يقول الحديث النبوي ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها &دينها ) أما أنت يا شيخ الإسلام ومجدد الأنام فقد بعثك الله لتجدد الإسلام على رأس ألف ألف سنة قادمة، فلقد أتعبت من جاء بعدك ومسحت كل من جاء قبلك، ومن خرج من عباءتك – إذا همس أو بسبس – فإنه عالة عليك وأنت خير معيل، لا يمكن أن يقاس الكل إلا بك لأنك المسطرة والفرجار والدائرة بل والهندسة كلها التي يدور حولها من بعدك، فلقد منحك الله أتباعا يقدسون تمتمة لسانك كما يقدس الصوفية أولياءهم وقبورهم، وينزهونك عن الزلات والأخطاء كما ينزه الأشاعرة أسماء الله وصفاته عن التشبيه والتعطيل والتجسيم، ويضعونك بين منزلة اللاإنسانية و اللانبوة كما يضع المعتزلة مرتكب الكبيرة بين الجنة والنار، أما وأنك قد حاربت الصوفية والأشاعرة والمعتزلة كما حارب الصحابة فارس والروم، فإن أتباعك قد جعلوك تسقط فيما نهيت عنه &الفرق الإسلامية الضالة.

هل تصدق يا أيها الشيخ أن داعشيا أحرق طيارا أردنيا – والأردن هي دولة حديثة كانت في زمنك جزءا من بلاد الشام – بسبب دفاعه عن أرضه، ثم قام المخرج الداعشي ببث رسالة ظاهرها الدين وباطنها إخضاع عقول الناس لجلال سلطانك،فهل تصدق أنه صار بإمكان كلامك نسخ أحاديث الرسول ص وتعطيل العمل بها ؟ فابن مفلح في "فروعه" والدواعش في أفلامهم ينقلون قولك "إن المثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها، والصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالا لهم عن نظيرها، فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من باب إقامة الحدود والجهاد المشروع".

ففي حين أن رسول الله في الأحاديث الصحيحة كان ينهى عن التعذيب بعذاب الله وينهى عن المُثلة بل ويغضب من قوم أحرقوا بيتا للنمل، فما بالك بمن أحرقوا آدميا بعد أن صوروه أمام أعين الناس حتى يحرقوا قلبه وقلب الديه وأخوته وعشيرته والناس أجمعين، ثم يبررون ما صنعوه بقصاصة صفراء منقولة عن جنابك الكريم ؟

كان الخوارج أهل صلاة وصيام يحقر الصحابة عبادتهم أمامهم،وكانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب كما يحفظ الدواعش وخلاياهم النائمة نصوصك المبعثرة في "فتاويك" و"منهاجك" و"صراطك"، فبإمكان كلمة منك أن تدفع بالنصارى واليهود إلى أحد الحيطان الضيقة في شوارع صنعاء والرياض والإسكندرية، وبإمكان كلمة منك أن تمنع اللاجئين الفلسطينيين و السوريين والعراقيين من البدء بالسلام على أحد كفار موظفي الصليب الأحمر، وبإمكان كلمة منك أن تمنع أحد المسلمين المهاجرين إلى لندن وباريس و بروكسل من تهنئة من يعطيه راتب الإعانة الشهرية بعيد الكريسمس، خوفا من أن يعتقد أن الكافر – ولو للحظة واحدة - أن المسلم ليس من "الأعلون" الأعزون الأكرمون الأفضلون، وبكلمة منك يستطيع أحد المسلمين في نيجيريا قتل آخر جهر بالنية قبل تكبيرة الإحرام لأنك قلت أن فاعل ذلك يستتاب وإلا يقتل، وبكلمة واحدة تستطيع فعل ما لا تستطيع الأمم المتحدة فعله في بلاد الدواعش.

يا أيها الشيخ أنت من جعلت أموال الكفار كلأً مباحا للمؤمنين لأنهم لا يستحقونها فهي مخلوقة لمن يستحقها من أتباع الفرقة الناجية، " فكانت أموالهم - أي الكفار - على الإباحة...والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها ملكوها شرعا"، وأنت من أطلقت لسانك في علماء المسلمين قبل غير المسلمين، فجعلت الامام الرازي – صاحب أكثر تفسير عقلاني للقرآن في العصر القديم - محادا لله ورسوله لأنك خالفته في مسألة أو مسألتين، فما بالك بمن خالفته في "واسطيتك" أو "حمويتك" أو "تدمريتك" ؟ هل هو إلى جحيم دانتي أبد الآبدين ؟ أم أنك ستخرجه من نارك بعد حين؟ فقد نقل عنك تلاميذك قولك بفناء النار يوم القيامة &بعد أن يستوفي الكفار عذابهم ؟ وبقدر عجبي من جرأتك وشجاعتك فيما ذهبت إليه بقدر ما أنا مذهول من سكوت أتباعك التراثيين عن قولك هذا ؟ فلا هم تجرأوا أن يكفروك ولا أن يفسقوك ولا أن يبدعوك ؟ فتخيل لو أن قائل هذا القول كان الرازي أو الغزالي &أو ابن رشد ؟ ففي أي طبقة من النار بظنك كانوا سيضعونهم؟&

لقد قلت أن من يدعو لبدعة فهو مستحق للعقوبة، ثم اتهمت أنت بالبدعة ليس من قبل الجهمية والرافضة بل من قبل المذاهب السنية الأربعة، فسجنت في سجن القلعة حتى توفاك الله وبأمر من ولي الأمر الشرعي، فهل كنت في خلوتك تلك تعتقد أنك تدعو لبدعة &تستحق عليها السجن المؤبد ؟ وهل كنت ترضى أن يطبق عليك حكمك ؟ وربما هذا ما جعلك تعتقد أنك إذا قتلت " كنت من أفضل الشهداء" وكان "عليك الرحمة والرضوان إلى يوم القيامة"، فكيف استطعت أن تزكي نفسك وتدخل نفسك نعيم القبر وجنة الآخرة ثم لا يستطيع أتباعك إلا أن يبصموا بالعشرة على هذه التزكية بدون أدنى اعتراض، فلو كان غيرك قالها لكان الآن من أهل الكبر والخيلاء وسوء المنقلب في الدنيا والآخرة.

قد لا استغرب وجود رجال يصفقون ويطبلون لكل ما تتفوه به شفتاك العظيمة، إلا أنني استغرب حين أرى تحمس أحد النساء لك وأنت تنقل أثرا عن عمر بن الخطاب - بلا سند ولا عضد - أنه نهى عن تعليم النساء الخط، وترى أن النساء &أكثر الناس إخبارا بالفواحش، وأنهن "متى رأين البهائم تنزو الذكور منها على الإناث ملن إلى الباءة والمجامعة"، فكيف تسنى - لك وأنت الشيخ الجليل الذي ينهى عن الخلوة والإختلاط - معرفة ما يدور في مجالس النساء بهذا التفصيل المثير للإنتباه ؟ وكنت تقول أنهن لن يشاركن الرجال في رؤية الله يوم الجمعة لأنهن لم يشاركن في شهود صلاة الجمعة، فأي جريرة اقترفتها المرأة التي امتثلت قولك بعدم وجوب الجمعة عليها لتعاقبها على امتثالها وطاعتها لأمرك ؟

ثم اشتددت على الرياضيات والهندسة حتى جعلتهما مما يتسلى الناس به وقت فراغهم، وجعلت هذه العلوم كثيرة التعب قليلة الفائدة، ثم التفت إلى الكيمياء وحرمتها برمقة عين بسبب شبهتي الغش ومضاهاة خلق الله، فهؤلاء " الكيمياوية الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك فيصنعون ذهبا أو فضة أو مسكا أو جواهر أو زعفرانا أو ماء ورد أو غير ذلك يضاهون به خلق الله"، ولكي تكمل مسلسل التشويه أضفت نصا مقدسا آخرا فقلت أنه لم يكن من أهل الكيمياء لا أحد من الأنبياء ولا علماء الدين ولا الصحابة ولا التابعين، ثم تقدمت خطوة جريئة لا يتقدمها إلا إمبراطور مثلك فشككت في وجود شخصية تاريخية عالمية، ألا وهي شخصية جابر بن حيان، فجعلته مجهولا لا يُعرف وقلت للناس أنه لا ذكر له لا بين أهل العلم ولا بين أهل الدين، أعذرك فيما قلت لأنك لم ترى ما صنعت الرياضيات والكيمياء في حياتنا، لكن ماذا عن تلاميذك الذين يقرأون فتاويك في حواسيبهم الشخصية بفضل الرياضيات التي قللت من قيمتها، ما هو سر قدرتك على الرد والتشكيك في كل ما هو حولك - حتى غدا ديكارت تلميذا يغسل قاع قدميك – ثم لا ينبس أحد من مواطني دولتك ببنت شفه ؟ والله إنك لرجل محسود، وما يجعلني أفرك ذقني من العجب أنه لا توجد فرقة في الإسلام السني أو السياسي إلا وتصدر فتاويها ب "قال شيخ الإسلام" لتكسب الفتوى قوة وحسماً أمام أتباعها.

الكلام في مثلك يطول لأنك بحر عظيم لا ساحل له، لقد مت من مئات السنين، لكن ما زال لك إمبرطورية لها دستور دائم ومذهب قائم، لن أطالب بنبش قبرك كما نبش قبر معاوية من قبل العباسيين، ولن أطالب بحرقك كما حرق الكساسبة من قبل الداعشيين، ولن أطالب باغتيالك كما فعل الحشاشون مع "نظام الملك" في العراق، لكن أود أن ألفت نظرك إلى أمر أخالنا متفقين عليه وهو أن الموت لا يأتي مرتين، لكنك أصبحت منذ موتتك الأولى تموت آلاف المرات على يد أتباعك المخلصين، فكل شخص يقدس تعاليمك يغتالك مرة، وكل من يتحدث باسمك يغتالك مئة مرة، وكل برئ يُقتل بسبب فتاويك يغتالك ألف مرة.

لقد آن الآوان لاغتيال هذه الدمى المصطنعة المتناثرة في أرجاء المعمورة حتى ننتهي من طغيانك وجبروتك غير المقصود يا شيخ الإسلام، أعلم أنك قد تتبرأ من كل ما يحصل باسمك، لكن هؤلاء الداعشيون والتائهون في سبات تنويمك المغناطيسي لا يفتأون يسبحون بفتاويك التي صارت موازية للنص المقدس بعد أن كانت حاشية في ذيله، فهل توافقني على هذا الصنيع ؟&

من خلال معرفتي بك من خلال كتبك أعلم أنك خصيم الطوطمية الأعظم، فلا أشك أنك ستكون صاحب الطعنة الأولى للتطرف المسجى باسمك في كل بقعة من بقاع الأرض...والله على ما أقول شهيد. &

&