ما كنت أريد الكتابة حول هذا الموضوع وإنما عزمت على كتابة مقال حول الخدمة التي يقدمها أعداء الاسلام والمسلمين لهم بمهاجمتهم لدينهم، ولكن بما أنه تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية لوفاة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وبما أن بعض المعلقين على مقالاتي السابقة وجهوا اتهامات للاسلام وقالوا انه يستعبد المرأة ويصادر حقوقها وحريتها ولا يقيم لها وزنا ولا مكانة لذلك ارتأيت الكتابة عن مكانة المرأة في الاسلام، على أن أكتب عن الموضوع آنف الذكر والذي سيكون عنوانه (أعداء الاسلام يخدمون ديننا وهم لا يشعرون) لاحقا.
رغم تبجح الغرب باحترامه لحقوق المرأة، ولكن هناك العديد من النماذج التي تدحض هذا الادعاء، من بينها قانون منع ارتداء الحجاب، أليس هذا القانون يتعارض مع حرية المرأة، أم أن المسلمة مواطنة من الدرجة العاشرة وبالتالي يطبقون عليها ما يشاؤون من قوانين؟ ومن النماذج الأخرى هي ظاهرة ربما القليل من الناس التفت اليها، وهي لماذا تمر اغلب الفتيات بعشرات العلاقات الغرامية الفاشلة قبل أن يستقر أمرها بالزواج، بل ان الزواج كثير من الاحيان ينتهي الى الانفصال رغم التقليد السائد في الغرب على أن الزواج لا ينعقد الا بعد علاقة وثيقة بين الزوجين ومعرفة عميقة تنتهي الى انسجام كامل بينهما؟
المرأة الغربية لا تختلف في رغباتها وتوجهاتها ونظرتها للشريك عن المرأة الشرقية، فانها تريد أن يغمرها زوجها بالحب والعطف والحنان ومستعدة لأن تكابد متاعب الحياة معه وتشاركه فيها، وتتحمل كل مشاكله لو وثقت في حبه لها، ولكنها لا تطيق أدنى حركة وخطوة تشير الى أن قلبه مع غيرها وليس معها، ولذلك سرعان ما تتحطم العلاقة وتنهار لمجرد شعور المرأة بذلك، والسؤال المطروح أين حقوق المرأة هنا؟
القوانين الغربية التي تدعي انها صارمة حيال حقوق المرأة تقف صامتة تجاه الكارثة النفسية التي تصيب المرأة نتيجة فشل علاقتها مع حبيبها، وغالبا يخرج الرجل الرابح الرئيسي من هذه الكارثة، فبعد أن يستنفذ رغباته وشهواته يرمي المرأة وكأنها سلعة رخيصة، هذا اذا قلنا ان الرجل كان يريد من علاقته بها تمضية باقي حياته معها، فغالبا الرجال يسعون من علاقاتهم اشباع رغباتهم ونزواتهم، ثم ترك المرأة لتعاني لفترة طويلة أو لربما لبقية حياتها من فشل علاقتها بحبيبها.
الاسلام عالج هذه الصدمة والكارثة التي تصيب المرأة نتيجة غدر الحبيب، بقانون واضح ولايستثني أحدا وهو أنه حرّم أية علاقة بين الرجل والمرأة إن لم تكن هذه العلاقة موثقة برباط شرعي، وهو الزواج، والهدف الأساسي من ذلك ليحفظ كرامة المرأة وشأنها، وليعرف الرجل إن (بنات الناس) ليس لعبة بيده متى شاء أقام علاقة معها ومتى شاء تركها، وانما عليه التزامات ومسؤوليات تجاه هذه المرأة، ومن بين هذه الالتزامات المهر والنفقة، لذلك اذا قرر ان يتركها عليه أن يدفع المبلغ الذي اتفق عليه معها، كتعويض مادي بسيط عن الضرر الذي سببه لها، ولا شك ان الاسلام يعتبر الطلاق آخر الحلول ولذلك فانه يدعو الى حل مشكلتهما ويقول (ان أبغض الحلال عند الله الطلاق).
ليرد أولئك الذين يتهمون الاسلام بقمع المرأة وحرمانها من حقوقها على السؤال التالي، كيف يحل الغرب الذي يتبجح بدفاعه عن حقوق المرأة وأحل العلاقات بين المرأة والرجل هذه المشكلة الكبيرة التي تصيبها عندما يقرر الرجل تركها، لا لشيء وانما لمجرد أنه لا يعجبه الحياة معها؟ الاسلام يعي جيدا هذه المشكلة ولذلك يضع غرامة مادية (إن صح التعبير) على الرجل، كجزء بسيط للتعويض عن الضرر النفسي الذي لحق بالمرأة، لذلك فان فقهائنا يقولون، انه لا تجوز العلاقة بين الرجل والمرأة من دون عقد زواج يتضمن مهر للمرأة يتفق الاثنان على مقداره ونوعيته، لذلك اذا قرر الرجل ترك المرأة أو تطليقها بعد عقد الزواج فإذا كان قد دخل بها وواقعها فعليه أن يدفع كل المهر واذا لم يدخل بها فعليه أن يدفع نصف المهر.
هناك المئات من القوانين والنماذج التي تؤشر على احترام الاسلام للمرأة وحقوقها، وعلى سبيل المثال فان رب العالمين يندد في القرآن الكريم بشدة بظاهرة وأد البنات في عصر الجاهلية، "وإذا المؤودة سؤلت بأي ذنب قتلت" فكانوا يقتلون الموليدين الاناث ويدفنونهم وهن على قيد الحياة بينما يبقون على الذكور، ويندد القرآن ايضا بالظاهرة التي تسود أغلب المجتمعات، وهي ان الأب يغضب عندما يعلم ان زوجته ولدت أنثى "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"، وبما أن النبي الأكرم محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام لم يكن لديه أبناء ذكور وكانوا يولودون ثم يموتون، ومع انه كان لديه فاطمة الزهراء عليها السلام إلا ان الكفار كانوا يعيبون عليه بأنه ليس له عقب وان نسله انقطع، فيرد رب العالمين عليهم بقوة عندما يعتبر ان وجود فاطمة يعد شيئا كثيرا "إنا أعطيناك الكوثر" وبذلك يرفع الله قيمة المرأة إلى درجة عليا.
يكفينا أن ندقق في نمط العلاقة التي كانت تربط النبي الأكرم مع ابنته فاطمة، لنعرف ما هي القيمة التي يخصصها الاسلام للمرأة، وبغض النظرعن العلاقة الطبيعية نرى ان النبي يصدر حكما شرعيا تجاه طبيعة العلاقة بفاطمة فيقول "فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني، ومن أبغضها فقد أبغضني"، وعندما يصدر النبي حكما شرعيا فهذا يعني ان على المسلمين جميعا أن ينفذوه، فاذا كان الاسلام يحط من قدر المرأة ومكانتها فهل كان الرسول يصدر حكما بهذا الحجم وبهذا الوزن تجاه امرأة؟
اليوم لا نجد مسلما لا يحترم ولا يثمن مكانة فاطمة الزهراء بل انهم يتقربون الى الله بحبهم لفاطمة وأبنائها وعموم أهل البيت، ويتعلمون من نبيهم طريقة التعامل مع زوجاتهم وبناتهم، فأين يحط الاسلام من قيمة المرأة ومكانتها.
الشيعة يقيمون سنويا مجالس الفرح والسرور بولادة فاطمة الزهراء، وأيضا يقيمون مجالس الحزن والعزاء في الذكرى السنوية لوفاتها، تعظيما وتقديسا لهذه المرأة وتلقى خلال هذه المجالس المواعظ والخطب حول مكانة المرأة في الاسلام وضرورة احترامها والتعامل معها برقة ورحمة.
كما ان فاطمة الزهراء ألقت خطبة عصماء امام الخليفة أبو بكر بعد وفاة أبيها وأعترضت في الخطبة على ابو بكر، وكانت خطوتها هذه تشريع بجواز العمل السياسي والاعتراض على الحكومات، وبما ان الزهراء كانت رفيقة والدها وروحه الذي بين جنبيه، كما عبر سلام الله عليه عنها، لذلك فانها أعرف بأحكام الاسلام من غيرها، ولو كانت خطوتها الاحتجاجية على الخليفة أبو بكر غير مشروعة لأعترض عليها زوجها الامام علي وكذلك أبنائها.&
لو نقرأ فتاوي الفقهاء حول حقوق الزوجة ومسؤولياتها في بيت زوجها، لتبددت لدى الكثيرون الشبهات التي يثيرها أعداء الاسلام تجاه الاسلام وموقفه من المرأة، وبايجاز نورد بعض الاحكام المتعلقة بحقوق المرأة، فلا يجوز للرجل أن يرغم زوجته على العمل في البيت، كما لا يجوز له ارغامها على ارضاع الوليد، على الرغم من انه ابنها، وبامكانها أن تأخذ مبلغا مقابل الارضاع، ويجب على الزوج أن يسعى الى توفير الحياة التي تتوفر لمثيلاتها، فعلى سبيل المثال ان كانت مثيلاتها لديهن خادمات فعليه أن يوفر لها خادمة، ولا يحق للرجل تطليق زوجته خلال الدورة الشهرية، وغير ذلك المئات من الاحكام والقوانين التي تحترم حقوق المرأة.
بعض الذين ينادون بحرية المرأة يخفون أهدافهم الحقيقية وراء هذا الشعار البراق، فهؤلاء يسعون الى تحويل المرأة الى سلعة رخيصة تلبي رغبات الرجال الذين لا يريدون أي التزامات تجاه حقوقها، ولا يهمهم كرامتها.
التعليقات