يعيش المجتمع العربي منذ عقود في إزدواجية مُركَّبة فيما يخصّ المرأة وجمالها ونسبة المعرفة التي يعتبرون أنها تتناسب عكسياً كلما ازدادت نسبة الجمال عندها، حيث بإمكاننا القول أنّ هناك مُعضِّلة ما بعنوان "الشرق ومُتلازمة المرأة بين الثقافة والجمال"!&

ففي حِين تحصل المرأة الجميلة على الدَّعم الأكبر من المجتمع والمُحيط بسبب جمالها؛ قد تَفقد - غالباً - بنظرهم احتمالية أن تكون مُثَقَّفة أو مُفكِّرة! وهنا السؤال:&

لماذا يَفصل المجتمع بين الجمال والثقافة؟ لماذا يَحتكِر أحدَ هاتين الصِّفتَين دون الأخرى لامرأة واحدة؟ فإمّا أن تكون جميلة مُغرية، أو أن تكون مُثقَّفة ومُفكِّرة!! حتى أنه طُرِح سؤال في أحد المُنتديات العربية يقول "هل من الممكن أن يجتمع الجمال والثقافة في المرأة؟"!! مجرد طرح هكذا سؤال وقبل المرور على الإجابات والتعليقات، يُعطينا خلفية واضحة لتقييم الرجال للمرأة من هذا الباب وجَدَلية الفكرة لديهم في أن تحوي المرأة هذَين العامِلَين معاً!&

وبالرجوع للأسباب، فنرى أنه قد صُوِّرَت المرأة الجميلة في مجتمعِنا وعلى مَرِّ عُصور أنها 'ربما' ليست ذكية ولا تحمل بُعداً فِكرياً، وهذا يعود لأنهم صوّروا المرأة المثقّفة بالمجتمعات الشرقية بصورة مُعيّنة لا تشبه أبداً تلك المرأة الجميلة التي برأيهم لا تهتمّ إلاّ بمَظهرها الخارجي ولِباسِها وغيره من مظاهر الأنوثة! والموضوع هو موروث ذُكوري أعطى صورةً للمرأة بمَحدوديّة الشكل الخارجي كغريزة للشهوة الجنسية للرجل فحسب، وهذا ليس إلاّ امتداداً لنظرة الرجل الشرقي للمرأة بشكل عام وتصنيفها بحسب أهوائه ورغباته ضارباً بعرض الحائط عقلها وقيمتها الإنسانية. فضلاً عن أننا لم نتخلّص في العالم كله بعد من تأثير ومُلحَقات النظام الأبوي الذي فرضه الرجل منذ أكثر من&الفي سنة&من الزمن تعزَّزَتْ خلاله هذه النظرة وبقوالب جديدة أيضاً. فحتى الغرب لم يتحرر بشكل كامل من هذه العنصرية لعدة أسباب منها الفترة الزمنية؛ حيث لم يتجاوز عمر التحرّر وحقوق المرأة إلاّ عدة عقود من الزمن كان الإنسان نفسه فيما مضى عبداً للإنسان. والغريب أن ثورة العبيد حرّرت العبيد ولم تُحرّر المرأة!&

السبب الآخر هو القانون الذي ما زال في كثير من البلدان لا يُنصِف المرأة وخاصةً في قوانين الأحوال الشخصية وأخصّ بهذا العربية، فنحن بحاجة لتعديل في قوانين الأحوال الشخصية الخاص بحقوق المرأة والمساواة والزواج والطلاق ومسألة الإرث وغيرها؛ بحاجة لقوانين أكثر مَدَنية بعيدة عن التفرقة العُنصرية بين الرجل والمرأة والتي ستُساهم بتقريب العلاقة بينهما وبالمَضي قدما نحو التحرّر من الموروث لنرقى لفهم وتقدير الإنسان إنسانياً وبيولوجياً. هذا حتماً سيُعزّز ثقة المرأة بنفسها وبقدراتها وبأنها ليست فقط جسداً جميلاً؛ بل عقلاً جميلاً أيضاً وعُنصراً فِكرياً مهماً!&

وقد يغفل الرجل الشرقي عن أسماء كثيرة لنساء جميلات تسلّمن مراكز سلطة وغيّرن التاريخ ولم يتخلّين عن أنوثتهن ولم ينسين أنهن جميلات أيضاً ومنهن زنوبيا ملكة تدمر وكليوپاترا وملكة سبأ وغيرهن كثر. كما أنه هناك من العصر الحديث من كان لهن بصمة وأثراً في المجتمع الإنساني وكُنَّ رائدات في الثقافة والفِكر ولم يتنحّين عن دور المرأة الأنثى أيضاً رغم أنهن قليلات مِمَّن لم يتأثّرن بالفِكر الذكوري ويثبتن أنفسهن في ظل مجتمع أبوي لا يراهنّ سوى أجساداً للفراش. مع هذا كُنَّ قليلات مقارنةً بالوضع الآخر للمرأة التي تنحّت عن إحدى هاتين الصفتين مقابل الأخرى تطبيقاً لتلك النظرة.&

ولكن، ومن جهة أخرى، فهل السبب هو الرجل فقط؟ ماذا عن المرأة نفسها وأين هي من كُلِّ هذا؟! هل ساهمتْ هي نفسها بتثبيت هذه النظرة؟ برأيي نعم، كان للمرأة في مجتمعِنا دوراً مهماً في 'توثيق' هذه النظرة وتثبيتِها عَبر الأجيال بسبب النسبة الغير قليلة التي تمثِّل هذه الحالة، حيث تتشدّقُ الكثيرات من نسائنا في المجتمعات العربية بجمالهن وامتلاكهن عامل الجمال الخارجي والذي في كثير من الأحيان قد يَخلو من العامل الثقافي والفِكري بل ويتطرّف أحياناً ليخلوَ من عامل الجمال الداخلي، وهنا أقول نسبة غير قليلة ولا أُعمّم. وتِباعاً، فإني أطالب نساءنا اليوم بالتّغيير والتمرُّد على هذه النظرة وتثقيف أنفسهنّ والخروج من طوق تلك الدائرة التي أرادها الرجل سابقاً لهن، وحيث برأيي أنّ الرجل مهما كانت المرأة جميلة قد تتغيّر نظرته لها إذا كانت جاهلة، سطحية، أو ساذجة، والعكس صحيح أيضاً حين تفقد المرأة المثقفة كل نواحي الأنوثة وتنسى أنها أنثى! فعلى المرأة ألاّ تُكرّر تجربة الأُخريات وتُثبت بهذا نظرية الرجل إمّا جميلة تهتم بأنوثتها وإمّا مثقفة تضع أنوثتها وراءها، بهذا هي تُسيء لنفسها ولعقلها وقيمتها الإنسانية ككل. بالتالي، عليها أن تبدأ من نفسها أولاً؛ يجب أن يكون لديها "الرغبة" في إثبات نفسها وتفعيل دورها الحقيقي في المجتمع وهذا يكون أيضاً بدعم قانوني ويتم عبر مؤسسات تَنمَوية تبدأ من الأسرة والمدرسة والعمل.&

بالمقابل، أطالب الرجال بالإنفتاح والتغيير والخروج من تلك الدائرة الضيقة التي وضعوا أنفسهم والمرأة بها!! فليس كل جميلة بالضرورة بعيدة عن الحقل الثقافي والفِكري، وليس كل مثقفة بالضرورة أن تكون بشكل معين ولباس معين يتناسب وأفكار "فئة معينة" مِمَّن يربطون الأخلاق والثقافة باللباس والمظهر الخارجي مُتناسين بهذا المُفارَقة بالثقافات والعادات الإجتماعية لكل مجتمع حتى داخل البلد الواحد. ولهم أن يعرفوا أنّ هناك كثيرات مِمَّن يمتلكن هَذَيْن العامِلَين وقد بذلن مجهوداً في حياتهنّ كي يصلن لهذه المرحلة وقد يُعتَبَرن نساء رائدات بامتياز.

يقول أنيس منصور "في أعماقِنا طاقات لا تُحرّكها إلاّ المرأة الذكية الجميلة – إِنْ وُجِدَت"، فكم هي إضافة إيجابية أن تمتلك المرأة العامل الثقافي في شخصيّتها إضافةً لجمالها واهتمامها بأنوثتها. وإنْ وُجِدَت؟ نعم موجودة وعلى الرجل تغيير هذه النَّزعة العُنصرية والنظرة القاصِرة!&

وأخيراً، يقول جبران خليل جبران: [إنّ المرأة التي تمنحها الآلهة جمال النفس مَشفوعاً بجمال الجسد هي حقيقة ظاهرة غامضة نفهمها بالمحبة ونلمسها بالطهر، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والإلتباس]. وأُضيف: المرأة الجميلة فِكراً وخُلقاً وجسداً قيمة إنسانية لهذا العالم الضال، وهي شريكة للرجل إيجاباً بكل هذا وليس العكس!&

&

ريم شطيح - كاتبة سورية&

&