&

في الحديث السابق تطرقت الى احتمال الرحيل الامريكي من الشرق الاوسط في العقود القادمة وتسليم المنطقة الى القطب العالمي الآخر اي روسيا . هل روسيا قادرة فعلا على ملء الفراغ الامريكي؟

روسيا لن تنجح في ذلك اذا لم تقم بتغييرات جوهرية في داخلها بالدرجة الاولى حيث ان ملء الفراغ الامريكي يتطلب امكانات اقتصادية هائلة والدور الامريكي في الشرق الاوسط كلفت الشعب الامريكي خسائر ضخمة ولكن الدعم الخليجي كان دائما جاهزا لتفادي الانهيار في بعض الازمات لاسيما اثناء حرب تحرير الكويت .

ملء الفراغ الامريكي يحتاج الى اقتصاد ثري وقوي عملاق .

روسيا لازالت تعاني من الازمات الاقتصادية ولكن بالامكان التغلب عليها من خلال تطبيق سياسات اقتصادية عصرية كالتي قامت بها النمور الآسيوية على سبيل المثال .

هل ستقوم روسيا بدور الشرطي في الشرق الاوسط الجديد ام دور الراعي الذي يهدف الى الاستقرار والامن ونشر الديمقراطية والرفاه؟

دور الشرطي سهل ووقتي دون وجود اهداف ومشاريع لبناء مستقبل مشرق واستقرار دائم .

طبعا حديثنا سوف يتمحور حول دور الراعي وهو المطلوب ولكنه صعب وشاق للغاية .

روسيا لديها مشكلتان اساسيتان لا بد من التخلص منهما حتى تصبح دولة عظمى عن حق وتملأ الفراغ الامريكي في الشرق الاوسط:

ــ في مجال الصناعة: روسيا لازالت تعاني من صعوبات كبيرة في المجال الصناعي . روسيا متقدمة في مجال الصناعة العسكرية ومجال الطاقة النووية وابحاث الفضاء ولكنها متأخرة في قطاع الخدمات و الصناعات الاستهلاكية حيث لا نجد اثرا للمنتوجات الروسية في المخازن والدكاكين في حياتنا اليومية العادية . كمثال بسيط لازالت روسيا تعتمد على الخارج في قطاع البناء وهو امر يدعو الى الدهشة والاستغراب .

على روسيا ان تستفيد من التجربة الصينية الباهرة في هذا المجال حيث ان الصناعات الصينية دخلت كل بيت في جميع ارجاء الدنيا .

ــ في مجال النظام السياسي: كيف ستطالب روسيا بالديمقراطية وهي لا زالت تتعثر في هذا السبيل . الرئيس بوتين نجح في انقاذ روسيا من الانهيار والفشل التام بعد زوال الاتحاد السوفييتي واصبحت بفضله دولة عظمى بعد الولايات المتحدة الامريكية ولكن النظام السياسي الحالي يحتاج الى تبديلات جذرية تنقل روسيا من نظام الرجل الاوحد الى النظام الديمقراطي التعددي الحقيقي .

الرئيس بوتين متقدم في العمر واذا تمكن من تحقيق الحلم الديمقراطي للاجيال الروسية القادمة ووضع دستورا ديمقراطيا حرا لا يقل عن الدستور الامريكي او الفرنسي او السويدي وهو على قيد الحياة فانه سيدخل التاريخ الروسي لا بل التاريخ البشري من اوسع ابوابه خالدا فيها . عندها ستصبح روسيا دولة عظمى بكل معنى الكلمة وتفرض احترامها ومهابتها على المستوى العالمي والمشاركة في بناء عالم جديد يتمتع بالحرية والرفاه .

على روسيا الاستفادة من الاخطاء الامريكية في الشرق الاوسط . من اكبر الاخطاء الامريكية تلك كانت سياساتها التي اعتمدت فيها على الانظمة فقط بما فيها الديكتاتوريات ولم تعط اي اهمية للشعوب وكانت سببا في الفشل الامريكي في الشرق الاوسط .

الدور الروسي في الشرق الاوسط سوف يزداد فاعلية سواء غادرت ام بقيت الولايات المتحدة الامريكية وتدخلها في الازمة السورية خير برهان .

قبل مئة عام تم رسم الخارطة الحالية للشرق الاوسط بالقلم والمسطرة في باريس ولندن اي اتفاقية سايكس بيكو دون علم وموافقة شعوب المنطقة .النتيجة كانت هذه الدول المصطنعة والفاشلة والتي تعيش حروبا اهلية يتم القتل فيها على الهوية وهي مرشحة للانتقال الى دول اخرى بما فيها تركيا .

اذا ارادت روسيا الاعتماد على الشعوب بدلا من الانظمة فانها ستنجح فيما فشلت فيه امريكا في نصف قرن او اكثر وما على روسيا الا ان تلقي باتفاقية سايكس بيكو الى مزبلة التاريخ .

&

كاتب كردي

[email protected]