدى لـ"داعش" عبر الحدود السورية، تواصل حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي شن هجمات متتالية لدحر موجة عنف المتشددين الإسلاميين.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مصري قوله "إن مصر لديها أدلة تربط الحكومة التركية بجماعة "ولاية سيناء" التابعة لـ"داعش" في شبه جزيرة سيناء، فضلا عن دعم تركيا للإخوان المسلمين وحركة "حماس".

&وبحسب المسؤولين المصريين فأن الأسلحة التركية تأتي على الأرجح من ليبيا، في إشارة إلى تقرير للأمم المتحدة الصادر في فبراير 2014 والذي أفرد فصلا كاملا عن كيفية تدفق الذخائر التركية إلى ليبيا.

ومن جانبه اعتبر جاك نيريا النائب السابق لرئيس فرقة التحليل بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن نشر السلطات المصرية لأسماء العملاء الأتراك دفع واشنطن لتوجيه الأسئلة الصعبة لتركيا، مشيرا إلى أن التعاون الأمريكي التركي يعكس على الأرجح محاولة أنقرة احتواء الضرر وتحسين صورتها في واشنطن.

وأضاف نيريا "أن موافقة تركيا بعد رفضها الدائم على السماح للولايات المتحدة بإستخدام قاعدة "أنجرليك" الجوية من أجل شن غارات ضد معاقل تنظيم "داعش".&

وحتى الآن لم تعين مصر سفيرا لها لدى أنقرة، بعد أن طردت القاهرة السفير التركي وخفضت العلاقات بين الجانبين في 2013 بعد مطالبة أردوغان بالإفراج عن مرسي.&

واختتمت الصحيفة تقريرها بنقلها عن الناشط السيناوي أبو سليمان قوله "هناك عشرات الأتراك يقيمون في قطاع غزة، وهم ليسوا مواطنيين عاديين ولا عمال إغاثة، مشيرا إلى أن أولائك الأتراك تواصلوا مع "ولاية سيناء"، مستخدمين غزة كقاعدة إستخباراتية".

لكن يتجدد أمل في تقارب يحدث بين البلدين المحوريين الكبيرين في العالم الإسلامي بوساطة سعودية، خاصة بعد إعلان التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب.
&

صحفي وباحث متخصص في شئون آسيا السياسية والاقتصادية