تزخر الصحف الأميركية التي تتناول مؤتمر كامب ديفيد بالتحليل وتبرير غياب الملك سلمان وهي تقول أن العرب "غاضبون" جراء المماطلة الأميركية والتساهل مع إيران وهي تريد ضمانات أمنية وتحالف خليجي-أميركي أقوى وملزم للولايات المتحدة ويجب أن يكون "خطيا". وفي الواقع أن الذي يطالع هذه التحليلات يشعر بالاضمحلال جراء هذا الموقف العربي الذي يدل على ضعف واستجداء الحليفالأميركي للرفق به وعدم التساهل مع عدوه. وكأن الولايات المتحدة تلتزم باية قرارات واتفاقيات وكأنها ليست من غدر بالعرب مرات عديدة وكأنها ليست هي التي جلبت الخميني إلى سدة الحكم في إيران وكأنها ليست من خلق الدولة الإسلامية (داعش) وكأنها ليست من أوجد تنظيم القاعدة، وكأنها ليست من باعت الأسلحة لإيران في حربها مع العراق وليست من تعاونت مع حلفاء إيران لاحتلال العراق، وليست صاحبة فظائع سجن أبو غريب وليست من استخدم الفيتو لحماية إسرائيل من المقاومة الفلسطينية، وليست من أوجد الإخوان المسلمين وسلطتهم على كل قوة وطنية صادقة تظهر في الدول العربية، وليست وليست......&

بالتأكيد أن حكام العرب مدركون لهذا جيدا ولا يفوتهم أي حدث تاريخي ذا دلالة أمنية. وربما يدفعهم انعدام الحيلة إلى السعي إلى حماية أنفسهم من خلال القنوات الدبلوماسية ومطالبة الإدارة الأميركية بضمانات أمنية، وهم محقون بذلك، ولكن على الأقل يجب عليهم اتخاذ خطوات عملية لتحصين الداخل العربي من خلال إجراءات عسكرية وإعلامية وتوسيع نطاق التفاهم مع دول شرقية مثل روسيا والصين وكوريا، وهي الدول الحليفة لإيران والتي تناصرها في مساعيها على أمل أن توازن الوجود الغربي في المنطقة ويكون لها كلمتها في القرارات الاستراتيجية.&

يمكن للدول العربية أن تقوم بكافة الجهود التي تضمن أمنها داخليا وخارجيا، ولكن في نهاية المطاف، لن تحميها الولايات المتحدة، ولو نجحت الولايات المتحدة في التصالح مع إيران ورفع العقوبات عنها، فإنها ستكسب الكثير وكلما قدمت إيران امتيازات أكثر، كلما فتحت الولايات المتحدة لها الباب على مصراعيه للتوغل أينما شاءت. فقد تعلمت الدرس من مؤتمرات جنيف ومن فشل حركة حلف الناتو الذي تحرك لضرب سوريا كما فعل في ليبيا فتحركت السفن الحربية الروسية فورا. على الدول العربية ألا يساورها شك بأن الولايات المتحدة ستقبل بأي حل مع إيران يضمن أمن إسرائيل مقابل تنازلات أميركية. فكلمة إيران مسموعة لديها لأن روسيا جادة في حمايتها، ونحن نذكر كيف بطشت الولايات المتحدة بصدام حسين لأن روسيا تخلت عنه على الرغم من عقود النفط التي منحها لها صدام عندما استشعر بالخطر ظنا منه أن روسيا ستتحرك لحمايته بسبب تلك العقود النفطية، وينطبق الأمر ذاته على ليبيا.&

لم تتحرك روسيا لنجدة صدام لأنه عدو إيران وهي الحليف الأهم لروسيا، وهذا الأمر لا يزال قائما، فقد فشلت الولايات المتحدة في سوريا بسبب روسيا وإيران، وربما يظن العرب أن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة لمنع إيران من اقتناء السلاح النووي كان يقصد به حماية العرب وذلك أبعد ما يكون عن الصواب، فقد بذلت تلك الجهود حماية لمصالحها وأمن إسرائيل، وإذا اتفق الطرفان على تقسيم المكاسب، فلن تأخذ الولايات المتحدة الاعتبارات العربية بالحسبان، وفي حقيقة الأمر لم يكن النووي الإيراني مشكلة العرب، بل هو التوغل في الأراضي العربية عن طريق العرب والمستعربين الموالين لها من منطلق طائفي، والتفاهم الجاري مع إيران والولايات المتحدة هو حول موضوع آخر لا يتعلق بالعرب، بل يتعلق بأمن إسرائيل، وإذا وافقت إيران على تجميد مشروعها النووي، ستكون جائزتها إفلات يدها في دول الجوار.&

باختصار شديد، فالتحالف الاستراتيجي الإيراني-الروسي فرض على الولايات المتحدة التفاهم مع إيران وإرضاءها بأي شكل، وما على العرب إلا القيام بأقصى حالات التأهب.&

&