&
روى الرحالة والأديب المعروف/ أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب"، بأنه خلال إحدى لقاءاته المتكررة مع الملك/ عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، قرأ على الملك قول المتوكل الليثي:
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل مثل ما فعلوا
&
فأبدى الملك عبدالعزيز تحفظه على البيت، واستدرك قائلاً: "يا استاذ.. نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا"! فأجاز الريحاني هذا التغيير وأعجب أيما إعجاب ببديهة الملك وهمته!&
لا تحتاج أن تقرأ الكثير في سيرة الملك عبدالعزيز لتدرك بأن الرجل كان "قول وفعل"، ويكفيك في سيرته ما أحاط بالعنق من القلادة.. أو.. ما أحاط النخلة من السيفين.. يكفيك صنيعه.. المملكة العربية السعودية.
&
الملك السعودي الجديد سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، سِرُّ أبيه.. حرفياً!، فعلاوة على ملازمته والتربية على يديه، فالملك سلمان ومنذ زمن طويل كانت قد خلعت عليه الخاصة والعامة في المملكة لقباً أدبياً قبل الملكي ألا وهو "مؤرخ آل سعود الأول"، وذلك لإلمامه الواسع والمتفرد بتاريخ الدولة السعودية منذ قيام أول أمرها قبل أكثر من 300 عام، ووصولاً إلى دولة والده – الدولة السعودية الثالثة - المؤسس الفعلي للمملكة العربية السعودية، التي كان شاهداً على عصرها، والعصور التي تلت لاخوته الملوك حتى اعتلائه عرش المملكة مؤخراً. ولعل هذه الدراية التاريخية الواسعة جعلت من "أبي سلطان" أسرع الملوك السعوديين نحو البناء "فوق" ما بنى أسلافه، وقد تجلى ذلك في القرارات والمراسيم الملكية التي أصدرها بسرعة قد تتماهى وسرعة المكوك الذي انطلق فيه ابنه "سلطان" في رحلته إلى الفضاء كأول رائد فضاء عربي مسلم!&
&
توجهات الملك سلمان المسارعة نحو التغيير في سياسات المملكة الداخلية والخارجية تستحق وقفة وإشادة خصوصاً وأن من بين هذا التغيير ما كان يُعتقد بأن دونه خرط القتاد! فعلى صعيد التغيير الداخلي السعودي، لعل خير ما نلمع إليه هو في تعيين كم كبير من الطاقات الشبابية المؤهلة – استمتعت وانبهرت عند قراءة أغلب سيرهم الذاتية - في مناصب وزارية وقيادية، وهذا مما يحسب اليوم وسيحسب غداً بلا شك في صالح المواطن السعودي وسجل الملك الاصلاحي. وكمتابع خارجي – وإن عُددت “صاحب بيت” بحكم الجيرة والدين – للشأن السعودي فقد استوقفني واثلج صدري نهج الملك الخارجي المسارع في اتباع سياسة التقارب وإعادة بناء الثقة والمصالح في المحيط الإقليمي من جهة، وأعني بالتحديد "تركيا"، هذه القوة الاقليمية التي لم يحسن العرب بعد وبالدرجة الأولى دول الخليج العربي التعاطي معها بلغة براغماتية سياسية واقتصادية معاصرة، فلماذا لا – لم - يتم مثلاً استغلال مماطلة الاتحاد الأوروبي منذ عقود في ضم تركيا كدولة عضو فيه بأن يتم احتضان تركيا في حلف سياسي اقتصادي إقليمي يضم دول الخليج العربي ومصر الدولة الإقليمية الكبرى الأخرى؟ أما كانت هذه الخطوة خاصة ونحن في عهد التحالفات على الساحة السياسية الدولية والعودة لمضمون التوجهات الجيوسياسية الكلاسيكية التوسعية، لترجّح ميزان القوى في المنطقة لصالح هذا الحلف طبعاً أمام الغريم الإقليمي الإيراني وكبح جماحه التوسعي بل وإذعانه عندها أمام الأمر الواقع الجديد؟ عموماً مبادرة الملك سلمان في بداية عهده المتمثلة بزيارة تركيا والالتقاء برئيسها أردوغان وثم العكس أنبأت عن حنكة الملك كقائد سياسي يتجه نحو إحداث "ثورة عربية كبرى" في طبيعة العلاقات مع دول المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى إبراز دور السعودية كقوة إقليمية – الذي للأسف لم تلعبه بالشكل المطلوب في السابق إقليمياً ودولياً! -لا تخشى التعاطي مع واقع المنطقة بسياسة واقعية عملية "RealPolitik" تتطلبها أحداث وتحديات المنطقة والعالم، وهذا ما ينقلني إلى الجهة الأخرى.. جنوب المملكة.. اليمن.. نحو التحالف العربي – بمشاركة باكستان - الأخير الذي قادته السعودية تحت مسمى "عاصفة الحزم" لتحرير اليمن من قبضة الشرذمة الحوثية والعفاشية – نسبة إلى المخلوع علي صالح عفاش وشرذمته! - وإعادة الأمن والشرعية وصفة "السعيد" – نأمل - مجدداً إلى اليمن. أجمل ما في هذا التحرك علاوة على البعد الأخلاقي والانساني وتدفق هواء "عزة عربية" إلى رئات اهترئت بغبار الاستكانة والضيم، فإنه من منطلق جيو- سياسي واستراتيجي، يُعتبر أول تحرك عربي "خالص" لإعادة توازن القوى في المنطقة وكبح جماح إيران للتغلغل في اليمن والمنطقة، كما ويعتبر أول تحرك سعودي "خالص" للصعود كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة يُنتظر منها الكثير في اليمن وسوريا والعراق ليبيا ونحو القضية الفلسطينية وقضية الاحواز المنسية.. بما يعني عواصف حزم أخرى – ليست بالضرورة عسكرية – قد نجد بعدها ربيعنا العربي المنشود بعد إن استحال موسم "الربيع الأول" في مجمله إلى عواصف تدمير لا تغيير!، وسلمان لها، وهو ابن القائل "الحزم ابو العزم ابو الظفرات".. المقولة التي قيل بأن تسمية "عاصفة الحزم" اشتقت منها، ويخلق من الشبه ملكين!&
&
أكره "التطبيل" – وسامح الله من قد أساء الظن! - وهذه "خطيئة لا تغتفر" عند "جوقات المطبلين" – أخرسها الله! – المنتشرة في مجتمعاتنا الخليجية والعربية.. أحمد الله عليها!، ولكن أطربني – والحُر طروب! - وقع طبول التغيير و "الحزم" التي أشار لقرعها الملك سلمان مع بداية عهده - الميمون بإذن الله -، فاستحق مني أُذناً واعية، وانتباه يراعيَ، ولاختم السجع والمقال هنا..، وأيدٍ داعية بأن يوفقه الله لخدمة ونصرة الأمتين الاسلامية والعربية بما يلئم الشمل وينهض بنا بين الأمم. وكما قال أحد الصالحين وأظنه الفضيل بن عياض،&"لو كان لي دعوة خير مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان، فإني إذا جعلتها في نفسي لم تجاوزني، وإذا جعلتها في السلطان عمّت البلاد والعباد".
&
كاتب بحريني