&اتذکر مرة، منذ سنوات عديدة مضت، اثناء زيارة لمسعود البارزاني لجامعة دهۆك، وبعد ان انتهى من القاء کلمة في جمع من الحضور من الکادر الجامعي اقترح احد هٶلاء متملقا مداهنا بأن يتم الاعلان عن ذلك اليوم، اي يوم زيارة البارزاني للجامعة عطلة رسمية. رفض البارزاني الاقتراح على الفور و بقوة واصفا مثل هذه الممارسات بمثابة اعادة صناعة للدکتاتورية. ذلك الموقف من البارزاني اعطاني کل الاسباب کي اتفائل خيرا بأنه سيکون القائد الذي سيبني دولة القانون والمٶسسات وسيقود سفينة الوطن الى بر الامان. اليوم، وبعد کل هذه السنين، وکرئيس للاقليم لدورتين متتاليتين، وسنتين اضافيتين، وکرئيس منتهي ولايته لم يسطيع تحقيق ما کان يۆمل منه من ان يکون راعيا للمۆسسات القائمة في کوردستان، بل اصبح على ما يبدو عائقا ومعطلا لعملها، وبدل ان يستميت لاجل ايجاد الحلول للازمات الحادة والخطيرة التي يمر بها من يفترض ان يکونوا ابناء شعبه، نراه قابعا في قصره العالي في سري رش بعيدا لا ينزل من عليائه لملامسة هموم المواطنين ومعاناتهم بسبب الحالة الاقتصادية المزرية، وبسبب تزايد احتمالات انسداد افاق الحل للازمة السياسية التي يمر بها الاقليم. فبدل من ان يستنفر کل ما لديه من امکانات وطاقات للشروح لايجاد الحلول لازمات البلاد يلجأ بدلا عن ذلك الى عملية الهروب الى الامام بعيدا عن مواجهة المشاکل التي تعصف بالوطن والمواطن.

فبدلا من ان يختار البارزاني مبدأ التواصل مع معاناة الشعب من خلال مصارحته بخلفيات وافاق وامکانيات حلول الازمات القائمة نراه يلجأ الى تحريك مرٶوسيه في الحزب الديمقراطي الکوردستاني للتخاطب مع الشعب والاطراف السياسية الاخرى للازمة السياسية. وليس خافيا على احد بان هدا الحزب من الفه الى يائه هم قوم لايحلون ولا يربطون لا حول لهم ولا قوة. وما في تحريك هٶلاء للتعامل مع الازمة الا دليل على عدم الجدية لحل المشکل.

وبدلا من ان يسهر على حسن اذاء مٶسسات الدولة القائمة برلمانا وحکومة وادارات والتي تشکل روح التجربة الکوردستانية ورمزا لنجاحها ولديمومتها، نراه يوعز لاجهزته الامنية والحزبية لتقوم بتعطتيل اداءها والحط من هيبتها من خلال ابعاد رئيس البرلمان واعضاء البرلمان والوزراء من الدين غير مرغوب فيهم والمغضوب عليهم من قبل البارزاني.

وبدلا من ان يدعو الى حملة تقشف شاملة في مختلف القطاعات العامة في البلاد بهدف ترشيد الاستهلاك، ودعوة کل الذين جنوا الثروات الطائلة بسبب وجودهم في السلطة او على مقربة منها الى التبرع، ولوبجزء من ثرواتهم هذه، والتي هي اصلا اموال الشعب لاجل المساهمة في تخفيف الضائقة الاقتضادية للمواطنين، نرى القطط السمان من اوساط السلطة والمقربين منها والمحسوبة عليها تزداد جشعا وثراءا لا حدود له ولا نظيرله، ودائماعلى حساب حقوق المواطنين وقوتهم. وما حفلة الصورة المرصعة باللآليء للراحل البارزاني الاب بهدف بلوغ موسوعة غينيس الا دليل ناصع على مدى بعد اهل السلطة من معاناة البلاد والعباد،

وبدلا من ان يتحول السيد البارزاني الى مکوك دائم بين مراکز اطراف الازمة في البيت الکوردي، وکدلك العراقي نرى اکثر ولعا بزيارة قصور الملوك والرٶساء في الدول المختلفة جاهلا او متجاهلا حقيقة ان الزعامات التي لا تقف ورائها شعوبها لا يمکن ابدا ان يحسب لها حسابا عند الاخرين.&

عندما انتخب نلسون مانديلا باجماع ساحق رئيسا لجنوب افريقيا عام ١٩٩٤ کان کما هو معلوم الاکثر شعبية، ليس فقط في بلاده، لابل في کل العالم، وکان رٶساء وزعامات العالم يتقاطرون لتهنئته وللقائه، لکن هم مانديلا الکبير آنئذ کان منصبا على تبرم وبوادر تمرد من لدن رئيس حرکة انکاتا وقبائل الزولو الجيف بوتوليزي من نتائج الانتخابات والتي بدأت تعيد اجواء التوتر بين الحرکة والمٶتمر الوطني الافريقي. فقرر مانديلا ان يتوجه شخصيا الى مقر منغستو بوتوليزي، وعندما سأله الصحفيون عما سيعرضه على بوتوليزي لاقناعه قال مانديلا سأتضرع واتوسل اليه لاجل شعوبنا...فاتفق الرجلان وانتهت الازمة.&

الزعامات الحقيقية لا تهرب الى الامام ولا تعالج الخطأ بالخطا، وان اطلاق الوعود تارة باعلان الدولة الکوردية والدعوة الى الاستفتاء على اعلانها تارة اخرى ليست سوى شکل اخر من اشکال محاولة کسب ود الشارع او التعتيم على ما هواکثر الحاحا وآنية، وما على البارزاني الا ان ينتقل من سري رش الى السليمانية ولا يعود منها الا بعد ان يتفق مع خصومه السياسيين على اعادة اللحمة الى البيت الکوردي واعادة الامل والثقة الى اهل کوردستان بتجربتهم وقيادتهم السياسية، ولا يصح، کما يقال الا الصحيح.

[email protected]