هوليوود.. تاريخ طويل في العبث بالوعي – واللا وعي ! - البشري منذ أن عُرِفت في ثنايا كتب التاريخ الأمريكي القديم بأرض السحرة، والذين كانوا يقطنونها بكثرة بسبب اعتمادهم على وفرة ونوعية خشب أشجارها في عمل معداتهم وطلاسمهم التي كانوا يستخدمونها في سحر أعين الناس وتغييب عقولهم! – ومن هنا أتت تسمية "هوليوود" التي تترجم للعربية حرفياً إلى "الخشب المقدس!". وما أشبة الليلة بالبارحة، فرمزية التسمية الكلاسيكية رافقت وتماهت مع واقع هوليوود الجديد (أو ما أطلقت عليه "نيو- هوليوود" على غرار، "نيو- ليبرالي..، نيو - استعماري"!).&

يبدأ مفعول سحر هوليوود بالانتشار في غرف مظلمة تُدعى "صالات السينما" عندما يدخل الجمهور المتسمر أمام شاشات العرض في مرحلة غيبوبة تعرف في مجال علم النفس بمرحلة توقف الانكار، وتسليم الأعين بما تراه والذي هو في الواقع مجرد خيالات وأوهام في غالب الأفلام أي إن جمهور السينما يعيش - حرفياً – فيما يشبه الحلم – وهوليوود تُعرف في أمريكا بمصنع الأحلام! – يتعلق فيه بأحداثه وأبطاله حدّ التفاعل بالبكاء أحياناً، وغيرها من المشاعر المكبوتة التي تجد في أفلام السينما مجالاً للتنفيس عنها. وهنا تأتي خطورة دورهوليوود وأفلامها عبر عملية تحكم بالعقول مدروسة ومقصودة لإيصال رسالة ما، وأقصد بالدرجة الأولى التحكم بالعقل اللا واعي، المعروف بأنه يتعامل فقط مع الصور والمشاعر على نقيض العقل الواعي الذي يتعامل بالمنطق والواقع!. ونقطة نظام هنا قبل المضي بسطوري وهي أني بمقالي هذا لا استهدف النيل من الفن السابع على الاطلاق فأنا في الصف الأول من جمهوره الذي يسعى للراقي من رسالته، بل استهدف كشف بعض الجانب المظلم في رسالة هوليوود وأفلامها (وما خفي أعظم، وقد أفرد مستقبلاً مقالاً كاملاً لسبر أغوار هوليوود، ولا أظنه سيكفي!) التي أصبحت أكبر منظومة توجيه وتغيير رأي عام عرفها التاريخ البشري، وقطعاً لست الأول والأحذق فيمن كتب وتطرق لهذا الموضوع.

السياسة الأمريكية وهوليوود مرتبطتان، وتعزز إحداهما الأخرى، فالسياسة الأمريكية تعزز صور هوليوود، وصور هوليوود تعزز السياسة الأمريكية! تماهي لا أجد لمحصلته سوى وصف الراحل أنيس منصور، "فن السفالة الأنيق"!. يقول جاك فالينتي، "زعيم هوليوود" والرئيس السابق للجمعية الأمريكية للسينما، المسيطرة على أكبر استدوديوهات هوليوود، "واشنطون وهوليوود تنبعان من ذات الحمض النووي"! وقطعاً مثل هذا التوصيف "الدقيق" ليس مستغرباً أن يخرج به جاك، وهو بجانب أنه كان أحد أعمدة هوليوود، فقد عمل أيضاً كمساعد خاص للرئيس الأمريكي/ ليندون جونسون!

برزت هذه "التوأمة" بين واشنطون وهوليوود عبر تمويل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على مدى سنوات طوال – وما زالت - للكثير من أفلام هوليوود، ومن بين هذه الأفلام نجد أن النسبة العظمى منها استهدف تناول قضايا العرب والمسلمين بصورة عنصرية ومجافية للواقع وتثير مشاعر الكره ضد العرب والمسلمين، ولعل أكثرها فجاجة وعنصرية هو فيلم "قواعد الاشتباك – Rules of Engagement"، الذي انتجته هوليوود بالتعاون مع البنتاغون في عام 2000، وكتب قصته وزير البحرية الأمريكية السابق، جيمس ويب، وتدور أحداثه "الخيالية" في اليمن، حول تظاهرات لمجموعة كبيرة من المواطنين اليمنيين خارج السفارة الأمريكية بصنعاء، تستدعي على إثرها طاقم السفارة بأن يستنجد برجال المارينز الأمريكي لإخلاء الطاقم. وعندما يقدم المارينز بالطائرات ويقوم بعملية إنزال أفراده على سطح السفارة، نرى قائد المجموعة العقيد شارلي – المثل الأمريكي/ صامويل جاكسون – يطل من على سطح المبنى فيلمح بين الحشد فتاة صغيرة فاقدة لإحدى ساقيها تتأبط عكازاً فيتأثر بهذا المنظر – وقطعاً المشاهد للفيلم حينها -، ولكن بعدها يقوم الحشد اليمني المتظاهر رجالاً ونساء وأطفالاً بتوجيه الأسلحة نحو سطح السفارة وإطلاق النار، وتأتي حبكة المشهد حينها عندما يتفاجأ قائد المجموعة بذات الفتاة الصغيرة المعاقة تحمل مسدساً وتطلق النار هي الأخرى باتجاههم، وهنا يصرخ القائد في أفراده "أبيدوا هؤلاء الأوغاد"! – ولنا أن نتخيل تعاطف المشاهد في هذه اللحظة مع أمر القائد! -، وينتهي المشهد بجثث اليمنيين المتناثرة – وبينها الفتاة الصغيرة - في محيط السفارة!. بحسب الفيلم هي مجزرة.. نعم، ولكنها مجزرة مبررة بل وتلقى القبول والتصفيق عند المشاهد المتعاطف حيث يُبرر من خلالها قتل الرجال والنساء والأطفال، عبر إضفاء النمطية الهوليوودية على هؤلاء الضحايا بأنهم "إرهابيون" و"مخادعون" لا يستحقون الشفقة، ولا يختلفون عن أولئك "الإرهابيين اليمنيين" التابعين للقاعدة، الذين تلاحقهم حتى اليوم الطائرات الأمريكية المسيّرة عن بعد - بدون طيار - في الأراضي اليمنية ويتم قصفهم والمدنيين، وهنا تأتي أهمية مثل هذا الفيلم الهوليوودي كعامل تمهيد وترسيخ لقبول وتأييد الرأي والوعي – واللاوعي! - العام الغربي لعمليات أمريكا الإرهابية في اليمن وغيرها من أوطاننا!

نفس النمطية الهوليوودية أضف إليها تصوير الذئب على أنه "حمل وديع"، والمجرم على أنه "بطل وأسطورة أمريكية"، تتجلى في الفيلم الهوليوودي الأخير "قناص أمريكي – American Sniper"، الذي يروي قصة حياة قناص الوحدة الخاصة بالمارينز الأمريكي، كريس كايل، وجرائمه في العراق – التي صورها الفيلم بأنها بطولة وشجاعة! - التي بلغت بحسب تقديرات رسمية أمريكية نحو 160 قتيلاً عراقياً بين رجل وإمرأة وطفل (وهو الرقم الذي أنكره كايل متبجحاً بأن العدد أكبر من ذلك ويصل إلى أكثر من 250 قتيلاً!) برصاصاته الغادرة. والفيلم من انتاج وإخراج الممثل الهوليوودي المعروف، كلينت إيستوود، ويبدو أن إيستوود قد بلغ خرفه الفني قبل خرفه البيولوجي (84 سنة)!، بداية من كذبة كون الفيلم مبني على "أحداث حقيقية" مقتبسة عن كتاب كريس كايل الذي يحمل نفس اسم الفيلم (بالإضافة إلى باقي عنوان الكتاب الفج المتبجح... مذكرات القناص ذي السلاح الأفتك في تاريخ الجيش الأمريكي!)، الذي قام بتأليفه قبل مقتله. وصولاً إلى محتوى الفيلم البائس فنياً والمجافي للواقع بشهادة ابناء بلده قبل غيرهم – من ضمنهم المتخصص في مجال السينما أو ممن خدم في الجيش الأمريكي – ممن أشبعوا الفيلم نقداً سلبياً في مضمونه الفني والسردي للأحداث، والتي انتقدت "بطولة" كايل المزيفة، واكتفي هنا بتعليق الجندي السابق في المارينز الأمريكي، والحاكم بعدها لولاية مينيسوتا، وأحد مناهضي الغزو الأمريكي للعراق، جيسي فينتورا، خلال مقابلة تلفزيونية مؤخراً معه حول "القناص الأمريكي"، حيث علّق، "البطولة أن تواجه عدو بسلاح في أرض المعركة، وليست في أن تقتل طفل أو امرأة غيلة وأنت متخفي"!. وختاماً بنهاية الفيلم عبر المشهد الأخير عندما يودّع كايل امرأته وطفله ويغادر المنزل، لتبرز باقي النهاية من خلال نص مكتوب يروي مقتل كايل من قبل صديقه، دون الإشارة أين وكيف ولماذا؟! بعدها ينتهي الفيلم بمقطع توثيقي يُظهر اصطفاف بعض أهالي مدينة كايل في الشوارع وهم يرفعون الأعلام الأمريكية أثناء مرور الموكب الذي يحمل نعش كايل. بينما نهاية كريس كايل في الواقع حددتها عدالة السماء وليست عدالة إيستوود أو هوليوود، عندما استقرت في رأس كايل في ميدان للرمي بولاية تكساس – مسقط رأسه - رصاصات أمريكية غادرة لم يتم التثبت حتى اللحظة من مطلقها ودوافعه، وسبحان العادل المنتقم من جعل الجزاء من جنس العمل!

&

نهاية الجزء الأول!